رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

في ذكرى ميلاد سيف الدولة الحمداني.. لماذا شجَّ رأس "المتنبي" بالمحبرة؟!

  • جداريات 2
  • الإثنين 22 يونيو 2020, 08:13 صباحا
  • 2215
صورة متخيَّلة لسيف الدولة الحمداني

صورة متخيَّلة لسيف الدولة الحمداني

أمسك سيف الدولة الحمداني الذي تحل ذكرى مولده اليوم من عام 916هـ بالمحبرة وقذف بها الشاعر المعروف أبو الطيب المتنبي وهو يهدر بالشعر في مجلسه ارتجالا، لكن المتنبي لم يتوقف عن إلقاء الشعر بل استمر فيه والدم يسيل من جبهته حتى فرغ.. فما قصة هذا الموقف؟!

لا يخفى أن الشاعر المتنبي واحد من أشهر شعراء العرب الذي قال عنه ابن رشيق القيرواني إنه ملأ الدنيا وشغل الناس، وقد ارتبط باسم الأمير سيف الدولة الحمداني، مؤسس إمارة حلب، وأحد من ساهموا في ضبط بوصلة الخلافة العباسية بعد دخولها عهد الاضمحلال، وقد اعتاد المتنبي أن يمدح سيف الدولة في قصائده ، فكان سيف الدولة يمنحه ثلاثة آلاف دينار كل عام، وكان المتنبي يكتب ثلاثة قصائد فقط.

في أحد الأيام كان الفارس والشاعر أبو فراس الحمداني- وهو شاعر مناوئ للمتنبي ونفس عليه قربه من سيف الدول- يجلس مع سيف الدولة وهو ابن عمه وقد حارب معه كثيرًا وكان أيضًا من أبرز شعراء عصره، فقال أبو فراس لسيف الدولة إنك تجزل العطاء للمتنبي فتمنحه ثلاثة آلاف دينار وهو يكتب ثلاثة قصائد فقط، وأنك يمكنك أن تجلب إلى ديوانك عشرين شاعرًا ويأتوك بأحسن من شعره وتمنحهم مائتي دينار فقط، فاقتنع سيف الدولة بكلام أبو فراس ونفذه، فلما سمع المتنبي بالقصة دخل على سيف الدولة في مجلسه وهو يحمل ورقة في يده ، وكان أبو فراس يجلس معه ، وبدأ المتنبي يقرأ من الورقة الأبيات التالية:

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ         وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ .

ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي     وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ .

إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ        فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ .

قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ     وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ .

فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ         وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ .

فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ          في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ .

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ      لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ .

أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها     أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ .

أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً     تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ .

عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ      وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا.

أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ    تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ .

يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي    فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ .

 

وكان أبو فراس الحمداني يسمع شعر المتنبي، فكان كلما يقول بيت جديد آنذاك، فيرد أبو فراس عليه إن هذا البيت قديم، وظل يفعل ذلك ويسفه من شعر المتنبي حتى غضب أبو الطيب المتنبي، ورمى الورقة من يديه، وبدأ يرتجل الأبيات الشهيرة التي يمتدح فيها نفسه:

سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا/   بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ

أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي/  وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا/ وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ

واستمر المتنبي ينشد في مدح نفسه، فذهل أبو فراس الحمداني بينما غضب سيف الدولة، لأن المتنبي توقف عن مدحه، وبدأ يمدح يده، فحمل سيف الدولة محبرته وألقاها على وجه أبو الطيب المتنبي فأصابت جبهته وسال الدم من جبينه، ولكن المتنبي لم يتوقف فأكمل، فأكمل القصيدة قائلًا:

يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ     وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ

واستمر المتنبي في إلقاء قصيدته والجمع من رجال سيف الدولة في ذهول مما يحدث، ومن ارتجال المتنبي، وفي نهاية القصيدة شعر سيف الدولة أنه كان مخطئ حين سمع حديث أبو فراس وعمل به، وقام بتقبيل رأس المتنبي وقربه منه مرة أخرى.

 

هذا عن موقف واحد في حياة سيف الدولة أماعن حياته فهو سيف الدولة أبو الحسن ابن حمدان، شهرته سيف الدولة الحمدان  (22  يونيو  916  -9 فبراير 967) مؤسس إمارة حلب ، التي كانت تشكل معظم شمال سوريا والمناطق الغربية من الجزيرة، وشقيق الحسن ابن عبد الله ابن حمداد الملقب بناصر الدولة.

وكان سيف الدولة راعياً للفنون والعلماء، وتزاحم على بابه الشُعراء والعُلماء، ففتح لهم بلاطه وخزائنه، حتى كانت له عملة خاصة يسكها للشعراء من مادحيه، وفيهم المتنبي وابن خالوية النحوي المشهور، وأبو النصر الفارابي الفيلسوف الشهير، كما اعتنى بابن أخته الشاعر أبو فراس الحمداني. وقرض هو نفسه الشعر، وله أبيات جيدة.

 واشتهر سيف الدولة بغزواته ضد الروم البيزنطيين التي بلغت أربعين غزوة، ويقول شلومبرگر Schlumberger في كتابه عن "نقفور فوكاس"  عن سيف الدولة: «إن المتصفح لمقتطفات التاريخ البيزنطي في منتصف القرن العاشر ولأكثر من عشرين سنة 334 ـ 356هـ/945 ـ 967م، يجد اسماً واحداً يطفو على كل صفحة من صفحات ذلك التاريخ كإنسان شجاع لا يمل ولا يكل ولا يتعب، وكان عدواً لدوداً للإمبراطورية البيزنطية، ذلك هو أمير حلب سيف الدولة بن حمدان".

 كان سيف الدولة غصة في حلق البيزنطيين ومحولاتهم المتكررة للاستيلاء على الشام التي كانوا يطمعون فيها، ويذكرون من تاريخها أنهم حكموها طويلاً، فكان سيف الدولة بعمله سداً وحاجزاً دون عودتهم إلى هذه البلاد، فخدم بذلك الإسلام والعرب وكان حصنا مكينا على أحد ثغور الإسلام وقت تفشي الاضطرابات في الخلافة العباسية، وظل على ذلك حتى وافته المنية عام 967هـ.

 

تعليقات