"النقد المعرفي عند ابن تيمية".. دراسة فلسفية عن الإلحاد والشك الراديكالي (2)

  • د. شيماء عمارة
  • السبت 06 مارس 2021, 01:09 صباحا
  • 1712
الإلحاد والشك

الإلحاد والشك

هل هناك أي ميزة معرفية للأدلة الفلسفية؟

يقول الله تعالى في آية مشهورة من القرآن: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ (36)﴾ ]سورة الطور[

بينما اعتبر المتكلّمون هذا إشارة إلى حجة كونية، رأى ابن تيمية الأمر بشكل مختلف. إن حقيقة أن القرآن يعبر عن هذا في شكل سؤال بلاغي (بصيغة استفهام الإنكار) يدل على أن هذه مسألة هي بالفعل استنتاج أساسي راسخ في فطرة المرء ولا يمكن للمرء أن ينكره على الحقيقة. (فطرية بديهية مستقرة في النفوس لا يمكن لأحدٍ إنكارها).[97] وبالتالي، فإن القرآن لا ينخرط في طرح القياس المنطقي لإثبات الإيمان بالله، بل بالأحرى يستدعي التأمل العقلاني (التفكر) لإيقاظ النفوس الهادئة روحياً على حقيقة هي تعرفها بالفعل بعمق. إن دور التأمل العقلاني في اعتراف الروح بِالله هو إعادة اكتشاف حقيقة متأصلة بعمق في فطرة المرء (إنما هو للتنبيه على ما في الفطرة).[98] يستشهد ابن تيمية بالكلمات التالية لعالم الدين الأشعري الفارسي الشهرستاني (ت 548هـ) قائلاً:

“فإن الفطرة السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها، بصانع عليم قادر حكيم”[99]

في فقرة لاحقة، يذكر الشهرستاني أيضًا أنه عندما تقتربُ الروح في سيرها إلى الله، فإنها تكتسب اعترافًا أكبر بحاجتها الوجودية إليه، وتزيد من إدراكها الروحي للآيات الإلهية في الآفاق وفي نفسها، وبالتالي فإن الله هو المصدر الذي من خلاله يشهد العالم الظواهر وليس العكس؛ “عرفتُ الأشياء بربي، وما عرفتُ ربي بالأشياء”.[100] وعلى نفس المنوال، يقتبس ابن تيمية بإسهاب كتابات العالم الحنفي أبو محمد بن عبدك البصري (ت 347هـ)،[101] الذي قرر أن الله نفسه يجب أن يعتبر دليلاً بدلاً من المدلول،[102] إن حديث النبي إبراهيم عليه السلام مع قومه عن الأجرام السماوية لم يكن مقصودًا به أن يكون حجة فلسفية بل تأملًا لإيقاظ الفطرة وتذكيرهم بالعهد الأزلي (الميثاق)،[103] وأن معرفة حقيقة الربوبية أكثر رُسوخاً من معرفة المرء نفسه أنه موجود (وهو توازٍ دقيق بين الإلحاد والذاتوية).[104] وبالمثل، قرّر ابن القيم أن وجود الخالق أكثر وضوحًا وجلاء من الاستدلال على أي دليل يُستخدم لإثبات وجوده.[105]

لا يؤمن ابن تيمية فقط بأن التفكير المنطقي ليس ضروريًا لبرهنة الإيمان بالله، لكنه يُؤكد أنه لا يُنتج الثمار المعرفية التي يدعيها أتباعه. هذا صحيح لأن القياس المنطقي يعتمد على فرضية رئيسة هي، في الواقع، تجريد عالمي موجود فقط كمعنىً كليٍّ في العقل.[106] في حين أنّ العالم الخارجي يتكوّن من الأجزاء فقط. وبالتالي، فإن الاستنتاج المبني على فرضية عالمية يمكن أن ينطبق فقط بشكل صحيح على فئة عالمية أخرى (على سبيل المثال، نمط “المحرك الذي لا يتحرّك”) بدلاً من كيان معيّن.[107] وهكذا، فإن الأدلة الفلسفية لوجود الله تفشل في الإشارة بشكل خاص إلى الله نفسه بدلاً من الإشارة إلى التصنيف العام. علاوة على ذلك، ومع مرور الوقت، نمت القياسات المنطقية مع وجود المزيد من المقدمات لإثبات المقدمات التي تم اعتبارها في وقت سابق أمرًا مفروغًا منه،[108] لأن الناس استمروا في إثارة المزيد من الشكوك نظراً لأن السفسطة هُوّةٌ لا نهاية لها.[109]

ما يحدث في الواقع عندما ينخرط الناس في (قياس الشمول) هو أن المصدر الحقيقي لنموهم العلمي في المعرفة هو (قياس التمثيل) الذي يسمح لهم بنقل معرفتهم حول التفاصيل المعروفة إلى الحالة الجديدة. في السؤال.[110] من المؤكد أن ابن تيمية يتمتع بالبصيرة في تأكيده المتكرر على القياس كأهم عنصر في بناء الإدراك والمعرفة.[111] في عمل بعنوان الأسطح والجوهر: التشابه كوقود ونار للتفكير، ينخرط العالم المعرفي الأمريكي دوغلاس هوفستاتر وعالم النفس الفرنسي إيمانويل ساندر في مناقشة مطولة لدعم أطروحة مشابهة بشكل لافت للنظر:

”الفرضية المركزية لهذا الكتاب هي أن التشبيه يحدد كل لحظة من الفكر، وهو في الواقع القوة الدافعة وراء كل فكرة. كل فئة عقلية لدينا هي نتيجة سلسلة طويلة من المقارنات التي تبني الجسور بين الكيانات (الأشياء، الأفعال، المواقف) بعيدة عن بعضها البعض في كل من الزمان والمكان.“[112]

