رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

د.شريف شعبان يكتب: آيات شيطانية!

  • د. شيماء عمارة
  • الإثنين 08 فبراير 2021, 01:50 صباحا
  • 1320
الكاتب د.شريف شعبان

الكاتب د.شريف شعبان

أكتب هذا المقال بعد الانتهاء من القراءة الثانية للرواية الخطرة والمثيرة للجدل "آيات شيطانية" للكاتب الإنجليزي الهندي الأصل سلمان رشدي.


ولعل لم تحظ أية رواية في تاريخ الأدب بقدر من الجدلية مثل تلك الرواية بالإضافة إلى الرواية المصرية "أولاد حارتنا" للأديب المصري نجيب محفوظ، حيث كلتاهما تطرقتا إلى رمزيات دينية مخيفة. ولكن زادت آيات شيطانية في تلك الرمزية التي تصل إلى حد الوقاحة والتطاول على الدين الإسلامي، مما جعل العالم الإسلامي ينتفض ضد الرواية في مظاهرات طاغية من المحيط إلى الخليج بل وفي الهند وباكستان، حتى أن العالم المسيحي والتجمعات اليهودية رفضت تلك الرواية فأصدرت الصحيفة الرسمية للفاتيكان اعتراضاً رسمياً ضد الرواية، ودعا حاخام الطوائف العبرية "عمانوئيل جاكوبوفيتز" إلى وضع قوانين تحولُ دون الإهانة للعقائد، ومنعت طباعتها في العديد من الدول وصار تناولها أشبه بالمحرمات، بينما أصدر الأزهر الشريف في مصر تحريماً قاطعاً للرواية ووصل الأمر بأن أفتى الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية في إيران بإباحة دم سلمان رشدي وقتله ورصدت مؤسسة إيرانية جائزة قدرها مليوني دولار لمن يقتل رشدي مما أدى إلى هروبه واختفاءه عن الأنظار حتى الآن.


ولم يكن الأمر بمثابة خروج عن التقاليد وادعاء الحرية الفكرية في مقابل الجمودية الراديكالية، حيث رد الشاعر الكبير فاروق جويدة بقصيدة نارية على تلك الرواية محاولاً صد الإهانة والوقاحة التي جاء بها رشدي.

الرواية في مجملها السردي ذات طابع الواقعية السحرية أو الخيال في 9 فصول منفصلة متصلة تسمح بأن يكون كل فصل أشبه بقصة قائمة بذاتها، وتنطلق أحداث الرواية بين بطلين هما صلاح الدين شمشة عاش منذ شبابه فى المملكة المتحدة وحاول أن ينسجم مع المجتمع الغربي ويتنكر لأصوله الهندية، وجبريل فريشتة هو ممثل هندي متخصص بالأفلام الدينية، حيث يمثل أدوار آلهة هندوسية، وقد فقد إيمانه بالدين بعد إصابته بمرض خطير حيث لم تنفعه دعواته شيئاً للشفاء.

ويسقط كلاهما في الهواء جراء انفجار طائرة كانت تقلهما من الهند إلى لندن وبدلاً من وفاتهما تحول فريشته إلى كائن ملائكي بينما تحول شمشة إلى شيطان ويدخلان في حالة هذيانية أشبه بأحلام اليقظة أو الرؤى.


ويأتي الفصل الثاني الأكثر جدلاً والذي يتناول حادثة الغرانيق وهي حادثة ضعيفة من روايات ابن إسحق في التراث الإسلامي وتغليفها بأسلوب روائي خبيث باعتبارها حقيقة تاريخية، متبنياً نظريات المستشرقين الأربعة الذين أكدوها كرهاً في الإسلام وهم ثيودور نولدكه، ووليم موير، ووليام مونتغمري واط، وجولد تسيهر.

أما عن حادثة الغرانيق، فهي تدعي زوراً أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يأمل دخول أهل مكة في الإسلام لذا ذكر آلهتهم بخير، قال: "واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك هي الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" غير أن النبى حين لم يجد أي استجابة من أهل مكة لدينه الجديد خرج من غار حراء وصحح الآية بالنص " أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ (23) " وقال بأن النص الأول أوحى له به الشيطان ومن هنا جاءت تسمية "آيات شيطانية".

حقيقة لا أجد جماليات في الرواية من حيث الأسلوب أو الحبكة فلا أجد أدنى ربط بين الأحداث سوى تلك الحالة الضبابية التي ينتقل بها الأبطال من عصر إلى عصر ومن مكان لمكان. 

ولا أفهم السبب من من استخدام رمزيات مباشرة أو قيمة يقدمها الكاتب في تلك الرواية سوى تهكم الفعلي من قبل رشدي على الدين الإسلامي.

فيستمر تطاول رشدي في اختياره لاسم بطل الفصل وهو ماهوند، ولمن لا يعرف هو الاسم الذي أطلقه أهل العصور الوسطى في أوروبا على النبي الكريم كنوع من السخرية، ويسرد الفصل قصة ماهوند في مدينة الجاهلية المبنية على الرمال والتي تنتشر فيها البيوت ذوات الرايات الحمر "الدعارة" في رمزية بأم القرى (مكة المكرمة) ويحاول أن يغلقها بالتدريج، لكن "أبو سنبل" (أبو سفيان) والذي كان واحدًا من قادة المدينة يعطى الأمر بعدم التسرع في ذلك القرار خوفًا من أن يقوم الناس بثورة ويحدثون تمردًا.

كما تطرق سلمان رشدي في الرواية لسلمان الفارسي وزعم أنه كان يغير في كتابة بعض كلمات الوحى الذي كان يمليه عليه النبي، فإذا قال النبي "اليهود" يكتبها سلمان "النصارى" وعندما شعر النبي بذلك أنب سلمان على ذلك التصرف، ومن هنا غادر سلمان إلى بلاد فارس.

ويظهر رشدي شخصية ماهوند بالرجل المتذبذب الضعيف الذي يحاول استرضاء الناس على حساب الرسالة  المكلف بها لا يقوى على مقاومة ضعف نفسه وشهواته أمام زوجة أبو سنبل وانتهازي يستطيع التضحية بمبادئ دينه .  

تعليقات