اليوم العالمي لذوي الهمم.. 7 علماء مسلمين تحدوا الإعاقة (إنفوجراف)
- الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
محمد حسين هيكل
درج كتابنا الكبار في العقود السالفة على كتابة كل ما ينفع الناس ؛فلم تكن الكتابة لديهم نوعاً من اللغو أو ضرباً من الثرثرة, وإنما كانوا يتناولون كل مظاهر الحياة بجماليات الأديب وعمق الباحث ورصانة العالم, وكان الواحد منهم إذا أراد أن يكتب عن أمر يومي غير ذي أهمية بالغة يجد من يقرأون له رغم ذلك.
الأمر يختلف عند الكتاب المعاصرين فهم يقصرون أقلامهم على القضايا الكبرى ولكنهم غالباً لا يقولون شيئاً يستدعي الاهتمام ولا يهتمون بالمعلومة، ولا يخرج الأمر عن كونه تسبباً للرزق شأن كل شيء محترم في حياتنا تحول إلى وسيلة للارتزاق المحض، أما القراء فلا عزاء لهم، وكان الطبيعي أن ينصرف الجمهور عن المقالات الصحفية لأن الفارق بين كتاب الأمس وكتاب اليوم فارق كبير وجوهري. الصحفي بالأمس كان واسع الاطلاع غزير المادة رشيق القلم أما صحفي اليوم فيمتاز بالتكلف والثرثرة وفي غير قليل من الأحيان بالسماجة.
وبالطبع سوف يتهمنا البعض بأننا نطلق أقوالاً مرسلة ونحن نطلب منهم أن يحكموا ضميرهم إن بقي هناك ضمير، وذلك عندما يقرأون مقالة الراحل محمد حسين هيكل عن العيد والتي كتبها عام 1915 في مجلة السفور.
في هذا المقال لا يتحدث هيكل عن المظاهر الاعتيادية التي يألفها الناس ولم يقدم لنا هذه النوعية من التفاصيل التافهة التي يهتم بها بعض كتاب العواميد، ذلك أنه كان يتعامل مع الكتابة بوصفها تثقيفا وتوجيها وتنويرا ، والتنوير وقت ذاك لم يكن بالمعنى الذي تواتر لدينا في هذه الأيام بمعنى أنه لم يكن تجاسراً ولا خرقاً للقواعد الدينية، وحتى هؤلاء الكتاب الذين كانت لهم آراء خارجة عن المنظومة العامة كان رجوعهم إلى الدين سلساً وانقيادهم له سريعاً حيث خلصت نيتهم وكان مبتغاهم الوصول إلى الحقيقة فلما وجدوا الحقيقة في الدين عادوا إليه فوراً ولم يبالوا بلوم اللائمين, وكان سمتهم هو التواضع والخضوع لله وآياته ؛فضربوا المثل في الشجاعة الفكرية ورغم أنفهم للحق فاستأهلوا احترام الناس وما زلنا نتذكرهم بالخير, ومن هؤلاء كان الراحل الكبير عميد الأدب العربي طه حسين والأستاذ محمد حسين هيكل .
وفي مقاله عن العيد يتحدث هيكل أولاً عن فكرة ان العيد لا يوجد بمفهومه الذي نعهده عند الأقوام البدائية، فهولاء القوم لديهم احتفالات غير موسمية وليس لها موقع محدد من السنة، ويفيدنا، رحمه الله، أن العيد لا يوجد إلا عند المتمدنين وأصحاب الحضارات لأن لديهم من الشعور القومي والجامعة الوطنية ما يكفي لقيام الأعياد، ويقرر لنا من خلال بحثه الحر وجهة نظر تقول بأن كل الأعياد بدايتها دينية ومظاهرها الدنيوية تطرأ عليها وتستجد كلما أوغلت في العمران وزادت في الحضارة، ويلاحظ أن أهل مكة لم يكن لهم عيد قبل الإسلام، وأن الإسلام عندما وحد العرب وجعلهم أمة هو الذي صنع لهم عيدي الفطر والأضحى فجمعهم على مناسبة جميلة وأمدهم بالفرح والبهجة واستقام لنا بذلك المعنى الذي ذهب إليه هيكل أن الأعياد منشؤها الدين ثم يزيد الناس فيها مظاهر دنيوية مع الوقت.
أما القول بأن العيد أسبابه اقتصادية فهو ما لا يقول به ولا يؤمن به ولا يمكن تفسير كل مظاهر الحياة بالمادة.
إن العيد مظهر من مظاهر حياتنا الاجتماعية بل هو أحد أهم هذه المظاهر وحين نتحدث عن هذه المظاهر يكون من المؤسف أن نقدم للقارئ الذي ارتضى أن يمنحنا وقته وماله موضوعات إنشاء على النحو الذي يكتبه طلاب التعليم الأساسي, وهذه الحقيقة الأولية هي التي جعلت محمد حسين هيكل يقدم لنا تحليلاً لظاهرة العيد وليس وصفاً لما يحدث فيه فكلنا يعرف ما يحدث في الأعياد, وهو إذ يقرر أن الأعياد بدايتها دينية لكنه لا ينفي ولا يستطيع أن ينفي وجود أعياد وطنية, لكن الذي نخرج به من مقالة الأستاذ هيكل أن العيد سمة لأصحاب المدنية، وأن بدايته دينية ثم تطور الأمر لعمل أعياد قومية, والعيد رابط بين أصحابه وعلامة على توحدهم ودلالة على هويتهم الخاصة وتميزهم كأمة.
ونحن في "جداريات" نطلق دعوة مخلصة لأن يتعلم كتاب "العواميد" في الصحف من هذه المقالات، وليس عيباً أن يتعلم الإنسان حتى لو اكتسب ألف منصب وحصل على مائة شهادة بل العيب كله أن يضيع القارئ أمواله على ثرثرة لا نفع منها.