يجادل المؤلفان بأن نمو المعرفة يحدث عندما يُحدِّد المرء السمات السطحية الأكثر صلة لمفهوم جديد، من أجل بناء تشابه قائم على أوجه تشابه مستنتجة أعمق على مستوى الجوهر مع مفهوم مألوف. بالنسبة لابن تيمية، فإن المقارنات (الأمثال) والإشارات (آيات) هما العنصران الأساسيان في الذخيرة المعرفية القرآنية[113] يستخدم القرآن آيات وأمثال كأدوات عقلانية (مقاييس عقلانية) وبعض الأدلة (براهين يقينية) التي توجه القلب وتوجه العقل للتعرف على حقيقة الله بطريقة تفوق كثيرًا أساليب الفلاسفة.[114] يرسم ابن تيمية تشبيهًا مثيرًا للاهتمام بالطريقة التي تتضمن بها الكلمات علاقة بين مفهوم وسلسلة معينة من الصوتيات أو فونيمات الحروف. إن تعلم آيات الله ليس مسألة تعلم البراهين لكيان لا يعرفه المرء، بل هو أقرب إلى تعلم مفردات جديدة لتعيين معنى يكون المرء بالفعل مدركًا له بالفطرة؛ هذه العلامات هي مصدر للإدراك الروحي (التبصرة) لتأمين وتعميق قناعة المرء بما عرفه المرء بالفعل من خلال الفطرة، في حالة مواجهة الشكوك.[115] وهكذا، يعيدون تعريف الفرد بمصدر المعنى. تنشأ الآيات القرآنية من كلام الله بينما تظهر العلامات الطبيعية في خليقة الله المشهودة في العالم الطبيعي أو داخل البشر أنفسهم.[116] لاحظ أن نظرية المعرفة القرآنية لا تشتمل فقط على الإنماء الفكري ولكن على الإنماء الروحي والأخلاقي أيضاً، فكلما سعى الإنسان إلى تحقيق الفضيلة وتطهير قلبه، زاد إدراكه للآيات الإلهية.[117] بينما اعتمدت بعض الجماعات تاريخيًا إما العبادة أو العقلانية للوصول إلى الحقيقة، يرى ابن تيمية أن كلاهما ركيزتان ضروريتان لنظرية المعرفة الإسلامية.[118]

يُقرّ ابن تيمية بأن القياس المنطقي الذي يعبر عن حجة كونية لوجود الله قد يحتوي على نواة من الحقيقة، مثل الحدس الأساسي للسببية (أي أن كل شيء يبدأ في الوجود يجب أن يكون له سبب). ومع ذلك، فإن هذا الحدس، على الرغم من تضمينه في القياس المنطقي، لا ينتج عنه. علاوة على ذلك، يأخذ القياس المنطقي مسارًا مُلتويًا لإثبات شيء ما يكون عادةً بدهيًا ومباشرًا. [119] استخدام القياس المنطقي لإثبات وجود الله يشبه المثال الكوميدي لرجل يلف ذراعه المعاكسة حول رأسه للإشارة إلى موقع أذنه،[120] أو يشبه لحم جملٍ غثّ على رأس جبل وعْر لا سهل فيُرتقى ولا سمين فيُنتقَل.[121] إذا كان هناك أي شيء، فإن معرفة عدم كفاية هذه المقاربات الفلسفية يزيد من قناعة المرء بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم.[122]

ومع ذلك، يُقِرّ ابن تيمية بأن بعض الناس قد يكونون معتادين على مثل هذه المناهج الفلسفية الملتوية والغامضة لدرجة أنهم غير راضين عن أي استدلال بسيط في مظهره. لذلك، مع مثل هذا الشخص، يمكن للمرء أن ينخرط في الأساليب الكلامية الفلسفية (الطرق الكلامية المنطقية) بسبب ميل مثل هذا الشخص، وليس لأن المعرفة المرغوبة هي في الواقع مشروطة بهذه الطريقة.[123] قد تكون الطرق المطوّلة والمعقّدة مفيدة أحيانًا لمن يشتغل بالسفسطة.[124] ويوضح أيضًا أن الجدل الفلسفي قد يكون مفيدًا في تفكيك المعتقدات أو الأيديولوجيات الدينية الخاطئة التي قد نشأ عليها المرء أو اتّبعها بشكل أعمى بسبب الجهل؛ يمكن أن يُبعدهم ذلك عن أكاذيب الآخرين حتى ولو لم يُساعدهم على الاقتناع بالحق.[125] إن الطرق التي يمكن من خلالها للناس أن يتوصّلوا إلى الاقتناع بالحق والتعرف على الله والإيمان به عديدة (فطرق المعارف متنّوعة في نفسها)؛ قد يصلون إلى الإيمان عبر شهودهم للآيات من حولهم في الخليقة وفي حياتهم.[126] ومع ذلك، تكفي الفطرة التي يكمّلها الوحي للبرهنة المعرفية للإيمان.[127] في حين أن الفطرة يمكن أن تُفسدها الأمراض الروحية مثلما يكون الجسد عرضة للإصابة بالأمراض الجسدية أيضاً، ومن ثم فإن العلاج يمكن العثور عليه في الخطاب القرآني،[128] الإلمام بالهدي النبوي،[129] ومن خلال تمحيص الفجوات في نظرياتنا المعرفية (مثل اللجوء إلى أيديولوجيات بشرية مصطنعة لا أساس لها).[130]

تشير كتابات ابن تيمية إلى التمييز بين العمليات النفسية التي من خلالها يصل الإنسان إلى الإيمان والبرهان المعرفي الذي يُثبت صحة إيمانه.[131] هناك العديد من العوامل التي تؤثر على التكوين النفسي للشخص (الثقافة، الأبوة والأمومة، التأثيرات المجتمعية، الشخصية، تجارب الحياة السابقة، إلخ) ويمكن أن تُسّهل أو تكون بمثابة عوائق محتملة في رحلة المرء نحو الله، وكذلك درجة الشخص في الاستعداد الروحي الذي سيحدد قدرته على التعرف على الحقيقة وقبولها. وبالتالي، بالنسبة لبعض الناس، هناك حاجة إلى عوامل إضافية (أسباب) لزيادة فطرتهم في اكتشاف الحقيقة.[132] ابن القيم، على سبيل المثال، يقارن إيمان المؤمنين الأوائل -صديق النبي المقرب أبو بكر وزوجته خديجة – مع إيمان آخرين لم يصل إيمانهم إلى مستواهم. الأول اعتنق الإسلام على أساس كمال رسالته وجمالها ونقاوتها، وأمانة الرسول وأخلاقه، بينما لم يعتنق الآخرون الدين إلا بعدما شهدوا المعجزات، أو لأنهم شهدوا الرسول ﷺ ينتصر على أعدائه؛ وأولئك الأقل إيمانًا الذي يتبنّونه ابتداءً لأنهم ولدوا لأبوين مؤمنين من قبل.[133] أولئك الذين لديهم مستوى أقوى من الإيمان هم أقل عرضة للتخلي عنه وأكثر أمانًا في عقيدتهم. ومع ذلك، وبغض النظر عن كيفية وصول المؤمن إلى الإيمان، فإن الفطرة هي التي توفر البرهان المعرفي لهذا الإيمان. بمجرد أن يصل المؤمن إلى اليقين بالله، فإن الدرجة التي يتفق بها هذا الاعتقاد مع الفطرة توفر كل البرهنة المعرفية اللازمة لمعرفة أنّ أي شيء مخالف لذلك الإيمان لا أساس له حتى بدون امتلاك الوسائل لإثباته أو التعبير عنه بعقلانية؛[134] لا يحتاج المؤمن إلى معرفة تفاصيل المصطلحات الفلسفية ليعرف أن الإسلام هو الحقيقة.[135]

