فاضل متولي يكتب: رواية اعترافات جثة.. ملاحظات (4) - "قاتلي العزيز لا تغضب"

  • د. شيماء عمارة
  • الجمعة 02 أبريل 2021, 11:53 مساءً
  • 1778
الأديب فاضل متولي

الأديب فاضل متولي



قاتلي العزيز لا تغضب مني إذا انتزعت براءتك

عفوا يا قارئي: هذه ليست كلماتي، أنا لا أجرؤ ولا أستطيع، ولا يليق بي ولا أراك هكذا حتى أقول لك هكذا، ولكن الكاتب يراك هكذا، وهكذا يقول لك من وراء حجاب، وهذا الحجاب هو بطل الحدوتة، عامر. فهلم يا معشر القراء، من كان منكم بريئا ويريد أن يتخلص من براءته فليقف ههنا!

أنت قلت في أول الرواية إن هذا تمثيل من القارئ الذي تهينه وتسميه قاتلا، فأين هذه البراءة التي تنتزعها بسهولة أو بصعوبة؟ كيف تصفه بالقتل وبالبراءة في وقت واحد؟

لماذا لم يسلم عبودة الخطاب الذي وضعه عامر في صندوق البريد وعليه بصماته وقد رأينا في التحقيق مع هيام أنها قالت إن عبودة يشك في أن لعامر يدا في اختفاء ولده؟

لماذا تشعر أن عبودة سينتقم منك وهو لا يعلم أنك وراء اختفاء ولده؟ نعم قالت هيام إنه يشك ولكنه ليس واثقا؟

ألا تعجبون من تفسير الرائد محمود للقضية؟ إن عفاف جمعت كل من لهم ثأر عند عامر! فكيف عرفت ما فعله بهم؟ كيف عرفت أنه هو الذي وضع يوسف في علبة الكبريت وهو الذي اختطف عوادا وهو الذي دبر لسجن خالد؟ وهو الذي أرسل إلى قاتل كمال السفاري الرسالة التي كانت وراء قتله؟ ما هذا؟ كيف يتصور الضابط أن عفاف هي التي دست الطعام بالقوة في فم المجني عليه؟

في ملف خالد: لماذا كانت عزة تريد أن تنجب منك وهي تكرهك وتعلم أنكما لن تكملا حياتكما معا؟ هل لأنها كانت واثقة أنها لن تستطيع أن تتزوج غيرك؟ ولم؟ لماذا لم يخرج أبوها إلى المعاش قبل الإنجاب؟ لماذا لم تحاول رفع دعوة طلاق؟ الإجابة: ليوفر أو ليلفق الكاتب ظروفا يمكن فيها لعامر أن يغلب الابن والأم!

هل مدير المستشفى الذي احتجزت فيه عزة لم يكن فيه إلا هذا المدير الذي أطاعك؟ هل كان هذا المدير هو الذي يباشر العلاج؟ ألم يكن هناك مفتشون يمرون بالمستشفى؟ ألم يكن هناك من يتساءل عن طول مدة إقامة هذه الحالة في حين هناك حالات أخرى تنتظر هذا السرير؟

كيف كسر خالد زجاج سيارة وضربها عدة ضربات دون أن يسمع أحد؟

من الذي أخبر الشرطة بمكان الحفل؟ كيف تلقيت كل إنذارات البنك ولم يتصادف أن يتلقى هو واحدا منها؟

لماذا لم يحاول والد مي مساعدة خالد ودفع ديونه ولو على سبيل القرض؟

في ملف جمال الشناوي أو كمال السفاري: أخبرنا عامر أنه تحرش بامرأة فطلبت الذهاب معه إلى القسم. ولم يخبرنا: كيف ضبط نزوته على المرأة التي كانت في متجر كائن في موقع تابع لقسم الشرطة الذي يعمل فيه صديقه الضابط؟ وكيف ضبط هذه النزوة على وقت نوبة هذا الضابط؟ وكيف اختار المرأة التي ستطلب الذهاب إلى القسم وليس لها ظهر في الشرطة وأكثر النساء –إن لم يكن جميعا لا يفضلن الذهاب إلى قسم الشرطة إلا في رعاية ضابط ذي شأن أو بعد إخبار أحد من ذويها؟!

