رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

د.علاء جانب يكتب: انتظار اللذة.. سنة الحياة!

  • د. شيماء عمارة
  • الأربعاء 06 يناير 2021, 8:28 مساءً
  • 1377
الشاعر الدكتور علاء جانب

الشاعر الدكتور علاء جانب

تكتشف بعد الحياة الطويلة أن ثلاثة أرباع اللذة في انتظار اللذة، والربع الباقي تعيشه في قلق انتهائها...


لعله قانون الحياة الذي لا يتخلف، 

وسنتها التي لا تتبدل ... 


ربما تنكسر القاعدة حين نرى الجنة عين اليقين .. 

لأننا نستمتع الآن بانتظارها..


وحين نرى من فارقونا في الحياة الأخرى لأننا نستمتع بانتظار لقائهم..


حتى في الجنة يشوق الله عباده ليذيقهم لذة رؤيته مدةً بعد مدة.. 


ولمعنى كهذا قال العرب في حكمتهم البليغة البالغة: زر غباً تزدد حبا.. وقال المصريون في الدارجة "شوّق ولا تدوّق"...


حياتنا سلسلة من الانتظارات .. 


انتظار النجاح هو متعة الطالب المتفوق..

وانتظار الزواج هو متعة العاشق المتلهف..

وانتظار الطعام هو متعة الجائع المتحرق..

وانتظار الماء هو متعة العطشان المتلهّب..

وانتظار الإفطار هو متعة الصائم..

وانتظار الراحة هو متعة المتعب ..

وانتظار النوم هو متعة السهران..

وانتظار العودة هو متعة المسافر...

وانتظار الولادة متعة الأم الحامل..


وقس على ذلك كل متعة ستجد أن أحلى ما فيها انتظارها .. 


وتجربة اشتياق الطعام والشراب في صيام المسلمين تجعلهم في أسعد اللحظات قبل أذان المغرب .. حتى إذا وجدوا الطعام وأصبح مباحا وذاقوه زهدت فيه العين والبطن ... 


وتجربة الجنس يعرف المتزوجون أن أجمل ما فيها مقدماتها .. ولذلك اخترعت العقاقير التي تطيل الشوق والانتظار وتمنع انتهاءها بسرعة ...


غير أن الناس درجوا على أن يسموا هذه الانتظارات آمالا.. فقالوا املا في كذا ... 

هذا الأمل هو الذي يجعلنا نصبر على ضيق الحياة ومرارتها .. 


أعلل النفس بالآمال أرقبها 

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ...


هذا معنى حديث: إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها... 


ليس من ديننا انتظار الموت في عجز واستسلام .. بل ديننا دين التمسك بالحياة .. بل الحياة الكريمة ...


نحن نقضي الحياة كلها في انتظارات .. 

ننتظر النهار ليلا..

وننتظر الليل نهاراً..


ننتظر الشفاء في المرض

ونشفق من المرض في العافية 


ننتظر الغنى أثناء الفقر ..

ونشفق حين نتوقع الفقر بعد الغنى ونستعيذ من ذلك..


ننتظر أن نكبر ونحن أطفال حتى أننا نكاد نقفز للسماء لنمسك نجومها..


كل مرحلة دراسية نعيشها انتظارا لنيل شهادتها.. 


إذا فقدنا لذة الانتظار وإثارته خفت صوت الحياة تحت جلودنا ... وجف البئر .. ومرضت الشمس.. 


ما الفرق بين الانتظار اليائس والانتظار الآمل..؟!


الانتظار اليائس : أن تجلس بلا حركة ولا تشارك في صناعة الحياة ..


أما الأمل؛ فأن تتحرك لتصنع الحياة؛ وترى المستقبل متحققا ماثلا بين عينيك ..


الأمل أن ترى نفسك صحيحا في المرض

غنيا في الإقلال والعدم

شبعان في الجوع 

ريان في العطش

بين أهلك وأنت بعيد عنهم

ناجحا وأنت في أول العام تذاكر


الأمل أن تتصور الهدف متحققا وأنت تعمل فتعيشه قبل تحققه فيكون بالخيال أشهى واجمل ..


لذلك نحن نحب أولئك الذين يصنعون لنا من خيالهم حياة قابلة للتحقق.. 


هؤلاء الذين لديهم قدرة على الخيال هم أعظم الناس ...

 لذلك نمجد العباقرة، 

ونحب الشعراء، 

ونرتاح إلى الفنانين .... 


الأنبياء رأوا ما هو أبعد من الخيال فبشرونا به..

فظن مكذبوهم أنهم شعراء يتخيلون أو يتراءى لهم.


والمصلحون والشعراء رأوا خيالا على أنه حقيقة ..

فظن المصدقون لهم أنهم أنبياء ..


المخترعون والعباقرة أحسنوا التعمق في الخيال فحسبوهم مجانين.. 

لكنهم بما ركبوا لنا من أجزاء الكون غيروا شكل العالم ... 

فطيرونا في الهواء

 وغطسونا في البحار .. 

وصعدوا بنا إلى المجرات البعيدة.. 

بعد أن رأوها في عدساتهم المكبرة التي اخترعوها فقربت لهم البعيد ...


فالحمد لله على الخيال ..

الحمد لله على نعمة الأمل ..


تعليقات