محمد سمير يكتب: أمريكا وجهاد الطلب

  • جداريات Jedariiat
  • الإثنين 29 أبريل 2024, 10:15 مساءً
  • 201

دعني أيها القارئ أحدثك عن أمرٍ مُتعلّق بالولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي أنها تحمل منظومة من القيم الإنسانية وأنّها ترفع شعارات الحرية والمساواة والديمقراطية وتسعى إلى نشرها بين دول العالم أجمع.

 ألم تحتل أمريكا دولة العراق بحجة أنها تريد إنقاذ الشعب العراقي من حاكمها صدام حسين، وأنها تريد ألا تحرم الشعب العراقي من العيش تحت ظل هذه القيم الإنسانية من الحرية والديمقراطية ؟

أليس ما فعلته أمريكا هذا نوعا من جهاد الطلب الذي تطلب منها إزالة الحاكم الظالم ( من وجهة نظرهم) والذي كان مانعا من وصول القيم الغربية إلى الشعب العراقي ؟ ولنا أن نطرح ذلك التساؤل على كل الحروب التي خاضتها أمريكا وغيرها من البلاد الغربية ضد دول العالم الثالث في العصر الحديث.

يمكنني استيعاب هذا المنطق الذي دفعهم للسعي في هيمنة أفكار الحضارة الغربية - بغض النظر عن صحتها من بطلانها- ، ولكن إشكالي الحقيقي يكمن في نقطتين رئيستين؛

 الأولى: هل بالفعل ما تريد أمريكا نشره وتصديره للعالم هي منظومة قيمية وأخلاقية حقيقية مُؤسَّس لها تأسيسا معرفيا ؟

وإذا تجاوزنا تلك النقطة التأسيسية الأولى فما زال هناك نقطة ثانية وهي هل قامت أمريكا على مستوى التطبيق الفعلي بما يتسق ويتوافق مع منظومتها القيمية والأخلاقية التي تريد تصديرها للعراق وغيرها ؟! الواقع يشهد بخلاف ذلك فعندما رفعت أمريكا شعار حقوق الإنسان ما وجدنا منها سوى قتل ما يزيد عن مل*يون طفل.

وعندما رفعت شعارات الحرية والكرامة الإنسانية ما وجدنا منها إلا تلك الانتهاكات اللاإنسانية في سجن أبو غريب.

مشكلة الغرب مشكلة مُركَّبة في الحقيقة جزء منها خاص بالتأسيس النظري المعرفي والجزء الآخر خاص بالتطبيق الفعلي الواقعي بخلاف الإسلام الذي يحمل منظومة قيمية وأخلاقية واضحة ومؤسَّس لها معرفيًا قائمة على التوحيد وتجلياته في جميع مناحي الحياة وما يُريده فقط هو إيصال تلك المنظومة إلى شعوب العالم أجمع مع العلم أنّ الأصل في الإسلام هو أن يكون ذلك الإيصال بالدعوة مع ترك مساحة الاختيار كاملةً للناس كي يختاروا مصيرهم، ويُحددوا موقفهم.

ولكن إذا صادف المسلمون شعبًا يمنعه حاكمه من وصول الدعوة ويقوم بتشويه صورة الإسلام فحينها يجوز للمسلمين أن يُزيلوا هذا الحاكم الطاغوت ومن يعاونه بالقوة دون اعتداء على أحدٍ من الشعب الأعزل المسالم حتى يتمكن المسلمون في النهاية من دعوة ذلك الشعب وتوصيل رسالة الله إليهم فيختار مصيره بعد ذلك بإرادته وأن تعلو أحكام الله وشريعته على بلادهم فينعموا بالعدل والأمان.

لقد أصبح من الواضح لدينا أن من ثمرات تشريع جهاد الطلب في الإسلام أنه يُعزّز من قيمة حرية الفرد في تحديد مصيره ليضع أمامه المسؤولية كاملة في تحمل تبعات ذلك الاختيار في الآخرة، وأن الغرض منه - كما يقول جمهور علماء المسلمين - ليس هو قتل الكفار لمجرد كفرهم وإلا لما نهى الشارع الحكيم عن قتل الشيخ الكبير والمرأة والطفل والراهب في صومعته أثناء القتال، فلو كان مُجرد الكُفر وحده سببًا للقتل لكان أولى الناس بالقتل هو ذلك الراهب لكونه بطبيعة الحال أشدّهم تمسكا بالعقيدة الكفرية وأكثرهم ترديدًا لعباراتها.

بل أكثر من الحفاظ على حرمة النفس البشرية البريئة أثناء القتال فإنّ الشريعة الإسلامية قد حَفِظَت أيضًا حقوق الحيوان والبيئة وقد سَبَقَت البشرية في ذلك بقرون طويلة، فقد نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قطع الشجر والنبات وعن قتل الكائنات الحية دون أي حاجة أو نفع عائد من وراء ذلك، وفي المقابل نجد العهد القديم الذي يؤمن به النصارى واليهود يأمر بني اسرائيل في مواضع عديدة بق*تل كل ما يجدونه أمامهم من مظاهر الحياة  في المكان الذي يُريد منهم دخوله بالحرب والقتال فيأمرهم بقتل النساء والأطفال والحيوانات والشجر والنبات بل وش*ق بطون الحوامل أيضًا!


المقال كاملا:

من كتاب: دلائل، فصول في النبوة وصحة الإسلام، ص208:ص209

للمهندس: محمد سمير" رحمه الله"


تعليقات