نسف الإلحاد.. بالقرآن الكريم

  • جداريات Ahmed
  • الإثنين 29 يوليو 2019, 1:06 مساءً
  • 2070
نسف الإلحاد

نسف الإلحاد

الكثير من الناس يفضل عند الدخول في حوار أو مناقشة أو مناظرة مع ملحد، أن لا يستخدم القرآن الكريم خلال الحديث، وهذه القناعة قد يبلغ عمرها قرون طويلة من الزمن حيث يعتقد البعض أن القرآن الكريم حجة  على المؤمنين به فقط، وليس فيه حجة على من لا يؤمن به، وأنّه ينبغي أولا إثبات وجود الله وأن القرآن وحي من عنده بأدلة عقلية وعلمية خارجية، وهذا ما أكده الباحث شريف محمد جابر في بحث له تحت عنوان "القرآن في مواجهة الإلحاد " أثبت أن هذه القناعة خاطئة مشددا على ضرورة  مراجعتها مما ينبغي مراجعته من تراثنا الكلامي والعقائدي، فالقرآن فيه هدى وبيّنات لكل الناس، وليس للمسلمين فحسب، قال تعالى :

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185). وقد كان الرسول يواجه بالقرآن قومًا لا يؤمنون به ولا بالبعث ولا بالتوحيد، قال سبحانه: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} (الفرقان: 52) أي بالقرآن .


وكشف الباحث أن بالقرآن  الكريم فنّد أبرز شبهات الإلحاد المعاصر، التي يعتقد كثير من الملاحدة بأنه لم يسبقهم إليها أحد. والشبهة التي سنناقشها من خلال آيات الكتاب هي قولهم
لماذا لا يَظهر الله للناس أو يُظهر لهم أدلّة حسية خارقة واضحة ليؤمنوا؟ ولماذا خلق الله كلّ هذه «العقبات» في طريق الوصول للهداية والإيمان؛ كالشيطان والهوى والشهوات؟

ويوضح الباحث أن  في سورة الإسراء نموذج رائع يوضح منهجية القرآن في التعامل مع من يكفر بالله، وهو نموذج ينطبق على الإنسان في كل عصر، ويصلح لتفنيد بعض الشبهات المعاصرة التي يطرحها الملحدون اليوم، ولتوضيح حقائق إيمانية ينبغي أن ينتبه إليها الدعاة، وتحديدًا أولئك الذين تولّوا مهمة مناقشة ظاهرة الإلحاد .

يبدأ النموذج بهذه الآية من سورة الإسراء: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا} (الإسراء: 89)

سورة الإسراء نموذج رائع يوضح منهجية القرآن في التعامل مع من يكفر بالله ويصلح لتفنيد بعض الشبهات المعاصرة التي يطرحها الملحدون اليوم ، لافتا إلى هذه الأية تؤسس لحقيقة أساسية يجب الانتباه إليها، وهي أن هذا القرآن يحوي من البراهين ما يكفي لمخاطبة الجاحدين بالله عز وجل ومن يرفضون اتباع دينه .

ومهما طرحنا من أمثلة معاصرة للملحدين أو الرافضين للإسلام، فهي تعود بجذورها إلى «نماذج الحجاج» القرآنية، إذ كل ما يمكن أن نذكره بخصوص حقيقة الإنسان ودلالتها على الخالق ورعايته موجَّهٌ إليه في قوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} (الذاريات: 21) وما يشبهه .

وكل ما يمكن أن نذكره بخصوص الآيات الكونية ودلالتها على الخالق موجَّهٌ إليه في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} (آل عمران: 190) وما يشبهه. فالقرآن مليء بتوجيه النظر إلى ما يستثير العقول والقلوب للإقرار بالخالق والخضوع له بالعبادة .

بعد أن يؤكّد السياق اكتفاء القرآن بـ «نماذج الحجاج»، يتطرّق إلى شبهة الجاحدين بالله التي ربّما تكون الأكثر شهرة، والتي لا زال الملاحدة يجترّونها حتى يومنا هذا، وهي شبهة طلب الدليل الحسّي الخارق الواضح على الخالق وعلى صحة الرسالة .

