رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

فاضل متولي يكتب: أيتها الأنثى (1)

  • د. شيماء عمارة
  • الجمعة 22 يناير 2021, 11:38 مساءً
  • 984
الأديب فاضل متولي

الأديب فاضل متولي

خاطرتان قبل الحديث:

بينما كنت أهم بكتابة هذه الرسالة إلى المرأة كدت أقع في خطأ وقع فيه كثيرون: ذلك أن من الكتاب من يكتب فلا يذكر عند الكتابة إلا نفسه، يذكر أنه لا بد أن يكون الكلام الذي يصوغه لائقا أن يكون على مستوى قدره وعلى مستوى ما يعرفه الناس عنه من حسن التنميق وبلاغة التعبير ورقي المستوى، وقلة أو ندرة أو لا يوجد من يفكر في القارئ الذي لا بد – عند مطالعته هذا الكلام - أن ينتفع بما قرأ، وهو لا ينتفع بما يقرأ ما لم يفهمه، وأنى له أن يفهم الكلام الذي يفكر كاتبه إما في نفسه وإما في طائفة الكتاب أو النقاد الذين سيقرؤون ما يكتب؟

غير أنني ما كدت أمضي في كتابة السطور الأولى من مقالي حتى توقفت فراجعت، فإذا هو كما أخبرتك: ثقيل على القارئ، عصي على الفهم، فأودعته جانبا، وأعدت كتابته.

على أنني – رغم تخلصي من هذا الفخ- بقي على عاتقي عبء لا أدري كيف أضعه عن كاهلي وأنا أحدث الأنثى: إنني أخشى أن لا أكون كفؤا للحديث إليها؛ فلست أجد في سمتي هذه الرقة التي أكون بها أهلا لكتابة رسالة أهديها – فيما أظن- إليها.

 نعم لا يضع عني هذا الثقل إلا أن تعذرني كل من تقرأ كلامي هذا، وتعبر بذائقتها ما قد يبدو لها من جفاف حديثي إذا كان جافا، وخشونة أسلوبي إذا رأته خشنا، تعبر كل ذلك إلى ما يحتويه من فكر وما يعبر عنه من رأي، وما يحمله لها من حرص عليها ورغبة في خيرها ودفع لشر قد تقع فيه إذا هي لم تأخذ بنصحي.

1-      الاختيار:

 

وأنا أعلم أن كلمة (الخطبة) كلمة ذات رنة عذبة في أذن الأنثى وذات وقع حلو في نفسها، وهذا أمر قد يدفع بكثير منهن إلى التسرع في اختيار الخاطب، أو الاكتفاء بما يظهر من محاسنه، وأحب أن أقول لها إن الأمر قد لا يستقيم لها إذا هي اكتفت بالصفات الحسنة التي يشترك فيها الخاطب مع غيره من الخاطبين.

 لا بد لكل مخطوبة أن تتبين مدى ما بينها وبين خاطبها من التكافؤ؛ إن التكافؤ هو السر الكبير: هو السبب الأول لبقاء الحياة الزوجية، فكلما كان التكافؤ أكبر كان أحرى لبقاء الحياة.

ومسألة التكافؤ هذه مسألة بالغة التعقيد على خلاف ما يظن كثير من الناس: فعندما نقول التكافؤ فقد يقفز إلى التصور أنه التشابه في الفكر والميل والهدف. إلخ..

 

والحق أن الأمر أكثر من ذلك عمقا، وهو لا يعتمد على النظرة العاجلة ولا النظرة المتأنية؛ فالتأني في النظر وإهلاك الوقت فيه أمر نافع وله ثمرات حسنة، ولكنه لن يكون كذلك ما لم يصحبه تعمق في النظر إلى الطرف الآخر وإدراك جيد من الإنسان لنفسه. ولعلي أفلح – ولو لمدى- في بيان معنى العمق والإدراك:

 

عندما نسأل كثيرا من الذين لم يحن الوقت المقدور لخطبته أو زواجه عما يريده في شريك رحلته يجيب ببعض الصفات، ثم إذا ظهر له من يتصف بهذه الصفات يتبين له قبل أن يتبين لغيره أنه كان يريد سمات أخرى غير هذه التي أفصح عن حاجته إليها أو إلى صفات أخرى فوقها، لم يتبين ذلك إلا بعد تجربة، وأكثر ما يبين ذلك المفاضلة بين الزوج وبين غيره، وعندئذ يلوم نفسه على أنه لم يحسن الاختيار، وأنه كان عليه أن يتمهل حتى يجد فرصة أحسن. ولماذا وقع في هذا الاختبار الصعب؟

 

وقع فيه أولا لأنه لا يعرف نفسه جيدا، وقد صاحبت كثيرا من الناس وفتشت في قلوبهم، وكثير منهم كفاني معاناة التفتيش في نفسه فأخرج هو ما فيها إلي، فتبينت أن أكثر الناس لا يعرفون أنفسهم ولا يعرفون ماذا يريدون.

