"ربما في المستقبل نعرف كيف ظهر الكون".. هيثم طلعت يكشف عن أكبر مغالطة يقع فيها الملحد
- الإثنين 25 نوفمبر 2024
الأحداث التي وقعت في كابيتول
بعد الأحداث التي وقعت في كابيتول (مبنى البرلمان) بالولايات المتحدة الأسبوع الماضي، وضَحَ لكثير من المتابعين الخطر المحدق الذي يمكن أن يشكله متطرفو حركات اليمين، وأصبح من الواضح أن العنف الذي يمكن أن تمارسه تلك الحركات لا حدود له؛ فهل هناك ثمة شك في هذا بعد اجتراء هؤلاء على اقتحام معقل مهم من معاقل الديمقراطية في العالم؟!
ويزداد هذا الخوف مع إحساس الكثير من المتابعين بأن قوات إنفاذ القانون والسلطات المعنية غير مدركة لطبيعة هذه الحركات، ومتهاونة في تقدير الخطر الذي يشكلونه.
فالأنباء
المتواردة تفيد أن شرطة الكابيتول الأمريكي استهانت بخطر هؤلاء المتطرفين في
السادس من يناير، على الرغم من التحذيرات المتكررة الواردة من عدد من الوكالات
الأخرى، قبل وقوع الأحداث.
ولعل آخر تلك التحذيرات صدر عن وزارة الأمن
الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر العام الماضي ضمن إحدى مشروعات
أو مسودات الوثائق التي تصدر عن الوزارة.
وذكرت تلك الوثائق أن المتطرفين الذين يؤمنون
بتفوق العرق الأبيض سيظلون يشكلون "التهديد القاتل المستمر" في الولايات
المتحدة خلال عام 2021.
وفي خضم تلك
الأحداث، يهتم كثير من الخبراء والمحللين بفهم ظاهرة اليمين المتطرف وتصنيف
الحركات التابعة له؛ للوقوف على مكامن الخطر الحقيقي لتلك الحركات، ومن ثمّ تقديم
حلول لها وتفادي المخاطر المميتة التي يشكلونها.
وقد أخذ مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف على
عاتقه منذ افتتاحه فضح تلك الحركات ومتابعتها، وإلقاء الضوء على جرائمها التي لا
تقل خطورة بأيّة حال عن جرائم الجماعات الإرهابية المنسوبة زورًا للإسلام.
وبلغ من حرص المرصد على متابعة هذه الظاهرة
الخطيرة أن عكف على إخراج دراسة كاملة عن هذه الحركات اليمينية المتطرفة في كثير
من دول العالم، معتمدًا على متابعاته الحثيثة للأخبار المنشورة في الصحف العالمية،
وتقارير أجهزة الأمن عبر مواقعها الرسمية على شبكة الإنترنت، ودراسات بعض المراكز
المتخصصة بمكافحة التطرّف في مختلف دول العالم، إضافة إلى بعض الكتب الصادرة
حديثًا في هذا المجال، وبعض التقارير والمقالات التي أصدرها المرصد.
وفي هذا التقرير
المختصر، نحاول تقديم تلميحات سريعة وعامة في ضوء ما كتبه البروفيسور
"ألكساندر هينتون"، مدير مركز دراسات الإبادة الجماعية وحقوق الإنسان
وأستاذ في أقسام الأنثروبولوجيا والشؤون العالمية في جامعة روتجرز بنيوارك عن هذه
الظاهرة.
فهناك 5 تصورات خاطئة تهجم على العقل بمجرد
التفكير في المتطرفين الذين ينتمون إلى حركات اليمين، وهذه الأخطاء، فيما يرى
"هينتون"، تطمس أو تحجب الخطر الحقيقي لهؤلاء المتطرفين؛ وهي على النحو
التالي:
ليس كل متطرفي
حركات اليمين من جماعات تفوق العرق الأبيض، فمنهم من لا يؤمن بهذه النظرية من
الأساس.
على الرغم من أن نظرية "تفوق العرق الأبيض" تُعدُّ سمةً
غالبة في كثير من المنتمين لليمين المتطرف مثل جماعة "كو كلوكس كلان"،
وجماعة "النازيين الجدد"، ولكنهم يشتركون جميعًا في الحضِّ على الكراهية
وممارسة العنف، في حين أن البعض الآخر من هذه الحركات يخلط بين العنصرية وغيرها
بطريقة أقل ضراوة وعدوانية.
وهناك صنفٌ ثالث يُطلق عليهم "اليمينيون
الجدد" كجماعة "Proud Boys" وهؤلاء أقل عنفًا، ولا يتبنون نظرية
تفوق العرق الأبيض، ولكنهم يمجدون البيض والحضارة البيضاء، ويحتقرون غير البيض بما
فيهم المسلمون والمهاجرون.
ويظل الصنف
الأخطر من بين هذه الحركات المتطرفين، الذي يركزون على معارضة الحكومة بشكل أكبر
من تركيزهم على الاختلافات العرقية ويمكن أن يُطلق على هؤلاء اسم "الحركات
الوطنية".
