نهال القويسني تكتب: عام جديد

  • أحمد عبد الله
  • الجمعة 01 يناير 2021, 08:55 صباحا
  • 1072
الناقدة نهال القويسني

الناقدة نهال القويسني

عام جديد 

مضي عام بأكمله بسرعة فائقة..فجأة اقتربنا من العام الجديد. وأنا عادة ما أتوقف أمام نهاية كل عام طويلا لأتأمل واتفكر واتدبر. أتفكر في الأحداث التي جرت خلال العام، وفي رد فعلي وتعاملي معها..وأتأمل نفسي مليا في ضوء المتغيرات والحادثات..الي اي مدى تغيرت..وهل استفدت من تجاربي في الأعوام السابقة؟ وماذا أضافت لي هذه التجربة التي مرت بالبشرية جمعاء، لتكشف لنا عن عيوبا كبيرة، وثقوبا هائلة في ثوب الإنسانية المبهر المزخرف في مظهره..ثقوب أوسع من ثقب الأوزون الذي بدأ في الالتئام بعد الحجر علي تحركات البشر حول العالم. 

ماذا فعلت بنا الأزمة؟ وما الذي استخرجته من مكنون اعماقنا من أمور كنا لا ندرك وجودها ولا ننتبه إليها اصلا.  

وسالت نفسي..أتراه كان شرا خالصا مستطيرا؟ أم حمل بين طياته رسائل هامة وطاقات نور وبارقة أمل؟ بداية لا بد أن أقر انه لا شيئ مطلق وان المسائل نسبية، واننا كبشر ننظر للأمور من زوايا مختلفة. إذن رأيي ليس صوابا مطلقا ولا خطأ مطلقا..انما هو اجتهادي الشخصي وتأملاتي النابعة من وجداني وتجاربي وأفكاري وقيمي ورؤيتي الشخصية للحياة..وهي بالطبع ليست ملزمة للآخرين، إنما اتقاسمها معهم علي سبيل تبادل الرؤي والخبرات الإنسانية، لعل أحدا يجد فيها إجابة شافية علي أسئلة تدور في ذهنه وتؤرقه.


تلك الأزمة التي المت بالبشرية جمعاء ووضعتها في موقف حرج، يتحدي الأنظمة والأفراد بصورة لم يسبق لها مثيل. أزمة نالت من النظم الإقتصادية والمالية والصحية في اكبر الدول وأغناها وأكثرها تقدما، أو هكذا زعموا. فشلت الأنظمة السياسية المتقدمة في احتواء الأزمة والتعامل معها. وفشلت الأنظمة الصحية، التي كانت تتباهى بها الدول، في التعامل مع الجائحة. إنكشفت الهشاشة مع الإختبار القاسي للأزمة وأصيبت الأنظمة بالصدمة والشلل، وشرعت تتهاوى تحت وطأة الضربات المتتالية وتصاعد اعداد المصابين وأولئك الذين فقدوا حياتهم من جراء مضاعفات الإصابة. لم يفشلوا فقط في التعامل مع الأزمة، بل فشلوا أيضا في احتوائها والتعامل مع تداعياتها. ووقف العلم مذهولا في البداية من هول الصدمة..صدمة جهله بتفاصيل المشكلة وتخبطه في توصيفها وتشخيصها والتعرف علي أسبابها. وهي الطريقة التي تميز العقل الغربي في التعامل مع المشاكل والأزمات. فكل يوم يطالعنا تقرير من هذه البلد أو غيرها عن أسباب الإصابة وطبيعة الفيروس وأسلوب الوقاية منه أو علاج المصابين، حتي امتلأت وسائل التواصل جميعها بكم غير طبيعي من المقالات والمعلومات والفيديوهات التي تقدم الآراء والنصائح وأخرى تبرهن علي عكسها.