{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً} (الإسراء: 90-93)

لو نظرنا إلى المشترك بين كل «طلبات» الكفّار هذه لوجدنا أنّه الخوارق الحسّية الواضحة، فكيف علّم الله عزّ وجلّ رسوله صلى الله عليه وسلّم أن يجيب؟ كانت الإجابة سهلة، ولكنّها في الواقع عميقة وتؤسّس لفكرة غاية في العمق في أساس التكليف بهذا الدين، قال سبحانه

{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً}. وهي آية تؤكّد على أنّ الوصول للحقّ لا يكون إلا بالأدوات البشرية، بل يزيد السياق بعد ذلك: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً} (الإسراء: 94-95).

كما تؤكّد هذه الآيات مفهوما أساسيّا في التكليف بهذا الدين، وهو مفهوم «الابتلاء»، أي الاختبار، والذي لا يتم إلا بأدوات النوع المكلَّف: فالبشر يُختبرون بأدوات البشر، والملائكة -لو شاء الله أن يختبرهم- بأدوات الملائكة .

سنّة الابتلاء

وتابع الباحث قائلا :  يتساءل الملحد: ولماذا وضع الله هذا كله؟ ألم يكن قادرا (سبحانه) على تمهيد الطريق لهم دون تكليفهم عناء البحث عن الحقيقة بأدواتهم البشرية ومقاومة الأهواء والشيطان؟

بلى هو القادر على كلّ شيء، ولكنْ شاء سبحانه أن يكون خلقه على هذه الهيئة، وهو القائل: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء: 23). شاء سبحانه أن يكون الابتلاء (أي الاختبار) جزءا من خلق الإنسان. ومن يُراجع القرآن من أوله إلى آخره سيجد التأكيد الدائم على حقيقة الابتلاء هذه؛ سيجدها في اختبار آدم وحواء الأول مع الشجرة، ثمّ سيجدها في ابتلاء إبراهيم، ثمّ في ابتلاء جند طالوت، ثم في ابتلاء تحويل القبلة، ثم في ابتلاء معركة أُحد.. وغيرها وغيرها من نماذج الابتلاء..

حرية الاختيار تعني أن هناك عدة اختيارات ينبغي «الاجتهاد» للاختيار من بينها أما إذا كان الجميع سيختارون الشيء ذاته فهم مقهورون وليسوا مختارين.

وسنجد تأكيد حقيقة الابتلاء هذه مطلقا في قوله تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان: 2). تبتليه: أي نختبره، ولعلّ في قوله تعالى {فجعلناه سميعًا بصيرًا} إشارة إلى بعض أدوات التعامل مع الابتلاء، فهذا الإنسان سميع؛ يستمع إلى رسالات ربّه على لسان رسله.

 وهو بصير؛ يرى آيات الله في الأنفس والآفاق. فهو مزوّد بأدوات اجتياز الاختبار، ولكنّه اجتياز يحتاج إلى جهد، يحتاج إلى إرادة ليكون الاختيار هو اختيار الحقّ، ويحتاج إلى مقاومة غواية الشيطان وضبط شهوات الدنيا، وإلى التعبّد لله ليثبت الإيمان في القلب؛ ليكون الوصول إلى جنّات النعيم ثمرةَ جهد هذا الكائن الذي كرّمه الله ومنحه ما لم يمنح أحدًا من خلقه.. وهل يتوقّع الإنسان أن يُكرَّم هذا التكريم ويُمنح الإرادة وحرية الاختيار دون أن يكون لها ضريبة من الجهد؟!

 لا قيمة للاختبار في الحقيقة لو شطبنا كلّ هذه الصعوبات و«العقبات»، يقول تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: 38).

 ما قيمة {فمن تبعَ هدايَ} لو كان الوضع على النحو التالي: لا شيطان ولا شرور ولا أهواء.. لا اختلاف بين البشر والجميع يفكّرون بنفس الطريقة.. كل شيء واضح ولا يحتاج إلى بذل جهد؟!

 في هذه الحالة سيسير الجميع نحو مصير واحد.. سيكون الجميع حينها مقهورًا على طريق الهداية، ولن تكون هناك قيمة للعقل وحرية الاختيار التي تميّز بها الإنسان عن بقية المخلوقات؛ لأنّ حرية الاختيار تعني أنّ هناك عدة اختيارات ينبغي «الاجتهاد» للاختيار من بينها، أما إذا كان الجميع سيختارون الشيء ذاته فهم مقهورون وليسوا مختارين!.

تعليقات