الشاعر عبد الرحمن الطويل يكتب: حسن الخواتيم

  • د. شيماء عمارة
  • الأربعاء 20 يناير 2021, 11:53 صباحا
  • 1023
الشاعر عبدالرحمن الطويل

الشاعر عبدالرحمن الطويل

لم يأسرني من تلاوة ولا أغنية ولا قصيدة ولا خاطرة ولا قصة شيء كحُسن ختامها، ولم يُزهدني فيها بعد الرغبة شيء كسوء ختامها، ولم يُشوِّقني إلى لقاء أحد شيء كحفاوته بي في وداعه السابق، ولا يترك قلبي معلقا بمحادثة إنسان كأن تكون رسائله الأخيرة أشدها حميميةً ودفئًا، ولا صبرتُ على شيء أجد منه الكلال والملال إلا إذا تيقنتُ جمال آخره، ولم يحمد الناس طريقا إلا التي وجدوا عاقبتها حسنة.

الأخير دائما هو ما يبقى، هو ما يعيش في النفس بعد انقضائه، هو الذكرى التي تستدعى على طول البُعد فيهشُّ لها القلب ويفتح ذراعيه، هو خلاصة التجربة التي تقول أصبنا أم أخطأنا، هو الربح أو الخسارة.

لما قال الأقدمون: "لا تأخذ العلم إلا عن من قد مات فإن الحي لا يؤمن تغيره" كانوا يبحثون عن حسن الختام، ولما قال العوام: "ما محبة إلا بعد عداوة" رغم أنه ليس شرطا لازما كانوا ينشدون حسن الختام، ولما قال بيرم بلسان ثومة: "بيجرح قد ما يجرح ويعطف تاني ويداوي" فلأنه لا خير في من لا يداوي بعد أن يجرح ولا تَحسنُ خواتيم أفعاله، فكان حسن ختام الخطأ الاعتذار، وحسن ختام الهجر الوصال، وحسن ختام القطيعة السؤال، وحسن ختام الصمت الكلام، وحسن ختام الكلام أبلغه وأعلقه بالقلوب.

وفي الأزل جعل الله حسن الختام مقام النبوة فقال مبشرا حبيبه: "وللآخرة خير لك من الأولى. ولسوف يعطيك ربك فترضى" قالها له وهو في ليل تجارب البدايات، قبل أن تشتد عليه ويناجيه: "إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملّكته أمري" لكن حسن الختام كان قد ثبت له في اللوح المحفوظ، في باب "سبقت كلمتُنا".

 

وجعلها بشارة لمن يخنقهم البلاء في مدارجهم الأولى، أن قرَّبتكم إلى باب من أبواب مقام النبوة. لعلها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة هي الأخرى، وفهمها ابن عطاء الله قاعدة للحياة: "من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة".

 

وعلى هوان الدنيا على الله فقد ضمن لها حسن الختام فقال: "كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"، وجعل حُسن ختام الآخرة ألا ختام لحُسنها.

اللهم في كل شيءٍ حُسنَ الخواتيم.

تعليقات