سلطان بركاني يكتب: الإلحاد لا يقود إلى السّعادة

  • أحمد عبد الله
  • الأحد 28 فبراير 2021, 08:08 صباحا
  • 876
أرشيفية

أرشيفية

كنّا –قبل سنوات- ونحن نقرأ أحاديث فتنة المسيح الدجّال، نعجب كيف لهذا الكذّاب الذي يحمل على جبينه علامة كفره أن يفتن النّاس، خاصّة بعض المسلمين منهم، فيصدّقوا دعواه بأنّه الخالق، وهم الذين كانوا قبلها يؤمنون بالواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء.. لكنّنا في هذه السّنوات الأخيرة بدأنا ندرك أنّ مهمّة الدجّال ستكون سهلة بعد أن يوطِّد له الدّجاجلة الأمر ويمهّدوا له الطّريق، بتحريف المفاهيم والتشكيك في المسلمات وإلغاء الحدود والحواجز الفاصلة بين الإيمان والكفر وبين الحقّ والباطل.


كنّا –قبل سنوات- ونحن نقرأ أحاديث فتنة المسيح الدجّال، نعجب كيف لهذا الكذّاب الذي يحمل على جبينه علامة كفره أن يفتن النّاس، خاصّة بعض المسلمين منهم، فيصدّقوا دعواه بأنّه الخالق، وهم الذين كانوا قبلها يؤمنون بالواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء.. لكنّنا في هذه السّنوات الأخيرة بدأنا ندرك أنّ مهمّة الدجّال ستكون سهلة بعد أن يوطِّد له الدّجاجلة الأمر ويمهّدوا له الطّريق، بتحريف المفاهيم والتشكيك في المسلمات وإلغاء الحدود والحواجز الفاصلة بين الإيمان والكفر وبين الحقّ والباطل.

في أعقاب يوم السبت الموافق لـ13 جوان من العام الجاري، احتدم الجدل حول نهاية شابّة مصرية ملحدة، عُرفت في سنوات عمرها الأخيرة بدفاعها المستميت عن الإلحاد وشدّة عدائها للإسلام، وميولها المثلية ودفاعها عن الشّذوذ، وهي التي كانت قبل تردّيها في هذه الهاوية، مسلمة محجّبة، نشأت في كنف أسرة محافظة، لكنّها أبت إلا أن تتنكّب طريق الهدى بعد أن أشربت في قلبها نزغات شياطين الإلحاد الذين يتستّرون بالدّفاع عن الحرية الفكرية وحرية الاختيار، ليشكّكوا النّاس في دينهم ويسوّلوا لهم التحلّل من شرائعه بزعم أنّه ليس من عند الله، ورويدا حتى يوصلوهم إلى إنكار الخالق وإنكار البعث والنّشور، بعد أن يوهموهم بأنّ الرّاحة النفسية والسّعادة الكاملة لا تحصلان إلا بالإلحاد، وهكذا كانت قصّة هذه الملحدة المصرية التي بحثت عن السّعادة في نبذ الدّين ومهاجمته، فتركت الحجاب وأنكرت الخالق وهاجمت الدّين بكلّ ضراوة وروّجت للشّذوذ وتباهت بمثليتها، وحينما تعرّضت للتّضيق والمساءلة في مصر، هاجرت سنة 2018م إلى كندا التي يروّج عنها العلمانيون والملاحدة بأنّها جنّة الدّنيا، وهناك ظلّت سادرة في غيّها، حتى فوجئت الأوساط الإلحادية بخبر انتحار الملحدة الثلاثينية في الـ13 من جوان المنصرم، بعد أن تركت رسالة وداع تحدّثت فيها بكلّ قهر عن التعاسة التي كانت تعيشها والضّنك الذي كانت تعانيه، حيث قالت: “إلى إخوتي: حاولت النجاة وفشلت. سامحوني.. إلى أصدقائي: التجربة قاسية وأنا أضعف من أن أقاومها. سامحوني.. إلى العالم: كنتَ قاسيًا إلى حد عظيم، ولكني أسامح”.

