ماذا لو خسرت كل ذرات ومواد هذا الكون شحناتها الكهربائية ؟!
- الأربعاء 20 نوفمبر 2024
الكاتب عمرو زين
غيّة
وقف أمام أطلال برج الحمام فوق سطح الدار العتيقة.. تراءت أمام عينيه مشاهد أمه ساعة المغربية وهي تضع صغار الحمام في حجرها وتزغطها بيدها ثم تعيدها إلى أعشاشها وتغلق عليها باب الغيّة لتنعم بالدفء.
- يا مي أخبريها بأن تذبح الحمام!
- سأفعل.
- وإلا لن أنزل!
أنهى المكالمة مع أخته الصغرى.."انفلونزا الطيور..ستقضي عليها..البشرية كلها في خطر.. الفيروس ينتقل عبر الهواء ولا علاج له."
**
جلس جوار أمه إلى مائدة الطعام..لاحظ ومضات الحزن تغرغر في عينيها..لم يحتمل نظراتها وأطرق برأسه..تهادى إلى نبضه صوتها الكامن.. "ذبحتهن حتى لا يطول غيابك."
ظلتْ تفسّخ الحمام قطعا وتضعها أمامي..ثم صعدتْ إلى السطح..تبعتُها كما كنت أفعل في صغري..رأيتُها من مكاني أعلى الدرج تجلس ساهمة إلى جوار غيّة الحمام الخاوية .. تتناول حبات الذرة بين أصابعها وتدفع بها في الهواء.. كأنها تزغط الصغار في حجرها.. تسقط الحبات في براح جلبابها فتعاود التقاطها..ثم قامت تحملها بين كفيها.. دخلتْ الغيّة ونثرتها على أرضيتها وهي تصدر ترنيمات حزينة نابعة من صدرها..همّت بالمغادرة.. فوجئت بي واقفًا والباب.. ضممتها إلى صدري.. "سامحيني!لم أكن أعرف."
**
هوى على سور السطح بالجريدة التي نشرت الخبر بعد سنوات من رحيل أمه.."الحمام يحمل مناعة طبيعية ضد انفلونزا الطيور."
برزت من تحت الركام أسطرُ المانشيت الجديد تعلنها في تحدي..
" وباء غامض يجتاح العالم."
تملتكه نوبة ضحك هستيرية.. أعاد بناء الغيّة..ثم علّق الأقفاص في مواضعها ودس داخل كل منها صورة أمه.. وكلماتها ترفرف من حوله..
" الحمام أصله يا ابني يحب الولفة!"
**
وقف أمام الغيّة قبل سفره الأخير..يسترجع المشهد وهو يتسلل تحت جناح أمه..وصغار الحمام يفردون أجنحتهم ويحركونها في الهواء.. تحت عينيها..مسح دمعة سالت فوق خده.."سامحيني!ليتني كنت أعرف!"
أدار ظهره ليهبط الدرج..توقف لسماع صوت يصدر من قلب الغيّة..أغمض عينيه وأطلق هديلاً منتظمًا.