رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

د.محمد جاد الزغبي يكتب: الحرب المخنثة وإيران والغرب وروسيا

  • أحمد نصار
  • الإثنين 15 أبريل 2024, 03:02 صباحا
  • 947
د.محمد جاد الزغبي

د.محمد جاد الزغبي

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة تحليل الاحتكاك الإيراني الإسرائيلي الأخير في إبريل 2024 الحالي.

وذلك بين يراها تمثيلية معتادة بين الغرب وإيران، وبين من يراها ضربة حقيقية عندما ردت إيران على إسرائيل بتسيير مئات المسيرات تجاه إسرائيل!

والواقع أنه لكي نفهم هذا الأمر ينبغي أولا أن نفهم طبيعة (الحرب المخنثة) الدائرة في عالم اليوم.

والحرب المخنثة ليست وصفا لحرب محددة بل وصف لطبيعة الاستراتيجية التي تحكم الحروب بين الكبار في عالم اليوم.

فهناك فارق ضخم باتساع المحيط بين حروب القرن العشرين، الحروب المرعبة التي كان أساسها فرض الإرادة السياسية والقومية وفي الخلفية منها يقع الاقتصاد.

وبين حروب عالم اليوم التي لا يحكمها إلا الاقتصاد وحده وتتذيل السياسة والحكومات قائمة التأثير فيها.

فالحرب بين الشرق والغرب في القرن العشرين كان مدارها على الحكومات والقادة والجيوش فقامت الحرب العالمية الأولى والثانية لأجل التنافس بين الكبار على السيطرة، ولم يكن هناك على موقع التأثير إلا المصلحة القومية وحدها.

لذلك كانت حروب الكبار حروب تكسير عظام، لا مجال فيها لأي مقياس أو مكسب أو خسارة تمس أي جوانب أخرى سواء في الاقتصاد أو غيره.

وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية بدمارها غير المسبوق، بدأت حروب الوكالة الإقليمية في إطار الحرب الباردة، وأيضا كانت تلك الحروب تتميز بأنها حروب تكسير عظام تهمل أي ثوابت مخالفة للثوابت القومية مثل الحرب الكورية وحروب الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية.

باختصار.

كانت الحروب تشتعل للدفاع عن الثوابت السياسية والقومية حتى لو انهار الاقتصاد الإقليمي أو العالمي، أو تأثر بالحروب تأثرا فادحا.

مثال ذلك مثلا تعطيل الملاحة في قناة السويس خلال 67 إلى 73, وتعطيل التجارة العالمية في شرق آسيا وتأثرها بمعارك الكوريتين وحرب فيتنام وغير ذلك

والسبب الرئيسي في هذه الاستراتيجية التي كانت تحكم حروب القرن العشرين، أن السيطرة الأعظم والأكبر كانت للحكومات والشعوب.

ورغم أن المطامع الاقتصادية كان لها وجود حقيقي في خلفية الأحداث إلا أن وجودها لم يكن يمثل عاملا مانعا أمام حروب تسبب تعطيلا فادحا للاقتصاد الإقليمي أو العالمي.

 ثم انتهت الحرب الباردة بتفكك الكتلة الشرقية وانكفاء الصين على التفوق الاقتصادي، وانطلاق الغرب الأوربي والأمريكي إلى ميدان السيطرة الاقتصادية على العالم عن طريق منهج الاقتصاد النيوليبرالي الجديد والذي كان أخطر مبادئه أن الشركات العملاقة متعددة الجنسيات أصبحت هي الحكومة الفعلية في أي دولة متقدمة من العالم.

وانتهى عهد الحروب الحقيقية لتحل محلها (الحروب المخنثة).

وهو المصطلح الذي نستطيع أن نطلقه على نوعية الحروب التي تشنها الدول الكبرى على أقاليم مختلفة لا تمتلك أدنى نوع من القوة لمجابهة الحرب، وذلك بغرض السيطرة الاقتصادية على المواد الخام.

وهي حروب مخنثة لأنها تحمل أدنى مبادئ الشرف العسكري فهي حروب بلا أي ثوابت قيمية أو قومية في الدفاع عن مصالح الأوطان بل هي مجرد حروب مرتزقة، على نحو ما جرى في أفغانستان والعراق والعمق الافريقي.

وانتهت من العالم مفاهيم الحروب المتوازنة بين الكبار منذ عام 1995م تقريبا، وأصبح الكبار يتداخلون معا في المصالح الاقتصادية.

