فاضل متولي يكتب: رواية اعترافات جثة.. "لغز يحيى ومسابقة لتحديد الأغبى" ملاحظات (5)

  • د. شيماء عمارة
  • الجمعة 09 أبريل 2021, 11:23 مساءً
  • 1377
الأديب فاضل متولي

الأديب فاضل متولي

لغز يحيى ومسابقة لتحديد الأغبى.

يا أيها القراء: إن كاتب رواية اعترافات جثة يتهمكم بالقتل وبالغباء! هل تصدقون؟

ونأتي إلى يحيى: حكى لنا عامر أن إلهام حملت منه وهو طالب بالجامعة، وأخبرنا الكاتب في الفصل الثالث من الجزء الثاني  أنها أخبرته بذلك في الثامن عشر من أكتوبر عام 1979 ثم أخبرنا أنها كانت في انكسار وفي الفصل الثالث من الجزء الثاني يخبرنا كانت في غاية السعادة التي أفاض الكاتب في ذكرها، فهل كانت منكسرة أم كانت سعيدة؟ وهل الفتاة إذا حملت بهذه الطريقة في مصر تخبر حبيبها بحملها وهي على هذه الدرجة من السعادة فضلا عن أن تكون سعيدة أصلا؟

ثم أخبرنا الكاتب أو عامر أن المولود كان يحيى، ومعنى ذلك أن يحيى عندما قرأ هذا الملف كان بين عامه الثامن والثلاثين والتاسع والثلاثين، وقد ضاع من هذا العمر ستة أشهر في أزمة نفسية، ومنذ ظهرت شخصية يحيى في الرواية يتصور القارئ أنه حول الخامسة والعشرين من العمر؛ فهو لا يزال يعد نفسه للزواج، لكننا نكتشف في هذا الموضع من الرواية أنه في هذه السن، وهو ما يبيح لنا أن نسأل: لماذا لم يتزوج يحيى إلى هذا الوقت؟ لماذا رغم أنه تربى في بيت الدكتور عزمي عبادة أكبر جراح تجميل في مصر؟ إذن لم يكن هناك إشكال يتعلق بأعباء الزواج المالية؟ فلم لم يتزوج؟ لن تجد على هذا السؤال غير جواب واحد: لأن الكاتب يعده كوجبة لعامر من غير استحقاق، لا أعني استحقاق لعامر ولكنني أعني استحقاق النص والصياغة.

وفي رسالته إلى يحيى وما حدث بعدها يبدو واثقا كل الثقة في أن يحيى سيكتم سره، وأنه لن يستجيب لخطيبته عندما تدعوه لمرافقتها في المعرض، وأنه سيذهب إلى شقة جده، وكأنه يربطه بحبل يجره إلى الغاية التي يرسمها له، ولا أدري كيف وثق في هذا؟ كان من الممكن أن يبلغ الشرطة، وكان من الممكن أن يذهب إلى خطيبته.

ما معنى قوله في الرسالة: وقد علمت أن من يموت مظلوما يدخل الجنة، نريد أن نعرف ما وراء هذه العبارة، نريد أن نعرف إذا كان يعلم أن من يموت مظلوما يدخل الجنة فماذا علم عن نفسه وعما يفعل؟ نريد جوابا، فإن هذا الكلام تفوح منه رائحة كريهة.

ويقول إنه اختار أن تقع الجريمة بجوار القسم الذي يعمل فيه حازم! كيف وقد كان حازم ملازما، فكيف يشرف بنفسه على القضية؟ ولماذا لم يختر أيضا أن تكون بالقرب من نيابة كذا ليشرف عليها وكيل نيابة يكون عامر قد خطف منه السندوتش؟

وتتوالى العجائب: من قال إن الذي يخدر يستيقظ فور زوال أثر المخدر؟ كيف ضمن أن الذي خدر بكمية أقل هو الذي يفيق أولا؟

وقال إن استيقاظ حازم أولا سيكون عاملا على إثبات التهمة على الباقين! ولم نعثر في الرواية على ما يفيد ذلك، بل الذي تسبب في الإيقاع بهم هو البث المباشر.

فأنا من ضغطت على الدكتور عبد العظيم باختطاف ابنته.! كيف وقد وقعت هذه الحادثة بعد إعلان حادثة القتل؟ وكيف صدق يحيى ذلك؟

وكتب ليحيى: فالأغبياء أول من يموتون في أول معركة، في الوقت الذي يقنع فيه الجميع بأنه مات.

لا بد أن نتذكر أن هذه الرسالة كانت معه منذ بداية التحقيق وقبل ظهور نتيجة التشريح، فما الذي منعه أن يبحث عن حل لشفرتها قبل هذا التوقيت؟ لماذا لم يلتمس يحيى واحدا من قراصنة الحاسوب المتخصصين في حل مثل هذه الشفرات؟ الإجابة هكذا يريد الكاتب.