ثم ياللعجب! كل شيء معد! حتى المحضر الذي سيلفق لها جاهز!

هكذا لفقت لها تهمة الخروج منها من أسهل ما يكون؛ فالتحقيق والشهود والمحامي والنيابة والبصمات كلها أجوبة عن أسئلة الكاتب إذا احتجنا إلى ذلك كله، ولكن الكاتب أدرك نفسه قبل أن ينكشف: فقد قضى على الفتاة قبل أن ينكشف الضابط وقبل أن ينكشف الكاتب نفسه.

ومن العجائب في هذا النص أن عامرا يقول إنه أخبر الضابط صديقه أنه ينوي أن يكتب مذكراته! مهندس ورجل أعمال فاشل، يعمل نقاشا أو قريبا من النقاش ربما نقاش بشرطة أو بشرطتين، أي مذكرات هذه التي ينوي أن يكتبها؟ وما هي قصة الكفاح التي سيحكيها لقرائه؟ ومن الذي سيطبع له هذه المذكرات عديمة الفائدة؟ ومن سيقرؤها؟ أنا عرفت الطابع والناشر والقارئ: إنه مؤلف هذه الرواية بلا شك.

انظر كيف مر الأمر على النيابة مر الكرام وكأن النيابة تتلقى أوامر الشرطة دون تنقيح، وهذا بالضبط هو الذي فعله الكاتب بقضية مقتل عامر حيث لم يجعل للنيابة أي دور موهما القارئ أن النيابة ما هي إلا معبر بين الشرطة والمحكمة؛ ولا أدري هل هذا لجهل الكاتب بدور النيابة الحقيقي في القضايا أم هو يستغل جهل كثير من القراء بهذا الدور؟

إن الجهة الأصيلة للتحقيق هي النيابة، النيابة التي لا تعول كثيرا على معطيات الشرطة، بل إنني لا أبالغ إذا قلت إن النظرة الأكثر وضوحا من النيابة نحو الشرطة هي نظرة عدم الثقة، وبالتالي فإن النيابة تعيد النظر في كل معطيات الشرطة وتحقق في كل ما حققت فيه الشرطة وتحاول وضع احتمالات الإثبات والنفي والإضافة والحذف لكل ما قدمته الشرطة. بهذه الطريقة من التلفيق أراد الكاتب أن يقنع السذج وبطريقته في التأثير عن طريق الإثارة بأن القضية محكمة ولا هي محكمة ولا بها شيء من الإحكام.

وفي الفصل السادس تجدون العجب: يفسر الرائد محمود ما توصل إليه من تحليل للجريمة: حيث كانت عفاف زعيمة العصابة، وتعجب كيف لم يتساءل الضابط عن كيفية لقاء عفاف بمراد؟ وكيف وصل مراد إلى عامر بعد ما يقرب من خمسة وأربعين عاما من الفراق؟

وأعجب العجب –وكل الرواية أعجب العجب- أن يعترف الجميع بقتله بعد أن قرأوا جميعا ما كتبه عن فعله بهم. كلهم اتهم نفسه بلا استثناء! كلهم! يا عجبا! وستزداد عجبا من هيام هيام خاصة، هيام التي لم يكتب عامر كلمة واحدة لا تعرفها، لماذا إذن لم تتهم نفسها قبل قراءة الملف، ما الفرق بينها قبل قراءته وبعد قراءته؟ ما الفرق والكاتب يخبرنا في الفصل الخامس من الجزء الثاني بمزيد من الإهانات تزيد على ما في الملف، والغريب أن الضابط لم يسأل نفسه: لماذا لم تقتله قبل ذلك؟ وكذلك لم يسأل الكاتب نفسه: لماذا لم تعترف قبل ذلك؟

 انظر أيضا، أو كما يقول العامة: اتفرج يا سلام على حازم يا سلام. يلفت انتباهنا أن حازما غير اسم أبيه كمال ليجعله جمال، والغريب أن الكاتب يريد أن يقنعنا أن حرف الجيم الذي كان أحد الحروف الثلاثة التي نطق بها عامر هو كاف ولكنه عجز عن نطق الكاف فنطق جيما مع أن المعروف أن الذي يعجز عن نطق الجيم ينطقها كافا وليس العكس.