إن مشكلة اعتبار وجود الله افتراضًا نظريًا يحتاج إلى تبرير وإثبات وبرهنة هو أنه ارتكابٌ لمغالطة معرفية أساسية. يستخدم ما هو أقل بداهةً لإثبات ما هو أكثر بداهة.[[136 إنه يضع الوزن المعرفي لله أقل من الوزن المعرفي لسمات الخلق التي يتم الاستشهاد بها كدليل. ولكن في الواقع، فإن الإلهي هو الأكثر تأكيدًا على اليقين، ويشكل وجوده الأساس الأنطولوجي الذي يتم من خلاله جعل الوجود الآخر مفهومًا وذا معنى. وهكذا فإن معرفة الله هي أساس وجود نظرة ابستمولوجية واضحة. إنه بمثابة أساس لكل المعارف الأخرى (والعلم به أصلٌ لكل علم).[137] بدلاً من كونه مجرد افتراض نظري، يصير هو محور نظرية المعرفة. وهكذا؛ فإن معرفة الله هي تلك الاستنارة الفائقة “نور على نور” كما التوصيف القرآني في الآية (24:35) والتي يشرح ابن تيمية أنها تشير إلى نور الوحي مقترنًا بنور الاستعداد الكامن (الفطرة) والقوة المنطقية (العقل).[138]

ابن تيمية لديه عرض شيق للحوار بين النبي موسى عليه السلام وفرعون. [139] السؤال الذي طرحه فرعون ما هو رب الكون؟ ليس استفسارًا جادًا عن طبيعة الإله، بل هو تعبير بلاغي عن إنكاره للإيمان، “ما هذا الكيان الذي تسميه رب الكون؟” جواب النبي موسى هو “رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين” وهو كما لاحظ ابن تيمية يربط الإيمان بالله باليقين بشكل عام:

”لم يقل اليقين في هذا أو ذاك، بل تركه مطلقًا، فمهما كان لك يقين، فإن أول يقين في هذا الرب، كما قالت الرسل: أفي الله شك؟ وإذا قلت: ليس لدينا يقين في شيء وننكر كل علم، فهذا هو ادعاء الشك الشامل (السفسطة العامة) وهو باطل ظاهر لأن كل إنسان يمتلك المعرفة بالضرورة.“[140]

وكما يوضح ابن تيمية، فإن رغبة فرعون في الهيمنة على الأرض وفساد قلبه هما اللذان حجباه عن هذه الحقيقة. شرح ابن تيمية في تفسير العبارة القرآنية: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ (القرآن 59: 19)، العلاقة بين فقدان معرفة الذات وإهمال الله، والعكس بالعكس. بين معرفة الذات وإعادة اكتشاف المعرفة الداخلية وحب الخالق.[141]

 

ابن تيمية، والفطرة، وثلاثية أجريبا[142]

العقل من الملكات الأساسية للإنسان. يطور البشر بشكل طبيعي جهازًا معرفيًا متطورًا يسمح لهم بمعالجة الأفكار والتجارب الحسية من أجل الوصول إلى تمثيلات داخلية للواقع متماسكة وذات مغزى. يلاحظ ابن تيمية أن كل البشر يفضلون على الدوام أن تكون عقولهم مليئة بالمعتقدات الصحيحة والرغبات النافعة بدلاً من المعتقدات الخاطئة والرغبات الضارة.[143] فكيف إذن يبرهن البشر معتقداتهم على أنها تمثّلات حقيقية للواقع؟ هل يمكنهم تقديم مُبررات لمعتقداتهم لا تقبل الشك؟

يُقال إن المتشكّك البيروني القديم Agrippa (المتوفى في القرن الثاني الميلادي) قد صاغ خمسة أنماط، أو طرق للتفكير، تثير الشك والريب. كيف يمكن لأي شخص أن يدعي معرفة معينة، كما يُظهر النمط الأول، عندما يختلف الناس حول الأمور، وكما يظهر النمط الثالث، فإن حكم كل شخص نسبي؟[144] الوصول إلى المشكلة المعرفية المعروفة التي تطرحها الأنماط الثلاثة المتبقية، والتي تقدم ثلاثة خيارات (ومن ثم يشار إليها باسم Agrippa’s trilemma.) [145] يمكن تلخيص الخيارات الثلاثة على النحو التالي:[146]

  • الخيار الأول: أي اعتقاد يُقدَّم كبرهان يجب أن يكون هو ذاته مبرهناً، ومن ثم يلزم وجود تسلسل لانهائي في البراهين.
  • الخيار الثاني: يتم تبرير اعتقاد المرء من خلال الافتراض التأسيسي الذي لا يتطلب بذاته مزيدًا من التبرير.
  • الخيار الثالث: معتقدات المرء تبرر بعضها البعض بطريقة دائرية أو متبادلة.

وبالتالي، فإن التحدي الذي تُشكّله هذه الأنماط الثلاثة يهدف إلى القضاء على كل المعرفة لأنه لا يمكن للمرء أن يقدم تبريرًا لأي اعتقاد دون الاستسلام للمُثلّثِية. في الواقع، فإن أنماط أجريبان، التي تمثل “أقوى أسلحة الترسانة الجدلية البيرونية”،[147] قد أربكت علماء المعرفة المعاصرين بما لا يقل عن أسلافهم الهلنستيين القدامى. لكي يكون المرء برهانياً في اعتقاده، يجب أن يؤمن إما بسلسلة لا نهائية من البراهين (مذهب اللانهائية)،[148] أو في مجموعة من المقدمات الأساسية التي يقبلها المرء دون تبرير (الأسس)، أو يجب على المرء أن يتبنى نوعًا من التفكير الدائري (التماسك).[149] أيًا كان الخيار غير المرضي الذي يختاره المرء يؤدي فقط إلى وضع أجريبا Agrippa الأول للخلاف الذي يرفع رأسه مرة أخرى ويسأل المؤسسين عن سبب عدم كونهم مطّردين والعكس صحيح، مما يكشف عن اختيارهم على أنه تعسفي وغير مبرر. وهكذا يبدو أن البيروني قد أنشأ مأزقًا معرفيًا لا يمكن لأي إنسان أن يمتلك عبره معرفة معينة عن أي شيء.

