تأثيرات العربية في البلاغة العبرية

  • جداريات Ahmed
  • الجمعة 02 أغسطس 2019, 3:32 مساءً
  • 1594
ابن عزرا.. أشهر حكماء ورجال الدين واللغويين اليهود في الأندلس

ابن عزرا.. أشهر حكماء ورجال الدين واللغويين اليهود في الأندلس

 

 

كانت اللغة العبرية أشبه باللغة الميتة وعندما ظهرت في الأفق بواكير إنتاج اليهود كانت تتسم لغتهم بركاكة الأسلوب والبلاغة ، ولم يجدوا منبع يأخذون منه ما يرمم لغتهم من حيث الأسلوب والبلاغة سوى اللغة العربية ففي بحث له بعنوان "ترجمة المجاز في القرآن الكريم إلى العبرية" أكد الدكتور احمد قشطه أستاذ اللغويات العبرية بكلية الآداب جامعة المنصورة إن اليهود قد تأثروا بشكل ملحوظ بالبلاغة العربية ،وقد لعتبت دورا كبيرا في تقوية اللغة العبرية ومن أبرز  فنون  البلاغة كان مصطلح"استعارة" الذي ظهر كثيرا في الأدب اليهودي حيث تأصل منهج التفسير البلاغي المجازي عميقا في الموروث اليهودي منذ عصر سعديا الفيومي ، وشموئيل بن حفني، اللذين اقتبسا مصطلحات من مجال تفسير القرآن الكريم وأسسا الأصل الذي يقول إنه إذا كان الفهم الحرفي "الظاهر؟ يصطدم بما هو معلوم لدينا بوضوح من مصادر أخرى مثل الإحساس والعقل أو فقرة واضحة أخرى أو سنة من سنن الأنبياء ، ينبغي تفسير المكتوب على أنه أسلوب نقل " مجاز" وذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة أي أن المعنى الحقيقي لما هو مكتوب

وأشار الدكتور " قشطة " أن بن عزرا قد تحدث عن الاستعارة في " المحاضرة والمذاكرة" كأحد محاسن الشعر، فذكر أن أرسطو عدها من بين محسنات القصيدة وجمالياتها، لكنه أرجع التطور الكامل لعلم البلاغة إلى العرب ، الذين صنفوا ألوانها وضبطوا قواعدها ، ويقف الفصل الخاص بالاستعارة على رأس محاسن الشعر العشرين ، بينما يأتي التشبيه في المرتبة الثالثة عشرة، وعرفت هذه المحاسن وقتها في العصر العباسي بالبديع، وهو نوع من الشعر الذي يتميز بالصور البارعة الخيالية والاستعمال الجرئ المؤثر للصور المجازية عموما

ويوضح الدكتور " قشطة " أن "ابن عزرا" استمد  من كتب مدرسة البديع النقدية وصفه وشروحه لمحسنات الشعر ، وكذلك نماذج من الشعر العربي والقرآن الكريم ، كما حاول إثبات أن الكتب المقدسة اليهودية مزدانة هى الأخرى بمحاسن الشعر، على أساس أن الأنبياء قد أبدعوا هذه المحسنات اعتمادا على أحاسيسهم الداخلية، دون أن يدرسوا الشعر العربي ، لكن كان نجاحه في هذا محدودا ، حتى أنه اعترف أن المقرا يفتقر إلى بعض هذه المحسنات، كما أن أمثلة البعض الآخر فقيرة وضعيفة، واعترافه بمواطن الضعف الأدبية هذه يضفي على تحليله صفة الموضوعية

كما تأثر اليهود بما يسمى بـ " المجاز" حيث يقول الدكتور "قشطة " في بحثه أن المصطلح الحرفي " مجاز" في الموروث العربي تضمن كل أنواع الانحراف عن الاستعمال المألوف للغة، وميز عدد من الكتاب في موروث تفسير القرآن بين الأنواع المختلفة للمجاز، بمها فيها الاستعارة ، أما من كتبوا الموروث اليهودي المقابل ، الذي ازدهر بعد سعديا جاءون وشموئيل بن حفني، فإنهم لم يوردوا تفاصيل في هذا الموضوع كونهم اعتمدوا على الشروح العربية ، ولذلك لم يصفوا الاستعارة بشكل تنظيري وحتى اللغوي اليهودي الكبير " ابن جناح" الذي أكثر من استعمال مصطلح الاستعارة لم يصفه بشكل خاص ، واستعمله بشكل حر بدلا من مصطلحات قريبة لمعناه كالمجاز والكناية والمثل والتمثيل والتشبيه والاتساع كعادة الكثير من الكتاب العرب في عصره، وقد عرض ابن جناح لكل هذه الظواهر ما في فصل مشهور في كتاب "اللمع" بعنوان " الكلمة يراد بها غيرها .