وإتماما لهذه الكوميديا يحاول الكاتب إقناعنا بأن الشرطة بذلت كل ما في وسعها لتعرف هل مات مقتولا أم منتحرا. وتتواصل الأسئلة: إن إلهام والدة يحيى تعرف خطيبته ديجة، فلماذا لم تكلمها لتسألها عن شأنه بعد علمها بموته؟ لماذا لم تحقق الشرطة معها مجرد تحقيق؟ تبينت الشرطة أن الشقة التي احترق فيها فتحت بمفتاحها ولم تقتحم، فلماذا لم يحققوا مع الذين يحملون مفتاح الشقة؟ ومنهم عامر زعيم العصابة الذي كان مسؤولا عن دهانها؟ لماذا لم يرفعوا بصماته التي كانت في نفس توقيت الحريق؟ كيف مر هذا الأمر على هذا النحو؟ الإجابة: لا بد أن يحتفظ المؤلف بعامر حتى تطول الرواية بعض الشيء ولو على حساب الرواية. سنفرض أن أمه لم تقتلها صدمة العلم باحتراقه وماتت بعد اليأس من العثور على قاتله، ولكن حياتها سببت مشكلة للكاتب: إنها هي التي تعرف هاتف ديجة خطيبة يحيى التي بدورها تعرف عامرا الذي أحرقه. ولو أنها ماتت فور احتراقه لكان قريبا من المنطق أن يختفي أثرهما.

في مدخل الجزء الثاني يبدو لنا أن الكاتب لم يكتف بأن يهين القارئ وحده فاستعان بصديق ليعينه على هذه المهمة فكتب مقطوعة زجلية يصف فيها بطل الرواية بقوله: خلانا كلنا قراطيس. وطبعا كلمة كلنا يدخل فيها قراء الرواية.

في الفصل الأول من الجزء الثاني يبدأ الكاتب في وصف عامر من الداخل، وكذلك في فصول أخرى: سلوكه مع أخته عفاف التي سبق أن ذكرنا أن الكاتب أخبرنا في التحقيق أنها أصغر منه بثمان سنوات وفي هذا الفصل بأنها أصغر منه بأربع سنوات. وما فعله بالحمامة. ما شاء الله. في الزمالك أم مروة تربي طيرا وأم عامر تربي حماما! المهم وسلوكه في موضع آخر مع مراد وسيأتي تفصيله، وما فعله مع إلهام وعفاف وموظفيه. ونود أن نسأل الكاتب: ألم يقابل عامر من ينصحه؟ أين أمه؟ ألم تنصحه مرة؟ ألم توبخه مرة؟ ألم تعاقبه مرة؟ أين أصحابه؟ أين أساتذته؟ أين غيرهم؟ وأحب أن أقول: لو كان المشهد الذي يصف كيف كان يلعب بالحمامة وضع في موضع مناسب لكان رمزا متفوقا للدلالة على سلوكه مع النساء اللاتي ارتبط بهن: زوجه الأولى وإلهام وعفاف. لكن المشهد كان في غاية البعد عن الموضع المناسب.

انكسر الهاتف في الإشارة، أمام محل للهواتف، المحل فيه قسم صيانة للهاتف المكسور، وفيه9 هواتف قديمة لتساعده على حل شفرة الرسالة، محل واحد لحل الشفرة ولإصلاح الهاتف، ويجده بجواره عند حبس السيارة في الإشارة! ماذا نسمي هذا؟

يقول محمود لعمر المنياوي إن يحيى صاحب التقرير الذي أثبت التهمة على الجناة.

كيف أثبت التهمة والكاتب يخبرنا في فصل الفضائح إن الطعن كان بعد أن مات المطعون، ويحيى نفسه قال إن الوفاة لم تكن بالطعن بل كانت بالسم؟ وتبقى طريقة وحيدة لإلحاق التهمة بالمتهمين وهي التأكد من توفر نية القتل، وهذا لا يرجع إلى يحيى. ولكن الكاتب لما لم يجد وسيلة لهذا الإثبات وفر على نفسه الطريق وقام بعملية سلق بيض وهي أنه جعل المتهمين يعترفون جميعا دون استثناء حتى حازم الذي قرأ ما كتب عن علاقة عامر بأبيه فلم يثر مثلما ثار الآخرون، ولكنه نظر إلى الأرض وأقر على نفسه بالقتل وقد ثبت في فصل الفضائح أنه كان من المخطوفين المحمولين الذين علقت التهمة في أعناقهم.

قرأ محمود رسالة فيها أن النذل – ويقصد به عامر- لا يزال حيا، ففهم فورا أنه لا يزال حيا، كيف ذلك؟ أليس محتملا أن يكون أحد العابثين أو أصحاب الأغراض؟

وسنتبين بعد ذلك بقليل أن اللواء بهنسيا أيضا بمجرد ظهور شخصية أمامه يدعي أنه عامر صدق ذلك فورا.

