حول شعر عاطف عبد المجيد.. حسام عقل يكتب: حين تتعانق دلالتا القصيدة والثورة!

  • أحمد عبد الله
  • الجمعة 29 يناير 2021, 05:33 صباحا
  • 755

حين تتعانق دلالتا القصيدة والثورة !

د. حسام عقل

من جديدٍ يصافحنا شِعْرُ عاطف عبد المجيد بقصيدهِ المُصفَّى الذي يسعى حثيثاً لاحتضان اللحظة بقوة الاهتصار، يترجّل بشِعره في قلب الأرباض والأزقة، ويؤالف بين مفرداته وتفاعيله ليسبكها جميعاً نفثة تظاهر المهمشين وتحدب، بدماثه، على أوجاعهم في غير تحفظ .ومن النبع ذاته الذي صدر عنه الشاعر الأمريكي المعاصر " تشارلز سيميك " يصدر شاعرنا حين يكون خياره تفجير الشاعرية في اللحظي واليومي والمألوف لينضو عنه لحظيته وينزع عنه طابعه اليومي النمطي ويسلخ بجسارة مألوفيته فتتحقق معادلة الرومانتيكيين الخالدة التي تجمعها عبارة " السهل الممتنع ".وصدوراً عن عتبة النص أو لصوقاً بالعنوان يتبدى أمامنا ملمح الطموح إلى المغايرة والتمايز الذي يصل في تراكمه المدهش إلى أن يغتدى تمايزاً " جينياً " يضمن له الفرادة " من طينة أخرى دمي " وقد تحمل هذه السيماء الكاشفة ملمح الفرادة في ذاتها لكنها قد تعني، بالمثل، صداماً محتملاً مع بيئة اجتماعية تغايره ( أو تعاكسه في الواقع ) فكراً ورؤية ووجهة .

ويطل ملمح الاغتراب والوحشة والتوحد في قصيدة الاستهلال " سأكون الواحد " التي تغدوفي زخمها المتصاعد نمطاً فريدا ًمن أنماط التطاوس في وجه الموجودات رفضاً للتقازم أو التضاؤل مهما تكن شكيمة الخصوم وصولتهم :

" وقصائد شعري

 ومقالاتي

 وجميع جميع كتاباتي

 سأكون بلا مِثْل

 أي وبلا فخر "

وبتغذية الأنساق الشعرية المتنامية بفلذات التأمل الفلسفي استجلاء للذات وتحويماً حول سماتها الدالة تغدو قصيدة " عاطف عبد المجيد " استبطاناً شاملاً للذات يتمتع بجدة الإطلالة وغضارة الاكتشاف .

" عجباً لي

إذ يكتشف حضوري

 في عز غيابي! "

ولا نزعم هنا أن إيثار خيار البساطة ضمن للذات الشاعرة دائماً مزية فنية تواتي طول الوقت فقد تكبدت التجربة في بعض مقاطعها مؤونة باهظة الثقل أفضت بقصيدته، في بعض المراحل، إلى قدر ملحوظ من التقريرية والمباشرة على نحو ما حدث في قصيدة : " أأبيع خلودي ؟ "

وحين يستفرغ النقدي الجهد طاقته في تحليل الجملة الشعرية – أسلوبياً – في مسعى للوقوف على ما يسميه الأسلوبيون " بالموائز الأسلوبية " "discriminators" لن يعوزنا الدليل بل حشد الأدلة من نسيج النص على لجوء الذات الشاعرة إلى ضغط الجملة ، كبسوليا ً، قنوعاً بأيسر علاقات الإسناد أو اكتفاء بالهيكلين الكبيرين: المسند والمسند إليه قصداً إلى المراد من أقرب طريق.وهنا تتجه القصائد ، بوجه عام ، إلى منحي التقطير الأسلوبي.وهو ما يتراءى في هذا المقطع الذي ينتقد فيه ضحالة القصيد الذائع وفراغ النماذج الشعرية من الدلالة أو شحوب الجهد الفني المبذول :

" في زمن اللاشعر / تصير الفاصلة الصغرى / والوتد المجموع قصيده / وتظن / طلاسم معجمنا اللغوي / قصيدة "

وتدين التجربة الشعرية، في تعاريجها البارزة ، ما يكابده الإنسان المعاصر من فجيعة العجز عن التواصل وضمور الحوار الإنساني إذ لا يصل ( الصوت ) إلى المسامع وإذا وصل، فيزيقياً فإن المسامع لا تستجيب أو تلتقط :

" لكأن من ناداه صوتي

 قد توارى فجأة

 أو ربما

 قد صار عبداً للصمم!"

وتغدو قصيدة " أبتي وأنا الابن الثوري " درة المجموعة، فيما أحسب، حيث تحفل بالحس الدرامي وتبارح رقعة التعبير الغنائي، حيث تشتبك بهذه العلاقة الملتبسة التي تربط الابن بأبيه.ويروعنا أن يقف الأب مباهياً بابنه آناً فيما يسومه عذاب المهانة آناً آخر حين يروم تنشئته على الرجولة الفارعة المبكرة، فتغدو منابت النشأة طافحة بالقسوة، فائضة بالجهامة:

" يفخر بي أبتي

 يتباهى كأمير

 حقق ما لم ينجزه صلاح الدين

 وأمامي

 يلعن أيامي

 ويسب اللبن الساري

 في جوفي

 بل يسأل في غيظ ربي

 عن حتفي

 ومتى سيحين! "

 ويلاحظ هنا الاحتكام إلى التشكيل البصري المعروف بتقنية التجزئة البصرية المقطعية حيث خرجت القصيدة نفثة تتوزع على خمس موجات تستقل كل موجة بشريحة دلالية متمايزة .

وبرغم اتسام الصورة الشعرية إجمالاً، حين ننظر إلى مجمل الصور الشعرية في تدفق طيفي كبير كما يقول ( أولمان )، بسمة القصر والوجازة

وعدم امتداد النفس الكتابي فإنها جاءت، في الأعم، مساوقة للدلالة حافزة لخيوط المعنى بقدر من التواؤم ويبقى الديوان في مجمله خطوة باذجة في المشروع الشعري لعاطف عبد المجيد، وهو المشروع الذي يتزيا مع الثورة المصرية بإهاب جديد يغتبط للخطوة الثورية ، وينزعج من المصير الذي تساق إليه تدريجياً :

" الثورة قامت

 ثم انفضت

 لكن

 واحسرة قلبي

 وا خيبة أملي

 لم تمسح من خارطة الوطن

 سوى

 بضعة أنذال!  "

إنه اليقين بأن دلالة القصيدة لن تكتمل نضجاً واختماراً إلا إذا تكامل المسار الثوري وعاود زهوته الأولى! 

تعليقات