ومع ذلك، تظهر عدد من الخطوط الرائعة للاستجابة المحتملة إما مباشرة من كتابات ابن تيمية أو خلال إطاره المعرفي.

أولاً: يقدم حالة ظاهرية؛ الشخص الذي يدافع عن الحاجة إلى التبرير الفلسفي للمعرفة حول المسلمات “لم يمتحن أحوال نفسه” لأنه لو كان فعل؛ لكان قد اكتشف (في عقله) معرفة حول المسلمات أيضًا كمفاهيم لا تعتمد على الحجج القياسية.[150]

ثانيًا: كما يشير ابن تيمية، لا يتم السعي وراء اليقين من خلال تراكم التبريرات الفلسفية، بل يتم ترسيخه داخليًا من خلال الإدراك الروحي[151] وإملاءات الفطرة.[152] بعد كل شيء، تفترض ثلاثية أجريبا مفهومًا مسبقًا للحقيقة (يجب أن تكون هناك معتقدات صحيحة وخاطئة لكي تعمل المُثلّثية في المقام الأول) تمامًا كما تفترض القدرة على التمييز بين المفاهيم والتأكد من البراهين العقلانية، وقدرة الحالات العقلية البشرية على حمل المعنى، وما إلى ذلك، وكلها متجذرة في تأويلات فطرة الإنسان للواقع. وهكذا، حتى في عملية التشكيك في المعرفة، فإن المعضلة الثلاثية تخون حتماً الالتزام بالمعتقدات الأساسية المتجذرة في الفطرة. لا يمكن للمرء أن يتابع الشك تجاه المعرفة دون تقويض شكوكه في تلك العملية بالذات.

ثالثًا: يوفر السرد القرآني أقوى إنقاذ معرفي من ثلاثية أجريبا الناشئة عن تصوره للحقيقة. يستعمل القرآن لفظة “الحق” لتعبير عن مصطلح الحقيقة، حيث يُستخدم للدلالة على ما كان له غاية. وبالمثل، فإن مصطلح “باطل”، وهو نقيض الحق، يدل على ما هو ليس زائفًا فحسب، بل خاليًا من الغاية أيضًا.[153] وهكذا، ففي النموذج القرآني، هناك بُعد غائي للحقيقة يخدم وظيفة جعل الحقيقة ذات معنى. هذه الحقائق ليست مجرد عبارات نظرية تافهة حول الواقع المادي الذي يخضع للتحقق التجريبي، مثل التأكيد على أن كوكب الزهرة هو الكوكب الثاني في المجموعة الشمسية، أو أن القارة القطبية الجنوبية تبلغ مساحتها 14 مليون كيلومتراً مربّعاً. بدلاً من ذلك، تعمل حقائق الوحي كأسس وجودية تشكل الأساس لجميع المفاهيم ذات المعنى كالقيمة والفضيلة والغاية والاستحقاق والإرشاد وما إلى ذلك. يقوم الفيلسوف جون ويتاكر بالتمييز التالي:

”الهدف من تقديم المعتقدات الدينية كإيحاءات هو تقديمها كحقائق مفاهيمية – كبديهيات عملية للحياة، كمبادئ إرشادية تؤطر مفاهيم جديدة للقيمة والسعادة والفردية -وهذا يضعهم في فئة منطقية مختلفة عن السلة التي تحتوي على ادعاءات افتراضية.“ [154]

إن الحقائق المفاهيمية التي تؤطر تمثيلات ذات مغزى للواقع متجذرة في الفطرة وتعمل بمثابة لبنات بناء وجودية لا غنى عنها للعقل. كما يلاحظ ابن تيمية بذكاء في إشارة مباشرة إلى ثلاثية أجريبا:

”هذا شيء يدركه [أهل الكلام] وجميع البشر -أن من التصور والتصديق ما هو بدهي، لا يحتاج لكسب بالحد ولا بالقياس، وإلا لزم الدور والتسلسل”[155] وهكذا يوضح ابن تيمية أن هناك مجموعةً من المفاهيم التي تعمل كمرتكز معرفي لأي تفسير ذي معنى للواقع. وبالتأكيد، يؤيد أنصار علم الكلام وجميع المؤسسين الكلاسيكيين أيضًا وجهة النظر القائلة بأن المعرفة الضرورية (علم ضروري) توفر أساسًا للمعرفة المكتسبة (علم مكتسب)؛ هناك حقائق بديهية تعمل كأسس تُعرف من خلالها الحقائق الأخرى. ومع ذلك، فإن المؤسسين الكلاسيكيين الذين وضعوا العقل كأساس لجميع المعارف لا يستطيعون تزوير عقيدة التحيّز إلى الذات أو مظاهر مماثلة للشك الراديكالي.[156] المؤسسون الآخرون الذين يُدرجون الإدراك الحسي إلى جانب العقل كأساس للمعرفة لا يمكنهم إثبات وجود الحقائق الأخلاقية أو أي نوع من التقييم لهذه المسألة. هذه الأُسُس ليست سدّاً منيعًا ضد الشكوك التي تؤدي إلى العدمية المعرفية. هذا الإخفاق في التأسيسية الكلاسيكية هو بالتحديد ما أثار الشكوك البيرونية التي وصفها الغزالي في بداية المنقذ. كما رأينا، جادل ابن تيمية بأنه لا توجد حقيقة أكثر وضوحًا وبدهية من حقيقة الإله، وهي حقيقة لا تتطلّب أي إثبات تجريبي أو عقلاني لأنها بمثابة المرساة التي تكون من خلالها هذه الملكات ذات مغزى في المقام الأول. كما أن ابن تيمية واضح في رفضه للداخلية المعرفية Internalism (الرأي القائل بأنه يجب على المرء أن يكون على علم بمبرّر الاعتقاد حتى يصل إلى المعرفة). تمشيا مع Externalism أو المذهب الخارجي [الرأي القائل بأن الأحداث والأفعال العقلية تعتمد بشكل أساسي على العالم الخارجي للعقل، في مقابل الفصل الديكارتي بين العالمين العقلي والمادي]، يوضح أن المرء قد يعرف شيئًا ما دون أن يكون على دراية بمعرفته؛ ومع ذلك، مع التأمل، يمكن للمرء أن يكشف عن مثل هذه المعرفة، اعتمادًا على سلامة البصيرة.[157]

في تحليله لابن تيمية، يعتمد جيمي تورنر على مفهوم ألفين بلانتينجا للوظيفة المناسبة، حيث يمكن حقاً اعتبار الاعتقاد أساسًا -أي اعتقاد أساسي صحيح- إذا كان له مبرر يحدث عندما يتشكّل الاعتقاد من خلال كليات معرفية تعمل بشكل صحيح وتهدف إلى إنتاج إيمان حقيقي في بيئات مناسبة. يلاحظ تيرنر أنه بالنسبة لابن تيمية، فإن الإنصات لصوت الفطرة يعطي ضماناً للمعتقدات الأساسية ويسمح له بإدراك آيات الله:

”وفقًا للنموذج التيمي، بناءً على الوظيفة المناسبة للقلب جنبًا إلى جنب مع الفطرة، وكلاهما تم تصميمُهما لاكتساب معتقدات حقيقية عن الله بنجاح عند وضعهما في بيئات مناسبة لحدوث ذلك، سيُنتجان الإيمان الأساسي بالإسلام الذي يمكن القول أن هناك ما يبرره بطريقة أساسية بشكل صحيح. كما هو موضح أعلاه، فإنه على وجه التحديد عند الاتصال بـ “آيات الله” يمكن أن يكون الإيمان الأساسي به، وبالتالي دينه، مُبرّرًا وفقًا لتقرير بلانتينجا للوظيفة المناسبة.“[158]

يربط ابن تيمية تأملاته حول الفطرة بملاحظاته عن “علم نفس النموّ”. ويلاحظ أن الرضيع الصغير عند إدراكه لحركة أو صوت يضطر بطبيعة الحال للبحث عن مصدره (توقع سببي) وبالمثل، فإنه أمرٌ فطري إن رأينا بناءً أن نخمّن: من كان وراء إنشائه.[159] هذا التوقع يدل على حقيقة وجودية ضرورية وأساسية – الأشياء لا توجد دون سبب. ويشير أيضًا إلى أن الأطفال يعرفون أن الله في السماء[160] وفطرياً نعلم أنه سميع وبصير.[161]

يبدو أن ملاحظات ابن تيمية التجريبية صمدت أمام اختبار الزمن. في النظام المعاصر المعروف باسم العلم المعرفي للدين، هناك ثروة معرفية حول الدراسات التجريبية التي تصف الميل البشري الطبيعي لإدراك العلاقات السببية،[162] للبحث عن الغاية وراء الأحداث بما في ذلك أحداث الحياة،[163] لإدراك الفاعلية في العالم من حولنا (يُشار إليه بجهاز الكشف عن الوكالة شديدة الحساسية)، وما إلى ذلك.[164] هناك ميل طبيعي للإيمان بالله، في حين أن الإلحاد “يتطلب بعض العمل المعرفي الشاق لرفض أو تجاوز الحدس الذي يغذي المعتقدات الدينية”.[165] كتب عالم النفس التجريبي جاستن باريت يقول:

”يبدأ هذا الإيمان بالآلهة في مرحلة الطفولة ويستمر عادةً إلى مرحلة البلوغ ويصل إلى نفس درجة الإيمان بقانون الجاذبية، وديمومة الأجسام الصلبة، واستمرارية الوقت، وإمكانية التنبؤ بالقوانين الطبيعية، التي تُسبّب تأثيرات مسبقة، وأنّ الحيوانات تحمل صغارًا متشابهة لها، وأن لدى الناس أفكارًا ورغبات تحفز وتُوجّه أفعالهم، وأن بعض الأشياء صحيحة أو خاطئة من الناحية الأخلاقية، وأنّ أمهاتهم تحبهم، والعديد من الأفكار الأخرى حول العالم… أفضل المقاربات التي تعتبر عقولنا جديرة بالثقة أساسًا لتقديم معتقدات حقيقية وأن معتقداتنا “الطفولية” التي نشأت بشكل طبيعي يجب اعتبارها صحيحة حتى يكون لدينا سبب وجيه للاشتباه في أنها إشكالية. ليس من الواضح بالنسبة لي أننا نستطيع أن نفعل غير ذلك وما زلنا نعمل كبشر طبيعيين وعاقلين.“[166]

يلخص علم نفس النمو الحديث شرح التقاليد الإسلامية للدور المعرفي للفطرة. يمكن للمرء حتى إعادة بناء “الدين الطبيعي” الذي ظهر في مرحلة الطفولة على أنه يشتمل على الاعتقاد بأن العالم الطبيعي قد تم تصميمه عن قصد والإيمان بالكائنات الخفية والخارقة للطبيعة[167] والتي لها عواطف وأفكار ووجهات نظر.[168] هذه الميول الإيجابية متجذرة في الطبيعة البشرية.[169] يُطوّر الأطفال بشكل طبيعي مفاهيم السببية، والكمية العددية، والأخلاق، والغاية، وما إلى ذلك، وأي محاولة لتجاهل هذه اللبنات المعرفية تستلزم تدهور التمثيلات المتماسكة وذات المغزى للواقع. إذا اضطررنا بشكل طبيعي إلى الاعتقاد بشيء ما من أجل الحصول على أي تمثيل ذي مغزى للواقع، فإن إلقاء الشك على ذلك يؤدي إلى العدمية المعرفية. إن تبني نموذج الشك والمطالبة بإثبات الأسس نفسها لا يؤدي إلا إلى انهيار المشروع الفكري للمعنى بأكمله. يقول ابن تيمية:

”البرهان الذي ينال بالنظر فيه العلم لا بد أن ينتهي إلى مقدمات ضرورية فطرية فإن كل علم ليس بضروري لا بد أن ينتهي إلى علم ضروري، إذ المقدمات النظرية لو أثبت بمقدمات نظرية دائماً لزم الدور القبلي، أو التسلسل في المؤثرات في محل له ابتداء.

وكلاهما باطل بالضرورة واتفاق العقلاء من وجوه.

فإن العلم النظري الكسبي هو ما يحصل بالنظر في مقدمات معلومة بدون النظر إذ لو كانت تلك المقدمات أيضا نظرية لتوقف على يغرها، فيلزم تسلسل العلوم النظرية في الإنسان، والإنسان حادث كائن بعد أن لم يكن، والعلم الحاصل في قلبه حادث، فلو لم يحصل في قلبه علم إلا بعد علم قبله، للزم أن لا يحصل في قلبه علم ابتداء فلا بد من علوم بديهية أوليه يبتدؤها الله في قلبه وغاية البرهان أن ينتهي إليها.

ثم تلك العلوم الضرورية قد يعرض فيها شبهات ووساوس كالشبهات السوفسطائية مثل الشبهات التي يوردونها على العلوم الحسية و البدهية كالشبهات التي أوردها الرازي في أول مُحَصَّلِه وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع.

والشبهات القادحة في تلك العلوم لا يمكن الجواب عنها بالبرهان لأن غاية البرهان أن ينتهي إليها، فإذا وقع الشك فيها انقطع طريق النظر والبحث.