وتضمُّ تلك
الحركات ميليشيات دائمة الاعتراض على إجراءات الحكومة مثل الضرائب وهؤلاء مسلحون
بأسلحة ثقيلة، والبعض منهم ذو خلفيات عسكرية، ومن هؤلاء حركة Boogaloos (حركة يمينة متطرفة في الولايات المتحدة).
اليمينيون
المتطرفون موجودون في كل مكان، ويعيشون في المدن والقرى وفي جميع أنحاء العالم
متطرفو اليمين
موجودون في المجتمعات الأمريكية على اختلاف طوائفهم وأصنافهم، لكن وجودهم لا يقتصر
على أمريكا فقط، بل هي حركات عالمية لها حضور في شتى بقاع العالم.
ولا أدل على ذلك
من أن مذبحة النرويج في 2011، وهجوم مسجدي كرايستشرش في نيوزيلندا 2019 وقد نفَّذهما
منتمون لليمين المتطرف.
ولهذا دعت منظمة
الأمم المتحدة إلى إصدار تحذير عالمي من زيادة الخطر الانتقالي لتطرف حركات اليمين
مؤخرًا.
تتميز حركات
اليمين المتطرف بأنها حركات منظمة ومثقفة وبارعة في استخدام مواقع التواصل
الاجتماعي.
تضمُّ حركات
اليمين المتطرف كُتّابًا ورياضيين، والكثير منهم يحملون درجات علمية وأكاديمية
عالية.
فعلى سبيل المثال، في عام 1978 انضم بروفيسور
كبير في الفيزياء إلى "النازيين الجدد" وألَّف كتابًا أُطلق عليه
"إنجيل اليمين العنصري." وبعض قادة اليمين المتطرف حصلوا على درجاتهم
الأكاديمية من جامعات مرموقة.
علاوة على أن
متطرفي حركات اليمين يستخدمون الإنترنت منذ بداية ظهوره، وهم الآن بارعون وناشطون
جدًّا في استخدام منصات التواصل الاجتماعي التي يستخدمونها في التحريض والتجنيد
والتنظيم. وقد كَشفت العديد من الفعاليات التي أطلقوها عن مدى براعتهم وتفوقهم في
استخدام تلك المنصات في حشد تابعيهم. وقد حاولت العديد من المنصات مثل: فيس بوك،
وتويتر منعهم والسيطرة عليهم مؤخرًا، إلا أن قدرتهم على المراوغة وإنشاء صفحات
ومجموعات جديدة أعاقت فرصة تلك المنصات في النجاح.
يربط البعض بين
صعود متطرفي حركات اليمين وبين وجود نظام سياسي معين سواء في الولايات المتحدة أو
غيرها، مرجعين ذلك إلى أعداد جرائم الكراهية واستهداف المسلمين؛ لكن الحقيقة تقضي
بأن تلك الحركات كانت موجودة قبل تلك النظم، وسوف تظل تشكل خطرًا بعد انتهاء
ولايته.
يميل متطرفو
حركات اليمين لتنفيذ هجماتهم بأسلوب "الذئاب المنفردة" كما حدث في تفجير
مدينة أوكلاهوما 1995، وإطلاق النار في كنيسة تشارلستون 2015، وحادثة إطلاق نار
كنيس بيتسبورغ 2018. ولكنَّ منفذي هذه الهجمات وغيرها لم يكونوا أبدًا منفردين،
فهم جزء من مجتمعات متطرفة أكبر، تتواصل أفرادها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتبث
المواد التي تشيع فيها نبرة الخوف من أن يصبح غير البيض في يوم من الأيام أكثر
عددًا من البيض في الولايات المتحدة وفي غيرها من الدول، وينشرون فيما بينهم أن
هناك مخططًا لتدمير العرق الأبيض، وهم بذلك، يتجهزون لحرب ستكون بين البيض وغير
البيض.
وأخيرًا فإنَّ
التفكير في هؤلاء المتطرفين بالطريقة المعتادة، والنَّظر إليهم على أنهم أشخاص
معدودون يتحركون بشكل منفرد، ويتصرفون من تلقاء أنفسهم - يفتقد إلى الواقعية،
ويستهين بالخطر الذي تشكله شبكاتهم، والنظام المعقد الذي يسيرون بتوجيهاته، ومن
ثمَّ التهديد الذي يمثلونه على العامة.
وقد استيقظ العالم أكثر من مرة على مذبحة مروعة،
وحدث جلل من صنيعهم، ولم يبق له إلا أن ينظر إليهم النظرة الواقعية، وأن يأخذ
خطرهم على محمل الجد.
وعلاوةً على ذلك، فإن تقاعس الإعلام الغربي وجهات إنفاذ القانون عن الكشف عن جوانب هذه الظاهرة والتنصل من وصمهم بالتطرف والإرهاب - لا يساعد في حل المشكلة بل تفاقمها، فما إنْ تعلم وسائل الإعلام بحادثٍ مروّع ارتكبه يميني متطرف إلا وتستجلب له صفاتٍ كثيرة غير أن يكون إرهابيًّا أو مجرمًا: فتصفه بأنَّه إمَّا مريض عقلي، أو يعاني من مشكلة مّا أدت إلى تبنيّه لتلك الآراء والتصرفات العنيفة.