في رحلتي الأخيرة لأحد المدن السياحية جلست في المقعد الأول الأمامي، قريبة جداً من سائق السوبر جيت، أخرج محموله ووضع الوصلة لتشدو أصالة بأرقِ ما غنت، تبسمتُ وحمدتُ الله أنه لن يزعجني بالأغاني الشعبية الهابطة المعروفة باختيار السائقين لها، وللأسف باختيار كثير من الفئات المحسوبة على صفوة المجتمع، وكأن الذوق العام يواصل انحداره في شتى الأمور بدايةً من اختيار أغنية ومروراً بألفاظ تعبيرية صادمة وانتهاءً بأساليب معاملة وردود أفعال تشي بكارثة.
بعد قليل أخرجتُ من حقيبتي إفطاري، مددت يدي ب " ساندوتش" للسائق، قبلِه مبتسماً وجاملني بكلمة لطيفة.
تناولنا الإفطار وفي منتصف المسافة تقريباً انحرف وتوقف دقائق لم أنتبه إن كانت استراحة على الطريق أم ماذا، ولكنه التقط من بائع الحلوى كيسين وناوله النقود وانطلق.
ثم نظر نحوي وناولني كيساً منهما، قبِلته وتبسمت وشكرته.
لم تكن هذه المعاملة المتبادلة منه متوقعه أبداً، ولكنها أسعدتني رغم أني لم أتناول الحلوى أصلاً، ولكني شعرت بقيمة كلمة " الذوق" هو فعل ذلك لأنه إنسان "ذوق". الذوق إذن لاعلاقة له بالمراكز الاجتماعية ولا المؤهلات العليا ولا الملابس الماركات ولا البيوت الفارهة، "الذوق" طبع، هبة من الله لصاحبها ورزق لمن حوله، "الذوق" اسلوب حياة تعجبني، نجد في الكلمة الحلوة أو التصرف اللطيف أو حتى الابتسامة العابرة ما يعيننا على قسوة الحياة، وهؤلاء الذين ينطلقون بكلمات جارحة لا يدرون كم من الندبات تترك.
الذوق فضيلة وجبر الخاطر فضيلة أيضاً والسماح فضيلة أكبر.
قالت لي شقيقتي قريباً اكتبي عن مدينة خالية تماماً من الأحقاد، انطقي الناس فيها بالحب والوئام وجبر الخواطر، قلت لها كتبت فعلاً مدينة الأحلام، قالت مدينة الأحلام كانت لرجل وامرأة أنا أقصد اكتبي لمجتمع بأكمله صلات دم وأرحام، جيرة، صداقة، علاقات نسب، اكتبي عن كل هذا وانزعي من كل كلمة ما يرهق النفس، قلت لها ستجدين أَمَلِك في الجنة بإذن الله.
هذا ما تذكرته حين ناولني السائق كيس الحلوى، وددت لو أختي معي لتسعد بموقف بسيط جداً يشير إلى ما تتمناه.
كانت الرحلة ممتعة بأجواء لطيفة وعند البحر هممتُ باستخراج كيس الحلوى ولكني لم أجده، سقط من حقيبتي سهواً، لم أستمتع بمذاقه الحلو ولكنه ترك في نفسي أجمل الأثر عن هذا السائق "الذوق".