وشيئا فشيئا تم ربط العالم أجمع بشبكة عولمة اقتصادية كاملة يستحيل معها قيام حرب حقيقية بين الأطراف الكبرى وذلك لأن الحاكم الفعلي للعالم هو الاقتصاد العالمي، والاقتصاد لن يسمح للحكومات بحروب تضرب الشبكة الاقتصادية المتوازنة على نحو يسبب انهيارا مؤثرا أو شاملا.

وظل الأمر كذلك حتى استيقظ الدب الروسي في محاولة حماية أمنه القومي وقام بالتدخل في أوكرانيا في الحرب الأخيرة التي يمكن اعتبارها أيضا حربا مخنثة.

ذلك أن القتال الدائر فيها منذ عدة سنوات لا زال محكوما بإطار حديدي من الجانبين المتصارعين حيث يقتصر على المواجهات المتحكم فيها بحيث لا ينفلت الأمر من أي طرف فيرتفع بمستوى الصراع للخراب العالمي.

واستبدل القادة الروس والغربيون التصعيد اللفظي والسياسي كبديل عن التصعيد العسكري الفادح، وهو ما شاهدناه في عدة أزمات منها أزمة القمح مثلا حيث قبلت كافة الأطراف تيسير أمر تصدير شحنات القمح الأوكراني والروسي باتفاقية جرت في قلب معمعة القتال!

وهو ما يجعلنا نتفهم كيف أن حربا بين الكبار مثل حرب أوكرانيا لا زالت محدودة التأثير إلى هذا الحد مع أن أحداثها عندما جرت في القرن العشرين أشعلت أكبر حرب في التاريخ!

 

وفي إطار هذا التحليل جاءت المعركة المخنثة التي شنتها إسرائيل على غزة، وهي حرب لا مجال فيها للتوازن أصلا بين الطرفين ولذلك دخلتها إسرائيل بقوتها الغاشمة دون أن تخشى شيئا.

ورغم أن حرب غزة من الناحية الاستراتيجية تعتبر فرصة عمر لروسيا وحلفائها كي يستنزفوا الغرب استنزافا كاملا عن طريق الدعم اللوجيستي والعسكري للمقاومة إلا أن الجبهة الشرقية لم تُقْدم على ذلك أصلا!

أي أنها لم تكتف بعدم التدخل العسكري المباشر بل رفضت حتى التدخل اللوجيستي الذي سيتسبب في انهيار الدعم الغربي لإسرائيل مع تورطه في دعم أوكرانيا لوجيستيا.

والسبب في ذلك أيضا أن الجبهة الشرقية لا تقل خنوثة عن الجبهة الغربية في رغبتها المحمومة لحصر الصراع وتحجيم آثاره على الاقتصاد العالمي.

لأن روسيا والصين لن يضمنوا رد فعل الغرب على تدخلهم في غزة بالحماية الجوية مثلا وتغطية هجمات المقاومة، وقد يتسبب هذا في اشتعال الأوضاع.

وهذا أيضا ما يفسر لنا قصة الهجمات الإيرانية على إسرائيل بالطائرات المسيرة التي تبلغ سرعتها القصوى 300 كيلومتر وتحتاج لست ساعات كي تبلغ الأجواء الإسرائيلية!

فحتى لو لم يكن هناك تنسيق بين الجانبين يحفظ لإيران ماء وجهها في الرد على نحو ما جرى عندما هاجمت الصواريخ الإيرانية مطارا أمريكيا فارغا في العراق!

أقول حتى لو تكن تلك الضربة متفقا عليها فهي أيضا ضربة يتم التحكم فيها تحكما كاملا، ولو أرادت إيران حقا ردا عسكريا موجعا فلماذا تلجأ لأبطأ أنواع السلاح، ولماذا لا تلجأ لضربة واحدة محدودة بصواريخ استراتيجية ينال موقعا عسكريا مهما لإسرائيل ردا على هجمة إسرائيلية متبجحة هاجمت القنصلية الإيرانية في الشام.

فالقصة كلها قصة توازن لا أراه ينهار قريبا أبدا.

فهي استراتيجية التخنيث التي تحكم العالم اليوم ويمكن تلخيصها بضرورة أن يتم استخدام الإفراط في القوة في حالة واحدة وهي أن يكون الخصم أعزلا!

أما إن كان الخصم من أهل القوة فالبديل هو المشاغبات العسكرية التي تنتج صوتا ضخما ولكن بغير مواد متفجرة، تماما مثل الألعاب النارية في الأفراح!

وكما قلنا مرارا من قبل, أن الرأسمالية الجديدة أفقدت العالم شرفه ورجولته

تعليقات