حقائق الإيمان وأوهام الإلحاد.. ندوة في كلية أصول الدين بالقاهرة (سجل الآن)
- السبت 23 نوفمبر 2024
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه
أما بعد ..
فمع
بدايات الطلب؛ كنت أتوقف مع ما يروى عن الأئمة النقاد من حفظهم مئات الآلاف من
الأحاديث، وأتعجب أنه لم يصل هذا العدد لنا، لكن ذهب عجبي لما عرفت أن الأقدمين
يطلقون العدد من الأحاديث على الحديث الواحد المروي بعدة أسانيد.
وقد
قال البخاري: أحفظ
مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح، وجاء عن الإمام إسحاق بن راهويه قال: أعرف بكتابي مائة ألف
حديث كأني أنظر إليها وأحفظ منها سبعين ألف حديث من ظهر قلبي صحيحة، وقال أبو زرعة
أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان {قل هو الله أحد} وقال مالك بن أنس: كتبت بيدي مائة ألف حديث،
وذكر عن أحمد بن حنبل أنه كتب ألف ألف حديث [أي كتب مليوناً] أسقط منها ثلاثمائة ألف
حديث وخرج مسنده من سبعمائة ألف حديث. [النكت على مقدمة ابن
الصلاح (1/181)].
فهذه
كلها باعتبار الطرق، ومعنى ذلك أن لو الشيخ حدث عشرة من تلاميذه بحديث، وكل واحد
منهم حدث عشرة آخرين، فالحديث الواحد يصير له بذلك مئة طريق وهكذا. وقد قال أبو زرعة الرازي: توفي النبي صلى الله عليه
وسلم، ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، وكل قد روى عنه
سماعا أو رواية فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير. اهـ.
أما
عدد الأحاديث بدون الطرق، فهو دون ذلك، فعن الإمام يحيى بن سعيد القطان وقد سئل عن
ذلك، فقال: حصل
أصحابنا ذلك وهو ثمانية آلاف حديث، وعن الإمام إسحاق بن راهويه يقول سألت
جماعة من أهل البصرة، يعني عن عدد المسند من الأحاديث، فقالوا: سبعة آلاف ونيف، وعن غندر سألت
شعبة عن هذا فقال جملة المسند أربعة آلاف ونيف، وقال سفيان الثوري: ستة آلاف أو خمسة، وذكر عن جماعة من
الأئمة القدماء قريبا من ذلك وأكثر ما قيل ثمانية آلاف. ولذا نجد أن الإمام
النووي قال في التقريب: والصواب أنه لم يفت
الأصول الخمسة إلا اليسير أعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي انتهى.
والظاهر
أنه لا تعارض أيضاً بين هذه كلها، فإن عادة المحدثين أنه إذا جاءت رواية عن أكثر
من صحابي، كأن يرويها ابن عمر ويرويها أبو هريرة أيضاً، فإنهم يعدوها حديثين،
وهكذا.
ومن
نقل عنه من الأئمة أن العدد دون ذلك فمحمول على أصول الأحكام، كما جاء عن
ابن المبارك أنه قال السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو تسعمائة حديث،
وقال الشافعي: أصول
الأحكام نيف وخمسمائة حديث كلها عن مالك إلا ثلاثين حديثا وكلها عند ابن
عيينة إلا ستة أحاديث.
وأما ما قاله الفقيه نجم الدين القمولي: إن مجموع ما صح من الحديث أربعة عشر ألف حديث فحملوه على الأسانيد مع آثار الصحابة والتابعين وغيرهم فسمى الجميع حديثا وقد كان السلف يطلقون الحديث على ذلك كله. [النكت على مقدمة ابن الصلاح (1/184 ومابعدها)].
وأما
قول الحافظ أبي عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم (ت344هـ):
"قل ما يفوت البخاري
ومسلماً من الأحاديث الصحيحة. فهذا قد يكون به ثمة
إشكال، لأنه لو قاله غير محدث لقلنا لعله قد أخطأ، لكن مادام الذي قاله هو الحافظ
محمد بن يعقوب بن الأخرم، فلابد من توجيهه، ولاسيما أن الأخرم مشهود له بالتقدم،
فقد قال الحاكم في ترجمة الأخرم أنه: "صدر أهل بلدنا بعد أبي
حامد بن الشرقي؛ وصنف كتابا على كتابي الصحيحين البخاري ومسلم، وصنف المسند الكبير
وكان أبو بكر بن خزيمة يرجع إلى فهمه" اهـ. وكان صدر أهل الحديث
بنيسابور قال عبد الغافر الفارسي هو الفاضل ابن الفاضل في الحفظ والفهم صنف على
الكتابين البخاري ومسلم وكان ابن خزيمة يراجعه في مهمة، (ت 344هـ)، [التقييد لمعرفة رواة
السنن والمسانيد (1/125)، النكت على مقدمة ابن الصلاح (1/184)].
أقول: فحافظ مثل هذا لا يغيب
عنه أن الصحيحين لم يستوعبا الحديث الصحيح، بل قد رُوي عن البخاري أنه قال: ما وضعت في كتابي الجامع
إلا ما صح، وتركت من الصحاح مخافة الطول، وقال مسلم في صحيحه: ليس كل شيء عندي صحيح
وضعته هنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه، [تدريب الراوي (1/98)]
فهذا يشير إلى أنهما تركا
الكثير من الصحيح، فالظاهر عندي أن الحافظ الأخرم أراد أنه لم يفت الصحيحين
من الأحاديث الكثير مما كان على شرطهما، وليس مراده مطلق الأحاديث الصحيحة. ووجدت الإمام ابن كثير في
اختصار علوم الحديث قال ما قد يفهم منه هذا، فقد قال:
"وقد ناقشه ابن الصلاح في
ذلك، فإن الحاكم قد استدرك عليهما أحاديث كثيرة وإن كان في بعضها مقال، إلا أنه
يصفو له شيء كثير. قلت: في هذا نظر، فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما، لضعف رواتها عندهما،
أو لتعليلهما ذلك والله أعلم. [الباعث الحثيث في اختصار
علوم الحديث (1/2)].