ويتبين لنا من ذلك أن حازما قرأ ملف أبيه قبل أن يقرأ أحد ملفه، وعرف ما فعل عامر مع أبيه قبل أن يعرف من جهلوا ما فعله معهم، ولكن الكاتب لم يفهمنا: لماذا لم يتهم حازم هو أيضا نفسه بقتل عامر كما فعل الآخرون مع تحفظنا على هذا الفعل؟ أيلزم أن يقدم الملف محمود شخصيا كي يتهم المتهم نفسه؟ أيلزم أن يقرؤوا ملفاتهم قراءة جماعية حتى يعترفوا اعترافا جماعيا؟ أما الذي يقرأ ملفه وحده فلا يعترف! وأما التي تعرف كل ما فعل بها والذي يعرف كثيرا مما فعل به أعني خالدا فلا يتهم نفسه؟

وكيف لم يشتبه الضابط في زياد عندما شهد على حازم بأنه القاتل؟ كيف عرف زياد؟ هل كان في موقع الجريمة أم ماذا؟

ويعيد الرائد الكلام عن هيئة حازم المزرية وكأنه تلقفه وهو يقفز.

وأخيرا يستسلم حازم! من حازم؟ ضابط وابن عميد، لا شك أن لأبيه من الأصدقاء الذين لا يزالون في الخدمة وبعضهم يمكنه أن يساعده لنيل البراءة ولو كان متهما، ولو كان جانيا، فما بالك وهو بريء؟ يتبين ذلك في رسالة عامر إلى يحيى، ويتبين في فصل الفضائح، لا فضائح الجريمة فحسب بل فضائح الكاتب نفسه؛ وأعني به الفصل السابع من الجزء الثاني الذي تنكشف فيه تناقضاته الكبرى التي تصيب الرواية كلها بالخلل؟

استسلم حازم ابن العميد كمال الذي وصفه الكاتب بهذا الكم من الجبروت، ومع ذلك يستسلم وهو بريء؟ حازم الذي كان تمرده ومطالبته بحقه في البراءة خيطا قويا يؤدي إلى براءة الجميع، ولكن يريد الكاتب ما لا يريده الفن! أو قل: إن الكاتب في واد وفن الكتابة في واد!

وهكذا تحولت القضية إلى النيابة التي ضربت تعظيم سلام بحسب الكاتب، وكانت مجردا ساعي بريد بين الشرطة وبين المحكمة. وبدلا من أن يذكر لنا الكاتب كيف أثبتت النيابة التهمة برغم ما في القضية من ثغرات، بل فجوات، بل خنادق وأخاديد، كيف حدث كل ذلك دون أن تثبت النيابة أن المقتول عامر أو تامر أو سامر، كيف مرت ثلاثة أشهر في مداولة القضية والمتهمون الأبرياء جميعا متفقون على الصمت والاستسلام؟ كيف لم يفكر واحد منهم في أن يقول كلمة تكون طريقا لكشف المجرم الحقيقي؟ ولكن إذا فعل الكاتب ذلك فسوف يضيع على نفسه كتابة جزء ثان للرواية، وأنتم تعرفون ما الفرق بين أن يكون للرواية جزء واحد وأن يكون لها جزآن. وماذا لو كان للرواية جزآن وثلاثة وأربعة ما دام الكاتب يكتب رواية محافظا فيها على احترامه لقرائه ولعقولهم، لا تسفيه القراء وكشف عواره الفني.

ووصلت القضية إلى المحكمة وجلس زياد ينتظر الحكم على من قتلوا قدوته في عالمه الخاص كما يقول الكاتب الذي عاد في فصل الفضائح ليخبرنا على لسان زياد أن زيادا هو مدير الصفحة!

وحكم القاضي بحكمين: الإعدام وتحويل أوراقهم إلى المفتي! ما هذا؟

تعليقات