فاضل متولي يكتب: رواية اعترافات جثة: ملاحظات (3)

  • د. شيماء عمارة
  • الجمعة 12 مارس 2021, 9:33 مساءً
  • 1631
الأديب فاضل متولي

الأديب فاضل متولي


عذرا لاستفاضتي وتفصيلي؛ فبعض الناس يظنون أنني أتجنى.
أعجبني من الكاتب أنه في الفصل الأول من الجزء الأول وصف عفاف بأنها تمشي كراقصة الباليه، وهو نفس الوصف الذي وصف به أمها في الفصل الأول من الجزء الثاني.
في أثناء وجود الضابط محمود في مسرح الجريمة دخل  الملازم حازم تلميذه وشريكه في بحث القضية، وكانت هيئته مزرية. وعلل حازم ذلك بأنه جاء من القسم ركضا، ثم نكتشف بعد ذلك أنه يمتلك سيارة، فلا هو ركبها ووفر طاقته، ولا أستاذه سأله لم لم تركب سيارتك بدلا من الركض.
بحسب البث أخبر المجني عليه أنه ذكر دوافع القتل في ملفات على هاتفه، وعثر على خمسة متهمين في نفس مكان الجريمة، ومع ذلك لم يخطر ببال الضابطين وأعوانهما أن يسألوا –مجرد سؤال: لم لم يحاول المتهمون أو أحدهم إخفاء هذا الهاتف بطريقة أو بأخرى؟ ولو قال قائل: لأنهم لم يشاهدوا البث، فجواب ذلك: الشرطة أصلا لم تحقق في هذه المسألة.
وعندما نتابع التحقيق سنجد أن الشرطة لم تتوقف عند كيفية اجتماع هؤلاء الخمسة أو الستة، لم يتبين لنا كيف يتعاون ستة أشخاص على قتل رجل ثم يتركونه قبل التأكد من وفاته؟ كيف لم يدخل أحد إلى غرفته للتأكد من وفاته إذا كانوا تركوه حيا تعلو السكاكين وتهبط مع أنفاسه المنقطعة تماما؟ أين كان هاتفه عندما طعنوه؟ وسنتبين في الفصل السابع من الجزء الثاني أن الطعن لم يكن عشوائيا وإنما حددت مواضعه بحيث لا يموت المجني عليه بسرعة، وأن هذا لا يتفق مع رغبة في الانتقام منه؟ ربما نجد سببا لطعنه بعد موته بالسم، ولكننا لن نجد جوابا عن هذه الدقة في اختيار مواضع الطعن إلا أن هناك طبيبا ساعدهم على ذلك، ومع ذلك فنحن لا نجد أن هذا الافتراض قد طرح أصلا.
في نهاية الفصل الأول يقول البطل سيئ الأدب: قاتلي العزيز: لا تستهن بذكاء خصمك؛ فكثير من الناس يمتلكون البصر، ولكن من منهم يمتلك البصيرة؟ والسؤال هو: ما العلاقة بين أجزاء هذه العبارة؟
يخبرنا الكاتب في الفصل الثاني من الجزء الأول أن الضابط محمودا فوجئ لما عرف أن عفاف أخت المجني عليه وأن أحد السجناء ابنه! على الرغم أنه عرف اسم المجني عليه وأسماء الجناة واسم المجني عليه تكفي لمعرفة ذلك قبل أن يخبره حازم. والشيء الغريب أن هذا الرائد الذي لم يلاحظ ذلك هو الذي يدرب حازما على دقة الملاحظة!
ترك المجني عليه ستة ملفات ظهر أنه أعدها مسبقا؛ فهي ملفات تتناول تاريخ العلاقة بينه وبين بعضهم وجانبا من احتكاك سلبي بينه وبين بعضهم ربما يؤدي فيما بعد إلى قتله كما يقول. ولم يخطر على بال أي واحد من الذين تعاطوا ملف القضية من الشرطة أن يسأل: كيف اطمأن إلى أن يترك الملف على الهاتف الذي في يده، وكان يستطيع أن يتركه في مكان أكثر أمنا كأن يتركه عند أحد معارف العميد كمال السفاري الذي سيتبين لنا أنه كان على علاقة به.
