باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
وثيقة المدينة
تؤكد كتب التاريخ أن أول دستور في العالم كان
دستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر سنة 1776م والمعروف بدستور فيلادلفيا،
ويليه الدستور الفرنسي الذي ظهر في الفترة الثورية سنة 1789-1791م، والحقيقة أن
أول دستور في تاريخ البشرية قد أسسه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وذلك في بيعة العقبة
الثانية وهجرة الرسول إلى المدينة لتأسيس أعظم دولة عرفتها البشرية وراح النبي
صلوات الله عليه وسلم يعطي مثالا رائعا في تأسيس الدولة التي تحترم القانون
والعدل والمواطنة والرحمة بين أبنائها وإن كانوا مختلفين في الفكر والديانة.
أول دستور مدني في العالم
يرى الدكتور على عبد
الباسط عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بني سويف أن الغرب يتفاخر اليوم بأنه أول من وضع الدساتير التي تنظم حياة الشعوب ولكن الحقيقة النبي
صلى الله عليه وسلم هو أول من وضع دستورا مثاليا ليبهر به البشرية حتى يومنا هذا
ولا ينكر ذلك سوى الحاقدين على الإسلام ورسول الإسلام كون الدستور الذي وضعه ويعرف
بـ " وثيقة المدينة " عمل على تأسيس دولة جديدة متنوعة الأديان والأعراق
على أساس دستور مكتوب ؛ مشيرا إلى أن
"الوثيقة" قد كتبت بإملاء من الرسول صلى الله عليه وسلم في العام الأول من هـجرته إلى المدينة مثلت السـياسة
الداخلية للدولة الإسـلامية مع (الآخر) - اليهودي، والوثني- وهو ما يسمى في العصر الحديث
بالقانون الدولي الخاص، وكذلك مثلت نظاما متكاملا للعلاقات الخارجية مع القبائل والشعوب
والدول وهو ما اصطلح عليه فيما بعد بالقانون الدولي العام ؛ مؤكدا أن كل مواثيق
البشرية ودساتيرها ومفاهيم حقوق الإنسان منبثقة من تلك الوثيقة .
وأشار الدكتور على عبد الباسط إلى أن يهود المدينة
وبعضهم ذوو الأصول العربية، الذين تهودوا بعد اختلاطهم باليهود، كيهود بني عوف وغيرهم،
وكانت أبرز بنود هذه الوثيقة التي يجب أن ترجم بكل لغات العالم ليعرف العالم إن الإسلام
دين تكمن بداخله الحضارة والرقى والرحمة والعدل ؛ ولم يعرف يوما لونا واحدا من
ألوان الإرهاب الذي نعرفه اليوم وتمثلت البنود في إن يهود المدينة أُمَّة واحدة مع
المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم؛ وهذا بند يؤكد مدى حرية
العقيدة في الإسلام ( لا إكراه في الدين ) " البقرة :256" وبند أخر ينص
على أن اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم
أي كل من المسلمين واليهود الذمة المالية الخاصة بالآخر ؛ وإن بينهم النصر على من حارب
أهل هذه الصحيفة ؛ وبند أخر يقول " وإن النصر للمظلوم " وهنا يكشف لك
عن عظمة الإسلام كون البند يؤكد أن النصر للمظلوم هنا تشمل إذا كان المظلوم مسلمًا
أو يهوديا فإن له النصرة، وعلى ظالمه العقوبة، فلو أن مسلما مثلا ظلم يهوديا فإنه يُحاسب
فورا حتى يرد الحق إلى اليهودي، والعكس
كما جاءت الوثيقة ببند يؤكد على أهمية التعاون في حماية الوطن حالة الحرب فقد يكون الاستقلال
المالي لكل من المسلمين ويهود المدينة في حال السلم؛ أما في وقت الحرب فإن الأمر يختلف,
فإذا حدث هجوم على المدينة فإن الجميع بمقتضى حق المواطنة ويجمعهم وطن واحدا وأن
لا يجمعهم دين واحد فعلى الجميع مسلمين ويهود الدفاع عن وطنهم وهذه تجسد أسمى
معاني المواطنة في الإسلام .
