رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

هل يمكن أن تكون المرأة منخرطة وفاعلة في العنف والإرهاب؟

  • أحمد حمدي
  • الأربعاء 31 مارس 2021, 8:06 مساءً
  • 1011

 المتأمل في المشهد العالمي يلحظ بوضوح أن المرأة تُعدُّ من أكثر ضحايا العنف والإرهاب، إلا أن هناك سؤالًا يتم طرحه دومًا: هل يمكن أن تكون المرأة منخرطة وفاعلة في العنف والإرهاب؟ الإجابة بالتأكيد تحمل علامات الإيجاب، وهذا ما شهدناه مؤخرًا في الأحداث الإرهابية التي ضربت العديدَ من دول العالم، حيث شكَّلت النساء نسبة تتراوح من (10 إلى 15 %) من صفوف الجماعات الإرهابية، ونفَّذت العديد من العمليات الانتحارية في مختلف المسارح الإرهابية، كما هو الحال في باكستان، وأفغانستان، والعراق، وتونس، ونيجيريا... فقد شاركن في تنفيذ هجمات إرهابية بتفجير أنفسهن – إما منزوعات الإرادة أو مُغرر بهن، أو هربًا من حياتهن البائسة – في الأماكن المزدحمة كالأسواق ووسائل المواصلات العامة.

إذًا فظاهر الصورة ينم عن انخراط وفاعلية المرأة في هذا المشهد الدامي، ولكن باطن المشهد يظهر أنّ المرأة كانت ولا زالت ضحيةَ الجماعات الإرهابية، فقد تم استغلالها وتجنيدها لتصبح هدفًا استراتيجيًا وعنصرًا أساسيًا داخل الهيكل التنظيمي لتلك الجماعات.

ولم تتوانَ الجماعات المتطرفة والإرهابية على اختلاف ألوانها وتعدد مذاهبها عن استغلال المرأة، بل وتطوير دورها في صفوفها؛ لتصبح درعًا بشريًّا، أو منفذة لهجمات انتحارية، أو وعاءً للأفكار المتطرفة، أو مفرخة للإرهابيين الجدد، أو أداةً في عمليات تجنيد واستقطاب المؤيدين الجدد للفكر المتطرّف، أو للدعاية الإلكترونية، والأعمال اللوجستية، وفي الشرطة النسائية والرقابية، أو الميلشيات النسائية، وجمع التبرعات للتمويل، وتهريب الأسلحة ونقل المتفجرات.. وغيرها.

الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تغير أطروحات "ذكورية العمل العنيف"؛ لتؤكد على خطورة تجاهل دراسة "نسوية العمل العنيف" وخلفياتها الأيديولوجية والفكرية والاجتماعية، بحسب بينا مرصد الأزهر الشريف.

وتابع المرصد أنه  على الرغم من تعدد صور وأشكال الانتهاكات إلا أنّ المرأة تبقى هي أكثر ضحايا العنف والإرهاب؛ إذ يُستخدم الاغتصاب كسلاح بغيض لإرهاب الفتيات والنساء، كما هو الحال في الأماكن التي كانت تمثل تمركزًا لبعض التنظيمات الإرهابية. ففي الثالث من مايو 2017، ركَّز تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول العنف الجنسي المتصل بالنزاعات، على وصمة العار التي تلحق بضحايا هذا النوع من العنف المتصل بالنزاع، حيث يتعرض الضحايا للصدمة مرتين، مرة من جرّاء عمل الجناة، ومرةً أخرى بسبب رد فعل المجتمع والدولة.

كما أدَّت بعض تدابير مكافحـة الإرهـاب إلى انتـهاك حقـوق المـرأة وتقييد حرياتها، ومن الأمثلة على تلك الممارسة المتمثلة في احتجاز مـن يُفـرج عنـهن مـن الأسـيرات السـابقات لـدى الجماعـات المتطرفـة العنيفـة، باعتبـارهن مـن المنتسـبات إليهـا، أو مـن أصول الاستخبارات، بدلًا من تقديم الدعم لهن بوصفهن ضحايا، وإحالتهن إلى الجهات الفاعلـة في مجال العمل الإنساني. ويمكـن أن تـوحي هـذه التـدابير للمجتمعـات المحليـة بـأن تلـك النسـاء والفتيات ضالعات في أعمال العنف، ومن ثم يتعين نبذهن.


وفي الوقت نفسه، لن نستطيع قط هزيمة الإرهاب في الأجل الطويل ما لم نعالج الظروف المسببة لانتشاره. وسُلِّط الضوء على هذه المسألة في عدد من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالتهديدات الأشد خطورة على السلم والأمن الدوليين بصفة عامة، وبالإرهاب على وجه الخصوص، ومن بينها القراران ١٩٦٣ لسنة ٢٠١٠ ، و٢١٢٩ لسنة ٢٠١٣، ويجسد أول مرتكزات استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب (قرار الجمعية العامة 60/288) العزم على معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب. وأوردت خطة العمل التي قدمها الأمين العام لمنع التطرف العنيف (A/70/674) بعض من تفاصيل هذه الظروف المحتملة: قلة الفرص الاجتماعية والاقتصادية، والتهميش والتمييز، وسوء الإدارة، وانتهاكات حقوق الإنسان، و غياب سيادة القانون، والنزاعات الطويلة الأمد والنزاعات التي لم تتم تسويتها، ونشر الفكر المتشدد في السجون.

 وقد اتفق زعماء العالم، في سبتمبر 2015، على الجيل الجديد من الأهداف المتصلة بالتنمية، واعتمدت، في الأول من يناير 2016، الأهداف العالمية الطموحة السبعة عشر، المعروفة مجتمعة باسم "أهداف التنمية المستدامة".

ويهتم خامس الأهداف السبعة عشر بمسألة تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين جميع النساء والفتيات اللاتي ما زلن يتعرضن للتمييز والعنف في جميع أنحاء العالم. ولا تعتبر المساواة بين الجنسين حقًّا أساسيًّا من حقوق الإنسان فحسب، فهي أيضًا أساس ضروري للسلام والرخاء والاستدامة في العالم. ومن شأن كفالة تكافؤ الفرص للنساء والفتيات في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والعمل اللائق، وفرص تمثيلهن في عمليات صنع القرارات السياسية والاقتصادية، أن يدفع عجلة الاقتصادات المستدامة ويخدم مصالح المجتمعات والبشرية جمعاء.

وختاما فإن الجماعات المتطرفة والإرهابية تستغل المناخ الاجتماعي الذي يسيطر على المجتمع، ومن بينها إشكالية تهميش المرأة الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؛ لتجنيدها واستغلالها، الأمر الذي يجعلها من أكثر ضحايا العنف والإرهاب؛ لذا يجب على المجتمع الدولي ضرورة التصدي لظاهرة استغلال المرأة من خلال سنِّ تشريعات ووضع سياسات تعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين، وتكافح كافة أشكال ومظاهر التمييز ضد المرأة، ورفع الوعي المجتمعي من أجل التصدي للسلوكيات الاجتماعية والثقافية، والعادات والتقاليد، التي تحثُّ على الممارسات الخاطئة ضد المرأة، كل ذلك لتجنب الآثار السلبية التي لا تقتصر على المرأة وحدها، بل تمتد لتهدد الأمن الأسرى والمجتمعي، وذلك من خلال حملات تثقيفية على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

تعليقات