ولهذا كان من أنكرم العلوم الحسية والضرورية لم يُناظَر، بل إذا كان جاحداً معانداً عوقب حتى يعترف بالحق، وإن كان غالطاً إما لفسادٍ عَرضَ لحسِّه أو عجز عقله عن فهم تلك العلوم، وإما لنحو ذلك، فإنه يعالج بما يوجب حصول شروط العلم له وانتفاء موانعه فإن عجز عن ذلك لفساد في طبيعته عولج بالأدوية الطبيعية أو بالدعاء والرقى والتوجه ونحو ذلك وإلا تُرك”.[170]

هنا، يقدم ابن تيمية شرحًا واضحًا للحاجة إلى الأسس المعرفية. ولكن بدلاً من تقديم شكل تعسفي من التأسيسية التي تقوضها معضلة أجريبا Agrippan trilemma، يُوضّح أن المعرفة البديهية للواقع مبنية وفقًا للمفاهيم التي بدأها الله في العقل عبر الفطرة، وهي مفاهيم لا يمكن للمرء الاستغناء عنها بينما لا يزال يأمل في الحصول على تفسير غائي للوجود.[171] إن الابتعاد عن المفاهيم ذات المغزى من خلال نفي المعرفة الضرورية يستلزم السفسطة. الترياق المضاد للشك البيروني لا يكمن في تسليته بالحجج الفلسفية المطولة ولكن النظر إلى المسببات الروحية النفسية الكامنة وراءه -العمى والعناد المتعمد أو الأسس المعرفية الفاسدة أو التفسير الفسيولوجي. من خلال إعادة توجيه المرء إلى الحالة الوجودية الخاصة به، والسعي وراء نظرة ذات مغزى للحياة، والبحث عن الله بشوق روحي حقيقي، يكون الإنسان قادرًا على اكتساب أقوى أسس الاقتناع.

يحتاج الإنسان إلى نموذج Paradigm يقدم مفهومًا ذا مغزى للجوانب الأساسية للحياة. كما يوضح ابن تيمية، فإن نقطة انطلاق المعرفة هي أن يبحث البشر بصدق وإخلاص عن إجابات وإرشادات من خالقهم.[172] يقول القرآن: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ (الجاثية، آية 6). يقول المفسّر العلامة الآلوسي (ت 1270هـ): “وهذا يدل على أنه لا يوجد تفسير ذو مغزى (بيان) أكثر دلالة من هذا التفسير [أي النموذج الإسلامي] The Islamic Paradigm، ولا توجد آية أقوى دلالة من هذه الآية [أي الخطاب القرآني].[173] إن أقوى البراهين المعرفية هي تلك التي تُوفّر الفهم الأكثر أهمية للواقع.


........................................................................

الهوامش

........................................................................



Wittgenstein, On Certainty, § 310–16. [97]

Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:253. [98]

Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:126. [99]

[100] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:129. See also Muḥammad b. ʿAbd al-Karīm al-Shahrastānī, Kitāb Nihāyat al-iqdām fī ʿilm al-kalām (Cairo: Maktabat al-Thaqāfah al-Dīniyyah, 2009), 119.

al-Shahrastāni, Nihāyat al-iqdām, 121. [101] النص يذكر فقط “أبو محمد عبد البصري. ومع ذلك، يعتقد المحرر محمد رشاد سالم أن الشخص المعني يمكن أن يكون أبو محمد بن عبدك البصري (ت 347 هـ)، حيث لا يمكن العثور على سيرة ذاتية أخرى لاسم مشابه. اُنظر درء التعارض، 8: 494رقم 1.

[102] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:507.

[103] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:516, مشيراً إلى الآيات القرآنية 6:76 – 80.

[104] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:525.

[105] Ibn Qayyim al-Jawzīyah, Miftāḥ dār al-saʿādah (Mecca: Dār ʿĀlam al-Fawāʾid, 2010), 2:796.

[106] لمزيد من المناقشة التفصيلية لنقد ابن تيمية للوجود الفائق للكوني، اُنظر: Wael Hallaq, Ibn Taymiyya against the Greek Logicians (Oxford: Clarendon Press, 1993), xxii–xxiv.

[107] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:344–45

[108] وفي تطور البراهين الفلسفية رداً على الشكوك، اُنظر على سبيل المثال C. Erlwein، Arguments for God’s Existence in Classical Islamic Thought: A Reappraisal of the Discourse (Berlin: De Gruyter, 2019). أحد الجوانب التي تطورت، على سبيل المثال، هي العلاقة بين إثبات خلق الحوادث وخلق العالم ككل، والتي تم فحصها في Ayman Shihadeh, “Mereology in Kalām: A New Reading of the Proof from Accidents for Creation,” Oriens 48 (2020), 5–39.

[109] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:286–88.

[110] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:211–12 and Naqḍ al-manṭiq, 337.

[111] اُنظر أيضًا ابن تيمية، نقض المنطق، 282 حيث يذكر أن غالبية المعرفة البشرية هي نتيجة التفكير القياسي.

[112] Douglas R. Hofstadter and Emmanuel Sander, Surfaces and Essences: Analogy as the Fuel and Fire of Thinking (New York: Basic Books, 2013), 135. يكتبون أيضًا: “ما نعنيه بهذه الأطروحة هو أن كل مفهوم في أذهاننا يدين بوجوده إلى سلسلة طويلة من المقارنات التي تم إجراؤها دون وعي على مدى سنوات عديدة، والتي أدت في البداية إلى ولادة المفهوم والاستمرار في إثرائه على مدار حياتنا”.

[113] لمزيد من المعلومات حول نظرية الآيات عند ابن تيمية، اُنظر: Turner, “Islamic Account of Reformed Epistemology,” 18–23. [114]

Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 7:351. [115]

Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:531. [116]

Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:533–34. [117] اُنظر على سبيل المثال ابن تيمية، نقض المنطق، 8: 518 نقلاً عن أبي محمد بن عبد البصري.

[118] “هذا هو السبب في أن العديد من الزعماء الروحيين والصوفية أمروا بالالتزام بممارسة الذكر (ذكر الله)، وجعلوا ذلك بوابة للوصول إلى الحقيقة، وهذا أمر جيد إذا رافقوا ذلك بالتدبر (التأمل) في القرآن والسنة واتّباعهما (أي: تجنب البدع) “. ابن تيمية، نقض المنطق، 60.

[119] بشكل عام، يصفها بأنها “إضاعةٌ للوقت وهذيان كبير، وإرهاقٌ للعقول” ابن تيمية الرد على المنطقيين 1: 362.

