رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

عاطف محمد عبد المجيد يكتب: فلسطين..إهمالٌ سياسيٌّ وإنْسانيٌّ

  • أحمد عبد الله
  • الأربعاء 20 يناير 2021, 04:58 صباحا
  • 556


لا أذكر متى قرأت أول كتاب كوميكس في حياتي، ولكني أذكر تمامًا إلى أي حد شعرت بالتحرر والتمرد نتيجة قراءتي له.كل مزايا الكتاب المُغوي بصوره الملونة وعلى الأخص تصميمه الفوضوي غير المهندم، والبذخ الصاخب والمفعم بالألوان لصوره، والانتقال الطليق ما بين ما تفكر به الشخصيات وما تقوله، والشخصيات العجائبية ومغامراتها المدهشة مكتوبة ومرسومة: كل هذا معًا يكافيء إثارة هائلة الروعة، مغايرة تمامًا لكل ما عرفته أو خبرته حتى تلك الحظة.هذا ما يقوله المفكر الراحل إدوارد سعيد في تقديمه لكتاب (فلسطين) لمؤلفه چو ساكو والذي أنجز محمد عبد النبي ترجمته إلى العربية، وصدر منذ سنوات.                       

عن كتب الكوميكس يقول سعيد إنها تُعد ظاهرة عالمية مرتبطة بفترة المراهقة، ويبدو أنها توجد في جميع اللغات والثقافات من الشرق إلى الغرب.

ومن ناحية موضوعاتها فهي تتنوع في طيف واسع ما بين الملهم والخيالي والعاطفي والساذج، وجميعها مع ذلك من السهل قراءته وتداوله وتخزينه والتخلي عنه أيضًا.ويستطرد سعيد فيضيف أن الكثير من كتب الكوميكس على غرار آستريكس وتان تان هي سلسلة مغامرات لا تنقطع بالنسبة للنشء الذي يقرأها في إخلاص شهرًا بعد شهر.وعلاوة على هذا، والقول لسعيد، تقدم كتب الكوميكس للمرء مقاربة واضحة ومباشرة (المزج ما بين الكلمات والصور على نحو جذاب ومضخّم بالمعنى الحرفي) مقاربة بدت صادقة صدقًا منيعًا من ناحية، ومن ناحية أخرى قريبة وحميمة بقدر مدهش ومقتحمة ومؤثرة كذلك.

وهو يقارن بين أفلام الكرتون ورسوم الكاريكاتير وبين كتب الكوميكس يقول سعيد: لقد شعرت أن كتب الكوميكس حررتني بحيث أفكر وأتخيل وأرى بطريقة مختلفة تمامًا.ويقر سعيد بأن ما يميز چو ساكو كمصور للحياة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو أن اهتمامه الحقيقي ينصب على ضحايا التاريخ.وكذلك يقر بأن كتب الكوميكس تنتهي كلها تقريبًا بانتصار شخص ما، انتصار الخير على الشر أو كيف يمحو العدلُ الظلمَ، أو حتى تنتهي بزواج العاشقين.                                                                       

يتم التخلص من الأشرار على يد السوبرمان ولا نعود نراهم أو نسمع عنهم.                   

يحبط طرزان مخططات الرجال البيض الأشرار ويشحنهم خارج أفريقيا مذلولين، ولكن فلسطين ساكو لا تمضي على هذا النمط بالمرة.إن الناس الذين يعيش بينهم هم خاسرو التاريخ، هم المبعدون إلى الهوامش حيث يبدون كأنهم يضيعون الوقت في يأس، بدون كثير من الأمل أو التنظيم، عدا رغبتهم في البقاء التي لا تتزحزح، رغبتهم المضمرة غالبًا في المواصلة ومقاومة مخططات التخلص منهم. بذكاء وفطنة يبدو ساكو شكاكًا حيال القتال، وخصوصًا ذلك النوع الجماعي الذي ينفجر بالشعارات والتلويح بالرايات اللفظية. كما أنه لا يحاول أن يقدم حلولاً من النوع المثير للسخرية لعملية سلام أوسلو.غير أن رسومه تزود قرَّاءه بإقامة طويلة بما فيه الكفاية بين شعب تم إهمال معاناته ومصيره غير العادل لوقت أطول من اللازم وبقدر أقل من اللازم من الاهتمام السياسي والإنساني.هذا ويكمل سعيد قائلاً إن فن چو ساكو لديه القدرة على أسرنا، وإبعادنا عن الشرود بنفاد صبر بحثًا عن عبارة لافتة أو حكاية متوقعة بصورة تعيسة عن الانتصار والتحقق.                                                           

ولعل هذا أعظم إنجازاته. أما چو ساكو مؤلف الكتاب فقد ولد في مالطا في العام 1960 وتخصص في الصحافة وقد نذر لكتابه (فلسطين) الفترة التي قضاها في الأراضي المحتلة، وقد فاز هذا الكتاب بجائزة الكتاب الأمريكي في العام 1996.يقول ساكو في مقدمته للكتاب: في مجلد واحد وللمرة الأولى يجمع هذا الكتاب الإصدارات التسعة التي صدرت عن سلسلة كوميكس بعنوان فلسطين. لقد كتبت ورسمت فلسطين بعد أن أمضيت شهرين في الأراضي المحتلة في شتاء 1991 – 1992. ويضيف ساكو أن هذا الكتاب يدور حول الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي التي كانت قد بدأت تفقد زخمها أثناء وقت زيارته لفلسطين.وبينما يكتب هذه الكلمات فإن انتفاضة ثانية تحدث، باختصار لأن الاحتلال الإسرائيلي لم يتوقف كما لم تتوقف جميع التبعات الناجمة عن تسلط شعب على شعب آخر.ويؤكد ساكو فيقول: سوف يواصل الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي قتل بعضهما البعض في صراع رخيص أو مع عنف مدمر – سواء في عمليات تفجير انتحارية أو طائرات مقاتلة أو الطائرات العسكرية قاذفات القنابل – إلى أن يتم التعامل مع هذه الحقيقة المركزية – وهي الاحتلال الإسرائيلي – كقضية قانون دولي وحقوق إنسان أساسية.

تعليقات