في الفصل الثاني من الجزء الأول أثبتت التحريات عن المجني عليه عامر أنه كان يعمل في آخر أمره بالأجرة اليومية، وفي الفصل الخامس من الجزء الثاني نكتشف أنه استطاع أن ينتزع عمارة كاملة من علي المحاسب، وقبل وبعد ذلك لا ذكر لهذه العمارة.
لم يتبين لنا أي شيء عن المخدر الذي خدر به عبد التواب والمتهمون: هل نوع واحد أم نوعان؟ وقد كان اكتشاف أنه نوع واحد لو كشف ذلك عاملا قويا في قلب القضية وإظهار براءتهم.
الغريب أن المتهمين جميعا أشادوا به رغم أن إساءته إليهم جميعا كانت ظاهرة، نعم بعض هذه الإساءات كان خفيا مثلما فعل بعبودة وعفاف وابنه خالد، لكن هم أنفسهم عانوا منه إساءات ظاهرة، فكيف أجمعوا على الثناء عليه وإخفاء إساءاته وهم لم يتحدثوا معا؟
وصف لنا الكاتب مرادا الذي كان جارا لعامر وصفا يدل على الفقر الشديد، وأخبرنا مراد أنه كان جارا لعامر، فأين كان عامر يسكن؟ كان يسكن بالزمالك كما أخبرنا الكاتب في بداية الجزء الثاني؟ فأين آثار الزمالك؟ قد فهمنا أن مرادا كان قد سجن بسبب قتل خطأ، لكن لم يخبرنا الكاتب عن شقة مراد بالزمالك ولا عن ميراثه الذي يتوقع أن أباه تركه له، ولا كيف وصلت به الحال إلى هذا الفقر.
وأخبرنا مراد في التحقيق بخبرين لا أدري كيف أجمع بينهما: أولهما أن عمره خمسة وخمسون عاما، وثانيهما أنه أكبر من عامر بعام، وفي نفس الفصل وفي مواضع أخرى تخبر التحريات بأن عامرا من مواليد 1960، وفي الفصل السابع من الجزء الثاني يخبرنا الكاتب أن الجريمة وقعت في 2019، ومعنى ذلك أن عامرا كان قد جاوز الثامنة والخمسين، فكيف يكون عمر مراد خمسا وخمسين؟!
وتبين من التحري أن مرادا قتل أخاه خطأا وهو في الخامسة عشرة في سنة 1974 ومعنى ذلك أنهما افترقا منذ أربعة وأربعين عاما، فكيف عثر عامر على مراد ليوقعه في هذا الفخ؟ وكيف عثر مراد على عامر ليقتله؟ لا جواب؟
في أثناء التحقيق مع هيام قالت إن عبودة كان يكره زوجها ويتهمه بأن له يدا في اختفاء ولده. ولكن المفاجأة أن الضابط لم يعط هذه الإفادة أي اهتمام، ولم يتعرض لها في أثناء التحقيق مع عبودة!
عندما نلاحظ تصرفات الضابط حازم العنيفة وانفعاله المتكرر وشدته حتى مع رئيسه في العمل، ثم نتبين أنه ابن العميد كمال السفاري الشرير، نشعر بالإعجاب من هذا الالتقاء النوعي بين شخصية حازم وشخصية أبيه.
ستلاحظ –إلى جانب ثنائهم جميعا على عامر رغم ما عانوه منه- كيف كان الكاتب يتكلف تكلفا شديدا في تلفيق ظروف مناسبة لا يمكن أن يقتنع بها طفل لتنفيذ جريمته ولتسيير أحداث القصة، وستلاحظ كيف كانت الشرطة تتمتع بقدر عجيب من الحماقة وقلة اللياقة والغباء إلى درجة عجيبة، عندما تواصل معي متابعة هذه القراءة.
ختم الكاتب الفصل الثاني بتطاوله المتكرر على القارئ.

تعليقات