[120] ابن تيمية، درء التعارض، 3:72. هناك أيضًا تعبير عامي في اللغة العربية يسأل من يتخذ مقاربة ملتوية ومرهقة لمسألة بسيطة، “أين أذنك يا جحا؟” شخصية جحا (التي قد تكون شخصًا حقيقيًا يُدعى أبو الغون دجين الفزاري) هي موضوع مجموعة متنوعة من الحكايات المسلية والفولكلور. “الملا نصر الدين” هو الشخصية المقابلة في العالم الإسلامي الفارسي وجنوب آسيا.

[121] هذا هو الوصف الذي استخدمه ابن القيم، تلميذ ابن تيمية، في الصواعق المرسلة (الرياض: دار الخيمة، 1408هـ)، 1: 335. العبارة نفسها مستعارة من وصف الزوجة لزوجها في الحديث الشهير الذي يصف قصة أم زرع (مسلم، رقم2448، https://sunnah.com/muslim/44/135).

[122] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 2:206.

[123] ابن تيمية، الرد على المنطقيين، 1: 255. كما يذكر أن الإلمام ببعض العلوم الغامضة كالرياضيات التي هي في جوهرها، هدف مرغّبٌ فيه دينياً عند علماء السنة، لأنه يقوي العقل. اُنظر أيضًا ابن تيمية، درء التعارض 3: 105.

[124] ابن تيمية، داري تروي، 3: 197. “فامتثال هذا التطويل والتعقيد قد يكون فيه منفعة لمن يُسفسط ويعاند”.

[125] ابن تيمية، نقض المنطق، 286-287: “فيورثهم المنطق ترك ما عليه أولئك من تلك العقيدة”. وفي سياق مماثل، يجادل توني فوجل كاري بأن الفلسفة تتقدم فقط من خلال تدمير الحجج القديمة، أو الشك في المعرفة الحالية، أو توضيح المفاهيم. Toni Vogel Carey, “Is Philosophy Progressive?,” Philosophy Now, 59 (2007): 19–21.

[126] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:46.

[127] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:238.

[128] ابن تيمية، درء التعارض، 3: 306. حول فساد الفطرة، اُنظر أيضًا Kazi، Reconciling Reason and Revelation، 277.

[129] يوضح ابن تيمية أن من أسباب فساد الفطرة عدم الإلمام بالسنة والحديث. نقض المنطق، 202.

[130] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 7:37–38.

[131] وهذا أقرب إلى التمييز بين الإنتاج بالعقل والجدارة المعرفية والدعم العقلاني كما ناقش دون جاريت، “صبغة صغيرة من البيرونية” 80. يربط ابن تيمية بطريقة لافتة بين اللاهوت ونظرية المعرفة من خلال مناقشة المصادر الملائكية والشيطانية لإنتاج المعتقدات؛ اُنظر نقض المنطق، 47-57.

[132] ابن تيمية، درء التعارض، 8: 460: “بل يحتاج كثيرٌ منهم في حصول ذلك إلى سبب معين للفطرة”.

[133] Ibn al-Qayyim, Miftāḥ dār al-saʿādah, 2:889–91.

[134] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 5:299.

[135] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:300.

[136] ابن تيمية، درء التعارض، 9: 161: “وهي طريقة أثبتوا بها الجلي بالخفي وأرادوا بها إيضاح الواضح”.

[137] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:131.

[138] انظر ابن تيمية، درء التعارض، 7: 284، حيث يقول أنه نور العقل الواضح (صريح المعقول) مصحوبًا بنور الكتاب الأصيل (صحيح المنقول). وبالمثل، كتب ابن القيم أنه نور الوحي مع الفطرة أو العقل، أو نور الدين مع الفطرة. اُنظر ابن القيم، الصواعق المرسلة 3: 851-52 وابن القيم، الوابل الصيّب (القاهرة: دار الحديث، 1999)، 1:53.

[139]Ibn Taymīyyah, Majmūʿ al-fatāwá, 16:191–93.

[140] Ibn Taymīyyah, Majmūʿ al-fatāwá, 16:199.

[141]Ibn Taymīyyah, Majmūʿ al-fatāwá, 16:199.

[142] يوازي هذا القسم مناقشة مختصرة حول ثلاثية مونشاوزن في مقالة سابقة. زهير عبد الرحمن ونذير خان “In Pursuit of Conviction II: Humanity Needs God,” Yaqeen, October 11, 2019, https://‌yaqeeninstitute‌.org/‌zohair/‌in-pursuit-of-conviction-ii-humanity-needs-god/.

[143] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:458.

[144] يمثل هذان الوضعان الأوليان رفض المتشكك لوجهة النظر التي يقدمها خصمه، ومن ثم يطلق عليه أحيانًا “الأنماط المادية” أو “أوضاع التحدي”، في حين أن الأنماط المتبقية، والتي تشكل الثلاثية، تستلزم استفسار المتشكك في تبرير وجهة نظر الخصم، ومن ثم يطلق عليها “الأنماط الشكلية” أو “الأنماط الديالكتيكية”. See J. B. Bullock, “The Challenges of the Modes of Agrippa,” Apeiron 49, no. 4 (2016): 5.

[145] يُعرف أيضًا باسم ثلاثية المونشهاوزن.

[146] هناك أيضًا بعض التعديلات التي تجمع بين هذه الخيارات ولكنها لا تؤثر بشكل كبير على trilemma. اُنظر، على سبيل المثال، P. Tramel، “Haack’s Foundherentism is a Foundationalism،” Synthese 160، no. 2 (2008): 215 – 28.

[147] Diego E. Machuca, “Agrippan Pyrrhonism and the Challenge of Disagreement,” Journal of Philosophical Research 40 (2015): 23–39.

[148] ولا يمكن لأي عقل محدود أن يمتلك سلسلة لا نهائية من التبريرات للاعتقاد أو حتى يبرر وجود سلسلة لا نهائية. تم تقديم إجابة مفصلة في ستيفن رايت، “Does Klein’s Infinitism Offer a Response to Agrippa’s Trilemma?,” Synthese 190 (2013), 1113–30.

[149] لمناقشة الطبيعة الإشكالية لهذه الخيارات التي حددها الفلاسفة الهلنستيون، اُنظر P. D. Klein, “Epistemic Justification and the Limits of Pyrrhonism,” in Pyrrhonism in Ancient, Modern, and Contemporary Philosophy, ed. D. Machuca, The New Synthese Historical Library, vol. 70 (Dordrecht: Springer, 2012).

[150] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 339.