وعليه
فقد نتساءل إذا لم تستوعب الكتب الستة الصحيح من السنة فأين يمكن نجدها مجموعة؟
وللجواب عن ذلك فنقول: قد صنف العلماء التصانيف في جمع الأحاديث، لكن مما لا شك فيه أن
الصحيحين ثم الكتب الستة فيهما جل ما يحتاجه المسلم في دينه، وما
يحتاجه المجتمع المسلم كذلك، فإن ما عداها من الأحاديث الصحيحة لا يتوقف عليها عبادة عينية خاصة، ولما قام عدد من العلماء بجمع
الأحاديث، كالسيوطي في الجامع الكبير؛ لم نجد في الصحيح منها ما يتوقف عليه عبادة عينية
ليست في الأمهات الست، بل ويظهر هذا أيضاً من الجوامع المعاصرة، مثل كتاب: (جمع الفوائد من جامع
الأصول ومجمع الزوائد) لمحمد بن سليمان المغربي، ففي هذا الكتاب جمع محتوى (15) كتاباً حديثياً، ولم يفته
من الصحيح إلا النزر اليسير جداً، وقد حققه الشيخ سليمان بن دريع، وذكر في الحاشية
درجة أكثر الأحاديث حسب أحكام الشيخ الألباني، حيث الكتاب لم يقتصر على الصحيح.
ومن
الكتب الحديثة المفيدة في جمع الأحاديث الصحيحة: (موسوعة الأحاديث الصحيحة)، بإشراف الشيخ العناني،
جمع فيها الأحاديث من نحو ربع مليون نص حديثي، من قريب مئة كتاب، وإجمالي عدد
الأحاديث فيه نحو عشرة آلاف حديث، والصحيح المرفوع منها نحو ثمانية آلاف حديث. وجل ما نجده بالموسوعة
مما زاد عن الأمهات الست لا تتوقف عليه عبادة عينية كما تقدم.
وفي
كتاب معالم السنة النبوية؛ الذي انتخب المؤلف أحاديثه من أكثر من مئة ألف حديث؛
وجد الصحيح منها (3921) حديثاً بعد أن حذف المكررات، ووجد نحو نصفها من
الصحيحين، ووجد نحو (94%) منها إنما هو من الكتب التسعة، (وهي الكتب الستة والموطأ
ومسند أحمد سنن الدارمي)، وإن كان الحديث مروياً من طرق فإنه يختار
الرواية الأجمع في المتن، وهو إجمالاً يتوافق مع ما ذكره بعض العلماء أن متون
الأحاديث نحو أربعة آلاف حديث.
وبالتالي
فمن يريد الاطلاع على السنة مجملة فليقرأ هذا الكتاب.
وأيضاً
فمعرفة حديث صحيح، يمكن الآن بالبحث عنه الكترونياً؛ فثمة عدد من الموسوعات
الإلكترونية تقرب الأمور هذه الآن، منها الباحث الحديثي في الموسوعة الحديثية
بالدرر السنية، والمكتبات الإلكترونية كالمكتبة الشاملة، وعود على بدء؛ فما
بالأمهات الست من الأحاديث هو كاف للمسلم والمجتمع الآن كما كان كافياً فيما خلا
من القرون، وبالله التوفيق.
وأحب
أختم بفائدة حديثية أخرى، وهي أن ما ذكر من عدد أحاديث يرويها صحابي، فهي باعتبار
الشواهد، وليس العدد قاصراً على ما انفرد به، ومن هذا الباب عدد ما جاء عن أبي
هريرة رضي الله عنه، فقد ذكر بقي بن مخلد أنه روى خمسة آلاف حديث وثلاث مئة وأربعة
وسبعين حديثا، وله في البخاري أربع مئة وستة وأربعون حديثاً، وعمَّر بعد النبي
عليه السلام نحوا من خمسين سنة وكانت وفاته سنة تسع وخمسين، [توجيه النظر إلى أصول
الأثر (1/58)]،
وفي مسند أحمد عدد ألفي رواية عن أبي هريرة، فيكون ما بمسند بقي بن مخلد إنما هو
بكثرة الطرق، ثم بعد ذلك؛ إذا أردنا أن نعرف ما تفرد أبو هريرة بروايته عن باقي
الصحابة، وحذفنا منها ما اشترك مع غيره في روايته، فهي دون ذلك الرقم بكثير جداً،
وقد قام الشيخ محمد ضياء الرحمن الأعظمي بعد هذه الأفراد، فبلغت مائتين وعشرين
حديثاً، وبعضها مما ثمة نظر في تضعيفه أيضاً، فقد يصفو العدد إلى ما يزيد قليلاً
عن المائة، كما تجده في موقع (جامع الكتب الإسلامية).
والله
أعلم وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أ.د. خالد فوزي عبد الحميد حمزة
المدرس سابقاً بدار الحديث
والمتعاون مع كلية الحرم بالحرم المكي، وجامعة أم القرى ـ سابقاً