د.ياسر ثابت يكتب: وحيد حامد.. القمر يقتل عاشقه

  • د. شيماء عمارة
  • الإثنين 04 يناير 2021, 06:23 صباحا
  • 846
الكاتب ياسر ثابت والراحل وحيد حامد

الكاتب ياسر ثابت والراحل وحيد حامد

سوق الكتابة، كل شيء للبيع، حتى الضمائر.

هناك دومًا كُتّابٌ ومبدعون يروِّضُون ضمائرهم مع تقلُّبات البورصة، ويخضعون للسلطة والسلطان.

لكن وحيد حامد رفضَ قواعدَ اللعبة.

كاتبٌ يمر كل شيء عنده من مصفاة العقل. يُحِبُّ بشغفٍ لا ينتهي، ويكافح التبلد والجثث المحنّطة.

وسيناريست كَتَبَ استجوابات لا تسعها مضبطة البرلمان.

المتمرد، الحُر، الجريء، أتقنَ حبس الأسود في قفصٍ من الموسيقى، من «الغول» إلى «البريء».

ابن منيا القمح، نهرٌ لا يتقاعد، ونافذةٌ صغيرة في عتمةٍ ما.

امتلك طريقة إزرا باوند العاصفة وكأنه بلدوزر يجرف كل ما أمامه.

هكذا حارب «طيور الظلام» وقرر «اللعب مع الكبار».

إلا أنه لم ينسَ يومـًا الأرواحَ التي تتألم والأمنيات التي تتقزَّم.

بالسرد الرائق والعذب لمشاق الحياة، منحَ الناسَ صوتَه، وبحثَ عن إجاباتٍ مقنعة، عن المعنى الزائغ التائه، ولعنة الجهل، وجذور التطرف، والحرية بمعناها الشامل؛ عن الشعوب التي قضت جُلّ عمرها في حلقاتٍ عنقودية متصلة من الأخطاء، والأوطان التي لم يبق منها غير ظلالٍ باهتةٍ وأصداءٍ بعيدة.

لم يتجوّل قرب الينابيع، بل كان هو الينابيع التي تروي الأنفس المأزومة وتُبدِّدُ أشباح الخوف.

له حضورٌ محبب، شعبي وعفوي، مع عاطفة متقدة، مندفعة، قد تفتر فجأة، للحظات، لتتفجر من جديد.

في مكانه المعتاد في فندق «جراند حياة» المطل على النيل، يعانقُ الغيم بقلمه وأوراقه البيضاء، ويرسم في مخيلته حدودَ مدينته. يرفع بصره إلى أعلى كما لو أن الخيالات عالقة في السقف.

الحروفُ عنده موسيقى صامتة، والكلمات تجسِّدُ التمكن من فن الذاكرة.

بلغةٍ مقتصدة، أنتجَ أعمالًا وعوالمَ تعجُ بالمصائر البشرية العصية على الفهم، وكشفَ العوالمَ الخفية للمشاعر والتجارب الإنسانية.

لم يفسدْ، ولم يكن أصم عن الحقِّ. لم يتحدَّث بالبهتان. صارعَ فقط -مثل الزفير الصاخب للهب في النار- من أجل أغلى ممتلكاته: الوطن.

لهذا السبب تحديدًا، لن يزول أثره ولن تُمحى بصمته.

رأى أن كل لحظةٍ طريقٌ مختصرة، فلم يغلقْ بابَ الموت أمام هذا القصور في القلب.

تمامـًا كما توقع «طائر الليل الحزين»، فإن «القمر يقتلُ عاشقه».

وحيد حامد، ارقدْ في سلام، فالطلقة أكملتْ مهمتها، والخيول الأصيلة غير قابلة للبيع في المزاد الذي نسميه خطأ: أيامنا.

تعليقات