الأسرى في الإسلام
كان
المسلمون يحسنون معاملة الأسرى ولعل من أوضح المثل عندما وقع سهيل بن عمرو أسيرا بأيدي المسلمين في
غزوة بدر، فقال عمر بن الخطاب لرسول الله: " يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهيل
بن عمرو حتى لا يقوم عليك خطيبا بعد اليوم "، فأجابه رسول الله: " لا أمثل
بأحد، فيمثل الله بي، وإن كنت نبيا " وهذا يكشف مدى رقى وتحضر وإنسانية
الرسول صلى الله عليه وسلم مع أسرى الحرب ؛ حتى عندما هجم التتار على بلاد المسلمين
فأسر التتار من أسر من المسلمين وأهل الذمة من اليهود والنصارى من الذين كانوا يعيشون
فى كنف الإسلام وفى بلاد الإسلام فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أمير التتار يطلب منه أن يفك الأسرى وأطلق له سراح الأسرى من
المسلمين فقط فرفض شيخ الإسلام أن يأخذ الأسرى من المسلمين إلا أن يفك أهل الذمة من
النصارى وقال أسرانا من أهل الذمة مع أسراهم من أهل الملة ولمّا رأى الأمير إصرار شيخ
الإسلام أطلق له الأسرى من اليهود والنصارى والمسلمين. كما روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم أعطى أسيرًا لأبي الهيثم بن التيهان وأوصاه به خيرًا فقال له: إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أوصاني بك خيرًا، فأنت حر لوجه الله" وفي رواية أخرى أنه قال له:
أنت حر لوجه الله، ولك سهم من مالي.
وهذا
ما فعله صلاح الدين الأيوبي مع الأسري فقد أسر كثيرين عند استرداد بيت المقدس حتى أحس
بأنه لا يستطيع إطعامهم فرأى أن يطلق سراحهم بدلاً من أن يميتهم جوعاً ولكنهم تجمعوا
عليه وقاتلوه ولم يندم القائد المسلم لأنه يرضي أن يقتلهم في الميدان ولا يرضي أن يميتهم
جوعاً وعطشاً ، وفي مقابل هذا قتل ريتشارد قائد جيش الصليبين ثلاثة آلاف مسلم عهدا
إليهم ألا يقتلهم إذا استسلموا وقد عقد جوستاف لوبون مقارنة بين ذلك العمل البربري
ونبل صلاح الدين القائد المسلم الشهم فقال ( كان أول ما بدأ به ريكارد أنه قتل أمام
معسكر المسلمين ثلاثة آلاف أسير مسلم سلموا أنفسهم إليه بعد أن أعطاهم الأمان وعهداً
بحقن دمائهم وعلي العكس رحم صلاح الدين نصاري القدس ولم يمسهم بأذى وأمد فيليب وقلب
الأسد بالمرطبات والأزواد أثناء مرضيهما .
الأخلاق سفير الإسلام
يؤكد الدكتور على عبد الباسط أن السنة النبوية
قد زخرت بالأحاديث الثابتة الصحيحة التي تحث على مكارم الأخلاق؛ موضحا أن من يدرس
وثيقة المدينة جيدا سيكتشف أن جوهرها الأخلاق ؛ وقد روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم : "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"
وقال المبعوث رحمة للعالمين : "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا " فقضية الأخلاق في الإسلام
قضية جوهرية ولم تكن مجرد كماليات للدين ؛ مشيرا إلى أعظم سفير للإسلام كانت
الأخلاق فقد انتشر الإسلام في بلدان آسيا كالصين واندونيسيا وماليزيا وفي أفريقيا
وغيرها بسبب أخلاق المهاجرين والتجار المسلمين الذين لم يكونوا فقهاء ولا علماء؛
وإنما كانوا سفراء بمعنى الكلمة؛ كونهم على الإسلام الصحيح الذي تشهد به أخلاقهم
في معاملاتهم للناس بالحق والعدل والإحسان
وختم
الدكتور على عبد الباسط حديثه معنا أن وثيقة المدينة أكبر دليل أن هذا الدين لم
يعرف يوى الرحمة وينبذ كافة أشكال التطرف والعنف والإرهاب ؛ مؤكدا أن لو الغرب قرأ
وثيقة المدينة بعين الحقيقة لأدرك أن هذا الدين الذي يتهمونه بالإرهاب لا يمت بصلة
لا من قريب أو من بعيد الإرهاب ؛ مطالبا كافة المؤسسات المعنية بالخطاب الديني
بالجلوس سويا لوضع خطة لمجابه الفكر المتطرف بالفكر الإسلامي الصحيح الوسطى الذي
يأمرنا بالتراحم فيما بيننا ؛ والذي لم يأت لفئة أو مجتمع بعينه بل جاء هذا الدين
لكافة الناس بلا استثناء .