وأكد الدكتور " قشطة " في بحثه أن مفهوم المجاز عند بن عزرا لايمكن إدراكه إلا على أساس مفهوم علماء مدرسة البديع له ، ولا ينكر هو نفسه ذلك  كونه يذكر بوضوح كتب النقد التي اعتمد عليها ، وبمقارنته مع هذه المصادر يتضمن تأثره بابن رشيق القيرواني فيما ذكره في كتاب"العمدة" عن محاسن الاستعارة ومساوئ المبالغة في استعمالها ، أما الأمثلة القرآنية والشرح الغامض لها فقد نقلها حرفيا من كتاب البديع لابن المعتز

وأضاف أن الكلمات العبرية بمشتقاتها التي استحدثها شعراء العبرية الأندلسيون لم تكن كافية لنظم الشعر العبري عن التعبير عنها ، ومن ثم اضطروا إلى استعارة ألفاظ عربية لكي يتمكنوا من التعبير في اشعارهم ، ومن هذه الأمثلة

فكلمة "رد"من الكلمات العبرية المقرائية التي وجد الشاعر اليهودي تادرس أبو العافية بينها وبين كلمة "معنى " العربية شبها لفظيا ، فاستعملها بالمعنى العربي في قوله :

واكتملت فيه قوة معانيها ..فوردت قاصرة عن المدح

وكلمة ولد هي كلمة عربية وقد اقتباسها إسحاق بن خلفون في قوله:

وهو يوسف ولد يعقوب الذي ..مثل يوسف يعقوب نذيره

وفي كتابه " "التأثيرات العربية في البلاغة العبرية " يؤكد الدكتور شعبان سلام أكد تأثر اليهود بالبلاغة العربية تأثيرا كبيرا مستشهدا بمفهوم الاقتباس والذي يعني اقتباس جزء من آيه قرآنية كاملة للدعوة إلى الخير مشيرا إلى أن موسى بن عزرا خصص فصل عن الاقتباس عند العرب في كتابه " المحاضرة والمذاكرة " الذي أكد في كتابه أن العرب يحبون أخذ آيات من قرآنهم ووضعها في أشعارهم ، وقوله : أن للشعراء العرب استخداما عجيبا ورائعا ، فهم يأخذون معان القرآن الكريم ويستخدمونها بشكل جديدي يتناسب مع غرضهم ، موضحا أن نحاة الشعراء اليهود الأندلسيون قد اقتبسوا بعض الفقرات من العهد القديم في أشعارهم ، كما هي أو بتغيير بسيط لتتناسب مع الوزن أو المعنى ، ويتمثل هذا التغيير في إضافة بسيطة أو نقصان طفيف ومنهم من اتبع اقتباس معاني فقرات من كتبهم المقدسة، فضلا عن تأثرهم بمايسمى "الإيغال" ويعني سرعة الدخول في الشئ ، يقال أوغل في الأمر ، إذا دخل فيه بسرعة، وإذا رجعنا لتعريف "ابن عزرا" حول تعريف " الإيغال" فهو لايختلف في شئ عن تعريف العرب ،  مشيرا إلى الشعراء اليهود قد تأثروا بل ساروا على نفس النهج العربي في البلاغة في التشبيه والمقابلة والتقسيم والاعتراض والالتفات والاستطراد وغيرها من فنون البلاغة .أكد الدكتور " سلام" أن المتخصصين في الأدب العبري الوسيط وتاريخه، من بينهم يهود على وجه الخصوص -ما ذكره موسى بن عزرا منذ ما يزيد عن الألف سنة وهو أن ظاهرة الاقتباس في البلاغة العبرية إنما هي بتأثير من الأدب العربي.

ونستطيع ان نختم الحلقة بما قاله موسى بن عزرا في كتابه" المحاضرة والمذاكرة: إن لسان العرب بين الألسنة كزمن الربيع بين الأزمنة " وهو ما يوضح مدى إعجاب الشعراء اليهود الأندلسين باللغة العربية وفنونها .

 

تعليقات