وعد عمر المنياوي نفسه وصديقه والقراء بأن ينظر إلى قضية يحيى بشكل آخر. ولكن لم نجد ذكرا لذلك فيما بعد!

من أعجب ما في هذه الرواية إن لم يكن أعجب ما فيها: ذهب الضابط محمود وفريقه لاستخراج الجثة من القبر الذي كتب على لوحته أنه قبر آل المندراوي. الذي فاجأ الضابط أنه لم يجد جثة عامر حيث أخبره الترابي بأنه لم يجد غير جثة خالد. والذي فاجأني أنا ليس اختفاء جثة عامر؛ فقد عرفنا أنه لم يزل حيا، ولكن المفاجأة هي: أين بقية جثث آل المندراوي الذين ماتوا قبل أحداث هذه الجريمة؟ أين والد عامر على الأقل؟ ثم إن هناك جثة دفنت هنا بمعرفة الشرطة، فأين هي؟

أسرف الكاتب على نفسه عندما حمل على الشمس هذه الحملة بقوله إنها تتلذذ بحرقنا في هذا الوقت من كل عام؛ فالحرارة والبرودة شيء بيد الله ومن أقداره، ولا ينبغي التطاول على القدر.

وأسرف على نفسه أيضا عندما قال إن التكييف إله التبريد عند المصريين حتى ولو كان يقصد أن المصريين يعتقدون ذلك ليس هو؛ لأن هذه تهمة جامعة لأبناء شعب كامل، وهذا لا يمكن تصوره.

أعجبني في شخصية الدكتور شريف أنه درس في أمريكا، وأن الكاتب جعل بين ذلك وبين مهمته في مصر علاقة: فقد جاء لمعاونة المباحث في دراسة القضية. والذي أعجبني في اختيار الكاتب أمريكا بالذات أن أمريكا من أشهر الدول التي يبرئ علماء النفس فيها كثيرا من المجرمين برد الجريمة إلى عامل أو دافع نفسي. ولا ننسى أن الذي ثبتت عليه تهمة إطلاق النار على رونلدريجنأحد رؤساء الولايات المتحدة السابقين برأته المحكمة بحجة هذا الشيء الذي يسمى العامل النفسي. ومن هنا نرى أن الكاتب كان موفقا في اختيار أمريكا خاصة. ولكن يبقى سؤال للكاتب: ما الإنجاز الذي حققه الدكتور شريف؟ ما الذي يهون على الزائر أو على الشرطة التي دعته هذه النفقة التي أنفقت ليزور مصر ويقيم فيها؟ الشيء الوحيد الذي وجدناه في كل الرواية هو أن كلبه عض زيادا وهو يختطف الضابط محمودا، ويا ليت العض نفع، بل إن الضابط اختطف بعد كل هذا!

عندما ظهر عامر على الشاشة أكد وكرر أن الشرطة غبية! ولا أدري من الغبي: الشرطة حقا أم الذي فرض على الشرطة وعلى القارئ صيغة أحداث تدل على الغباء، ولا أعني بالطبع أنه غباء الشرطة فقط. والغريب أنه يكلم القارئ ويقول له: حاول أن لا تكون غبيا!

كيف يقتحم القناة هكذا؟ ألا يعلم أن الشرطة يمكنها أن تصل إليه في دقائق؟ إن القنوات الفضائية تكتشف المشوشين عليها ولو كانوا في دول غير الدولة التي فيها القناة، فكيف ظن هو أنهم لا يكتشفون من يقتحم قناة في نفس الدولة؟ ولكن ماذا نقول؟ إن الذي يتصور أن الشرطة لا تستطيع أن تفتح ستة ملفات مشفرة إلا إذا استعانت بأحد أفراد عصابته طبيعي أن يتصور هذا. ولكن قبل أن نترك هذه النقطة نريد أن نسأل الكاتب: من الذي يرى الشرطة غبية: عامر أم أنت؟

هل حقا الأغبياء فقط هم ضحايا الحروب؟

في الفصل الثاني: هناك أسئلة تتعلق بمشهد السطح بين عامر ومراد، وكان لكل واحد منهما فريق كما أخبرنا الكاتب:

ما موقف فريق مراد عند رؤية المصيدة التي بها الفأر؟ لماذا لم يصح واحد محذرا مرادا بما دبر له؟ عندما نزل الأطفال، لماذا لم يخبر أحدهم أحدا من الكبار؟

هذه الفتحة التي كانت في الباب بحجم قبضة اليد: هل الباب كان من عصابة عامر ليفسح له من أسفله هذه الفتحة؟ كيف كانت الفتحة على قدر دخول الفأر ليس أكثر ولا أقل؟

أين التحدي الذي يزعمه عامر وقد دخل الحجرة وحده وأما مراد فدخل وأدخل معه فأر؟

تعليقات