وكم من أنثى جلست إليها وسألتها عمن تريد، وكم من مسؤولة تجيب بجواب ثم إذا كررته أجابت بغيره، ثم بغيره، ويحضر في ذاكرتي حتى كأنهن أمامي الآن من كانت تضيف وتحذف وتذكر لي متناقضات من الصفات التي لا تجتمع أبدا في واحد، كل هذا في مجلس واحد وفي دقائق معدودة.

ووقع فيه أيضا لأن أكثرنا لا يحسن استغلال الخطبة، ولأنه يترك لغيره مهمة التفتيش عن الشخص الذي لن يقارنه هذا الذي يفتش عنه، ولكن سيقارنه أخوه أو أخته أو غيرهما، وعلى ذلك فإن هذا الباحث عن الطرف الآخر المفتش عنه سيحكم عليه بما يوافق مقاييسه فيزكيه أو يجرحه وفقا لما يرى بينما القرين له مقاييس أخرى قد تزكي المجروح وتجرح المزكى.

ووقع فيه لأنه استهلك كل أيام وساعات ودقائق الخطبة في الاستمتاع بصفة الخطيب أو الخطيبة وفي الاستمتاع بما يستطيع الاستمتاع به من نصفه الآخر.

 وبعض الناس يحب حبا مزعوما متوهما تفرضه عليه طرافة التجربة وحلاوة الاقتران في ذاته، ثم يدرك أن هذا الحب لم يكن إلا انبهار العين بلحظات الضوء الأولى.

والويل ثم الويل لمن يقنع بالحب، إذا كانت الموجة ألقت بالقلوب على القلوب فانخدعت الأبصار باللقيا وانخدعت البصائر!

إن الإدراك الذي تتبينه من كلامي هو إدراك الإنسان لنفسه ولكل بعد فيها؛ فإن الإنسان إذا أدرك نفسه أدرك –بالقطع- ما يريد.

 

وأما العمق في النظر: فبعضه يشبه الإدراك: وأعني به الجانب الذي يتعلق بالإدراك الجازم المطابق لنفسه: الجازم الأكيد، والمطابق الذي يوافق الحقيقة.

وجانب من العمق يتعلق بمعنى التكافؤ الذي لم نزل نستكشف معا ما يعني: إن أحدا من هذا العالم، من أبويك من أترابك، من أقرب الناس إليك لا يستطيع أن يحدد من يكافئك، اللهم إلا اثنين أنت أحدهما! ولولا أنني رأيت من الناس من ليس هو أول هذين الشخصين لقلت لك إنك أولهما.

ولكن الشخص الآخر هو شخص غاص في نفسك، وسبر أعماقها، وعرف عنك ما قد لا تعرفه أنت.

 وسواء كنت أعرف بأعماق نفسك من غيرك أو كان هذا الذي قرأك صفحة صفحة وحرفا حرفا، فإن معرفة من يكافئك لن تخرج عن هذين الشخصين.

وقد أخبرتك عن المعنى الخاطئ للكفاءة، وأما المعنى الصحيح فهو من يناسبك لا من حيث التشابه ولكن من حيث الإشباع النفسي والعقلي.

لقد رأيت من الناس الخليع الذي اختار لنفسه من يقارنه من أكثر الناس استقامة، ورأيته بعد زواجه يكثر من الثناء على رفيقه ويكثر الكلام عن سعادته بزواجه، ورأيت من الناس من كان في تدينه كثير من التشدد حتى إذا سألته عن الصاحبة النموذجية وصف لك من دينها وخلقها وزيها ما يمكنك أن تتوقعه دون أن تسأل، ثم رأيته يقع في غرام من تخالف في سمتها كثيرا مما وصف لك.

وقد حدثني واحد من أكثر من عرفت خلاعة وعبثا فقال لي: إن أحب الناس إلي هو أبعد الناس عن صفتي وأكثر الناس مضادة لي. وأذكر أنني سألت أحد اليساريين: لا بد أنك تبحث عن زوج لك من طائفتك؟ فقال لي: لا يمكن أن أتزوج يسارية أبدا.