تناقل كثير من المهتمّين بملفّ الإلحاد رسالتها وتحدّثوا عن قصّتها لعلّها تكون عبرة للمتهوّكين الذين يلقون السّمع لنزغات دعاة الإلحاد.. لكنّ المفارقة أنّ بعض المسلمين الإنسانيين! نحوا منحى آخر في موقفهم من القصّة، حيث دعوا إلى الترحّم على الملحدة الشاذّة المنتحرة، على اعتبار أنّها كانت ضحية من ضحايا البحث عن الحقيقة! وأنّ الحكم على مصيرها ينبغي أن يترك للخالق وحده.. هؤلاء المسلمون الإنسانيون يريدون لعامّة المسلمين أن يكفّوا عن استهجان خيار الملحدة الشاّة المنتحرة والدّعوة إلى الاعتبار بنهايتها، ويكتفوا بالدعاء لها بأن يرحمها الخالق الذي أنكرت وجوده واستهزأت بنبيّه وبدينه وخالفت فطرته التي فطر النّاس عليها! بل ومن هؤلاء الإنسانيين من دعا لها بدخول الجنّة التي أنكرت وجودها واستهزأت بطالبيها والمتمنّين دخولها!

أيّ دين هذا؟ ووفق أيّ منطق يفكّر هؤلاء المسلمون الإنسانيون؟ نعم، من واجبنا أن نتمنّى الهداية لجميع البشر وندعو الله لهم جميعا بأن يهديهم سواء السّبيل، لكنّ من ثبت عندنا كفره يقينا، ولم يثبت لدينا أنّه انتقل من الكفر إلى الإيمان، فإنّنا ممنوعون من الترحّم عليه، لقول الله تعالى: ((ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ وَلَو كانوا أُولي قُربى مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحابُ الجَحيم)).

جميعنا نذنب ونغفل، ولا أحد منّا يضمن أن يكون من أهل الجنّة، لكنّنا لا نجعل المسلمين كالكافرين والمؤمنين كالملحدين، في الحكم، بل نرجو للمسلم الجنّة وندعو له بذلك، ونشهد لكلّ من مات على الكفر بالنّار، ولسنا بهذا نتألّى على الله، بل نلتزم حكمه، يقول سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُون)) (البقرة).

إنّه لمِن قلّة الوقار لله ولدينه أن نصرّ على أنّ الله –سبحانه وتعالى- يمكن أن يرحم من كفر به وحادّ دينه، بل ونتألّى عليه بأن يرحم الكفار والملحدين الذين ماتوا على كفرهم وإلحادهم، بحجة أنّهم كانوا يبحثون عن الحقيقة! كأنّ آيات الله المسطورة في كتابه وفي خلقه ليست كافية لإقامة الحجّة على النّاس! ((مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)).

قصّة الملحدة المنتحرة التي اعترفت بتعاستها، ينبغي أن تظلّ عبرة لشباب الأمّة الذين يلقون أسماعهم لأدعياء الفكر والحداثة، حتى لا يُلبس عليهم دينُهم ويُسلبوا إيمانهم ويخسروا آخرتهم.. السّعادة إن لم يجدها المسلم في دينه؛ بسبب إصراره على المعاصي والمخالفات وإضاعته للفرائض والواجبات، فلن يجدها أبدا في الإلحاد والفكر العلمانيّ؛ فالعلمانية والإلحاد لا يزيدان العقول إلا حيرة والقلوب إلا ضيقا، يقول سبحانه: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)).. مهما وجد المسلم من ضيق في صدره وهمّ وغمّ في قلبه، بسبب تمرّده، فإنّ تعاسته لن تبلغ تعاسة وضنك من يعتنق الإلحاد ليبرّر لنفسه ارتكاب الموبقات، فضنك الكفر وضيقه أكبر وأعظم من ظلمة المعصية.

كثير هم المسلمون المؤمنون الذين ماتوا منتحرين، وهؤلاء حال الواحد منهم كحال رجل يحمل مصباحا في يده، لكنّه أبى أن يشعله! وراح يحث الخطى في ظلمة الليل على طريق تؤدّي في نهايتها إلى الهدف المنشود لكنّ على جانبيها طرقا متفرعة تؤدّي إلى الهاوية. كان من حين إلى آخر يحدّث نفسه بإشعال المصباح حتى لا ينحرف عن طريقه، لكنّه سرعان ما يتخلّى عن الفكرة، وهكذا حتى انحرف عن طريقه فتردّى من شاهق فمات.. بخلاف الملحد المنتحر؛ فهذا حاله كحال رجل ألقى المصباح جانبا وبحث عن الضّوء في كهف مظلم موحش انتهى به إلى هاوية سحيقة تردّى منها فمات.. كما أنّ المسلم المنتحر، إن عُذّب في الآخرة، فإنّه في النّهاية سيدخل الجنّة، بخلاف الملحد الذي يسكن الجحيم خالدا فيه مخلدا.

تعليقات