[151] كثيرًا ما يستشهد ابن تيمية بحكاية الرازي وعالم الدين المعتزلة الذي عرض خلافهما المستعصي قبل نجم الدين كبرى (المتوفي 618 هـ)، الذي أخبرهم أنه من خلال الرؤى الروحية (الواردات)، كان قادرًا على تحقيق اليقين الذي استعصى عليهم في نقاشاتهم الفلسفية. ابن تيمية، بيان تلبيس الجهمية 2: 184-86؛ نقض المنطق (64-65)؛ ودرء التعارض 7: 430-32. اُنظر أيضاً El-Tobgui, Ibn Taymiyya on Reason and Revelation, 295–96.

[152] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 49.

[153] اُنظر، على سبيل المثال، القرآن 16: 3 و 38:27. يكتب ابن القيم في هذا الصدد: “يشير الباطل إما إلى شيء وهمي غير موجود أو إلى شيء موجود ولكن لا فائدة له”. ابن قيم الجوزية، إغاثة اللهفان (مكة: دار عالم الفوائد، 2011)، 429. اُنظر أيضًا ابن تيمية، نقض المنطق، 274. يمكن أن نأخذ في الاعتبار أن كلا الاستخدامين مرتبطان ارتباطًا جوهريًا من الناحية المفاهيمية.

[154]John Whittaker, “The Logic of Authoritative Revelations,” International Journal for Philosophy of Religion 68, no. 1–3 (2010): 167–81.

[155] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 339; al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:13–14.

[156] في حين أن التأسيسية هي الرأي القائل بأن المعتقدات الأساسية تُبرهن المعتقدات غير الأساسية، فإن التأسيسية الكلاسيكية تضيف شرطين. أولاً، يجب استنتاج المعتقدات غير الأساسية منطقيًا من المعتقدات الأساسية. ثانيًا، يجب أن تكون المعتقدات الأساسية معصومة من الخطأ، أي يجب أن يكون من المستحيل منطقيًا أن تكون مخطئة. الشرط الثاني يخضع لمبدأ الانغماس وأنواع أخرى من الشك الراديكالي التي تم فحصها سابقًا. المشكلة مع الأسس الكلاسيكية هي أن الغالبية العظمى من المعتقدات التي تبدو بديهية تعتبر غير مبرهنة. اُنظر Noah Mercelino Lemos, An Introduction to the Theory of Knowledge (Cambridge: Cambridge University Press, 2007), 51–55.

[157] Ibn Taymīyyah, Majmūʿ al-fatāwá, 16:195.

[158] Jamie Turner, “Islamic Account of Reformed Epistemology,” 25.

[159] ابن تيمية، درء التعارض، 8: 114. اُنظر أيضًا درء التعارض، 8: 305، حيث يذكر أن الطفل الذي ضرب على رأسه يعرف بالفطرة أن هناك من هو المسؤول عن ذلك ولا يحتاج إلى حجة فلسفية.

[160]Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 2:59.

[161] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 10:76.

[162] على سبيل المثال، يتصرف الأطفال في سن ما قبل المدرسة وفقًا لافتراض العلاقات السببية القطعية، ويقبلون الاستدلالات السببية العشوائية فقط عندما لا تتطابق الأولى مع الأحداث. Laura E. Schulz and Jessica Sommerville, “God Does Not Play Dice: Causal Determinism and Preschoolers’ Causal Inferences,” Child Development 77, no. 2 (2006): 427–42.

[163] Konika Banerjee and Paul Bloom, “Why Did This Happen to Me? Religious Believers’ and Non-Believers’ Teleological Reasoning about Life Events,” Cognition 133, no. 1 (2014): 277–303.

[164] Justin L. Barrett and Jonathan A. Lanman, “The Science of Religious Beliefs,” Religion 38, no. 2 (2008), 109–124; Deborah Kelemen and Cara DiYanni, “Intuitions about Origins: Purpose and Intelligent Design in Children’s Reasoning about Nature,” Journal of Cognition and Development 6, no. 1 (2005): 3–31. For a demonstration in a primarily atheistic culture, see Elisa Järnefelt, Liqi Zhu, Caitlin F. Canfield, Marian Chen, and Deborah Kelemen, “Reasoning about Nature’s Agency and Design in the Cultural Context of China,” Religion, Brain and Behavior 9, no. 2 (2019): 156–78.

[165] Ara Norenzayan and Will M. Gervais, “The Origins of Religious Disbelief,” Trends in Cognitive Sciences 17, no. 1 (2013): 20–25.

[166] Justin Barrett, Born Believers: The Science of Children’s Religious Belief (New York: Atria Books, 2012), 172–73.

[167] هذه هي الطريقة التي يحدد بها باريت ميل الطفولة إلى الإيمان بـ “الآلهة”، ولكن يمكن التعرف بسهولة على النتائج النفسية مع الإيمان بالملائكة والشياطين في ظل التقليد التوحيدى.

[168] Barrett، Born Believers، 137. لاحظ باريت أيضًا أنه تلقى رسائل بريد إلكتروني من مسلمين يُخطرونه بأن هذه الأطروحة هي تعليم معياري في الإسلام. ومع ذلك، فقد رفض ذلك بقوله إن البحث النفسي لا يشير إلى أن “الأطفال يولدون ليؤمنوا باللاهوت الأرثوذكسي الإسلامي أو اليهودي أو المسيحي” (151). ومع ذلك، فإن الفهم السائد في التقليد الإسلامي هو في الواقع صريح تمامًا أن الفطرة ليست سوى ميل طبيعي نحو الله، وليس فكرة أن الشخص كان على علم منذ ولادته بالعقائد اللاهوتية للإسلام. انظر ابن تيمية، درء التعارض، 8: 460-61.

[169] يمكن القول أن هناك أيضًا العديد من السلوكيات غير المرغوب فيها والتي تأتي بشكل طبيعي للأطفال، مثل التنمّر والأنانية ونوبات الغضب. ومع ذلك، فإن هذا يفتقد إلى تمييز حاسم. هناك طريقة طفولية في تفسير الواقع وتوفير الضمير الأخلاقي لما هو صواب وما هو خطأ، وهذا ما يسمى بالفطرة. ثم هناك سلوكيات طفولية ورغبات اندفاعية تُسمى النفس وتعرف الفطرة أنها خطأ.

[170] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:309–10.

[171] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 10:74.

[172] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 58.

[173] Nuʿmān Khayr al-Dīn al-Ālūsī, Rūḥ al-maʿānī fī tafsīr al-Qurʾān al-ʿAẓīm wa-al-Sabʿ al-Mathānī (Beirut: Dār Iḥyāʾ al-Turāth al-ʿArabī, n.d.), 25:141–42.

تعليقات