ورأيت يوما صديقا لي –وهو شاعر معروف في أيامنا هذه- يطوف بالجامعة مع فتاة قال لي إنه يحبها، فلما مكثت معهما زمنا تبينت أنها كاتبة قصة، فحذرته من الزواج منها وشددت عليه في التحذير، فاستهزأ بقولي وأغلظ لي في القول على نحو ما يستهزئ ويغلظ الأحبة بعضهم مع بعض، ثم لما لقيته بعد ذلك بكثير أو بقليل رأيته وحده، ورأيته يذم عهده معها ويتنكر له.

إن مما يقع فيه الناس من الخطأ أنهم يتناولون قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "خير متاع المسلم المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وفي ماله" على أنه كل ما قال في حيثيات الاختيار؛ ذلك أن كثيرا من الناس لا يدركون أن من منهج الإسلام في تلقين العظات أنه لا يجمعها في نص واحد، ولو تتبعوا هذه الحيثيات في النصوص الشرعية لوجدوا غير هذا الكثير.

 

وكما يخطئ الرجال في قصر شروطه على قليل من الصفات؛ لا قناعة ولا رضا، ولكن لأنه لم يقرأ سريرة نفسه كما ينبغي أن يقرأها، كذلك تخطئ الفتاة في اختيار الرجل الذي ينتظر أن يكون رفيق العمر.

ومجموع كل ذلك يعلمنا طريقة مثلى نتكئ عليها حين نريد الاختيار: ولأن الكاتب يحب أن يدس أنفه خصوصا في حديثه سواء كان ما ينقل خيرا مما يسوق الكاتب نفسه أو مساويا أو أقل مما يقول فإنني أضع قياسا يصلح لاختيار من أحب الاختيار:

لا بد أن تنظر إلى نفسك وتقرأها جيدا وتستخرج منها جواب هذه الأسئلة: ما الذي تراه في قلبك أرجح كفة: الدين، الرأي، العاطفة، المادة؟ ما الرغبات التي أنت أحرص على إرضائها وحين ترضيها تنسى ما عداها من الرغبات؟ الجسد، الروح، العقل؟ من هم الأشخاص الذين كنت تركن إليهم وتفضل صحبتهم: من يساوونك، من يفوقونك، من هم دونك؟ وعند تأمل هذا السؤال لا بد أن تتأمل كل صفة فيك وتلتمس من ترضيك صحبته من الناس من حيث الشبه والفرق بينه وبينك.

ثم سل نفسك: من هم الذين كنت تحبهم أكثر: الذين يطابقونك في الصفات أم الذين يباينونك فيها، أم الذين يطابقونك في أشياء ويباينونك في أشياء؟ وإذا علمت أن كل إنسان هو عقل وقلب وجسد فسل نفسك: من أي هذه يستطيع إنسان أن يمر إلى أيها: هل من عقلك إلى جسدك وقلبك، أم من قلبك إلى جسدك وعقلك، أم من جسدك إلى عقلك وقلبك؟ هل تفضل من تكون له سيدا ويكون لك أسيرا أم من يكون لك سيدا وتكون له أسيراأم تريدهما معا؟ هل تعبر عن شعورك وخواطرك ورغباتك بالكلام أن بالإشارة؟ وهل تفضل من يعبر عن كل ذلك بالكلام أم بالإشارة؟ هل تفضل أن تعطي على أن تأخذ أم أن تأخذ على أن تعطي؟ إلى أي حد تستطيع أن تتلاءم مع مواقف لم تتوقعها ولا تحبها؟

 

وإذا كان كل واحد منا يحتاج إلى تدقيق النظر في كل ما ذكرت حتى يبلغ أحسن ما يمكن من اختيار أو قريبا منه، فأحوج ما يكون إلى ذلك عند اختيار الزوج، وأحوج الناس إلى ذلك هي الأنثى؛ لن تكون خسارة من يخفق في اختيار أي شريك غير الزوج فادحة فداحة من يخسر في اختيار زوج، ولن تكون فداحة الخسارة للرجل كفداحة الخسارة للأنثى.

وإذا ساءك مني هذه الشدة في التدقيق وتحديد الدوائر التي من خلالها تنظر في شأن من تختار فالوقت الذي يمضي بين الخطيبين كفيل بالنظر وإعادة النظر وإعادة النظر.

تعليقات