وظهرت نظريات المؤامرة والإشارة بأصابع الاتهام من الدول لبعضها، حتى تفرقت دماء الإنسانية بين الدول وغابت القدرة علي تحديد المسؤولية، وبالتالي علي عقاب المخطئ.

في أيام معدودات، تهاوت التجارة العالمية وبدأت الأنظمة الاقتصادية والمالية تترنح تحت وطأة الضربات المتتالية التي كالها لها الفيروس الضعيف. وبات جليا انه ينبغي إيقاف معظم النشاط التجاري والاقتصادي، بل والإنساني حفاظا علي حياة البشر..وإلا فما قيمة الوجود؟ 

توقف السفر تماما وتوقفت حركة السيارات، اللهم إلا في أضيق الحدود المتعلقة بالخدمات واستمرار الحياة، فماذا تبقي منا بعد ذلك؟

كان الحل الوحيد هو توقف كل الأنشطة ومظاهر الحياة العصرية بالصورة التي ألقناها في القرن العشرين. فماذا يعني ذلك؟ الخصه في النقاط التالية:

علي المستوي العملي، بدأ عصر الإعتماد علي التكنولوجيا بصورة كبيرة في إتمام الأعمال وإجراء الإجتماعات ومفردات العملية التعليمية، وحتي الفعاليات الثقافية والفنية والمنتديات الفكرية.

كما بدأنا نشعر بالتحسن الكبير في نوعية الهواء بعد توقف حركة الطيران العالمية وتحديد حركة المركبات الأخري، العام منها والخاص، مما قلل من الانبعاثات الكربونية وساهم في تحسن المناخ العالمي بعد التئام ثقب الأوزون إلي حد ليس بقليل. وقد بدأنا نشاهد أنواع من الكائنات الحية والطيور مرة أخري بعد أن كادت تنقرض نتيجة مماراستنا الخاطئة مع كل ما هو طبيعي.

ومن ناحية اخري، برزت أوجه القصور في النظام الصحي في الدول المتقدمة وأهمية إعادة تقييم فاعلية النظام في مواجهة الأزمات. ومن ثمة الحاجة لتطوير المنظومة العالمية بأكملها فكرا وأدوات وآليات.

اما علي المستوي الإنساني، فقد أتيحت للبشر فرصة لإلتقاط الأنفاس من تسارع وتيرة إيقاع الحياة. واكتشف كل شخص انه كان يلهث إلي ما لا نهاية في سبيل إدراك غايات مادية، ليست كلها علي قدر الأهمية التي كان يتصورها، أو التي كان يراد له تصورها. واكتشف كل فرد بعد أن هدأ نفسا وانقشع الغبار والصخب ان حياته أجمل مع الود الإنساني..حياته أجمل بالقرب من أولاده وأسرته..حياته أجمل بكثير حين تتاح له فرصة ممارسة هواية أو متعة شخصية. السعادة ليست إذن في الحصول على مزيد من المال لإرسال الأبناء لمدارس التعليم الأجنبي الباهظ التكاليف ولا الحصول علي مقر صيفي ومقر شتوي للاجازات، والتي قلما تتاح له فرصة الاستمتاع بها.

كلما قضي وقتا مع نفسه، استطاع أن يتأمل الأحوال ويستعيد صفاء الذهن الذي يعينه علي استجلاء معايير السعادة والمسؤولية تجاه من حوله..واستطاع أن يتواصل مع ذاته لكي يحدد موقفه من الحياة بوضوح.

المسألة إذن ليست شرا خالصا مستطيرا كما كنا نتصور. ربما كانت مرحلة انتقالية تستدعي إلتقاط الأنفاس قبل الولوج الكامل إلي القرن الواحد والعشرين بكافة مظاهره ومعطياته. وربما كانت استراحة محارب للبشر، يعيدون فيها وصل ما انقطع من السبل بينهم وبين انسانيتهم، والأهم أن ينتبهوا لدخول عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والذي سوف يخصم الكثير من أرصدتهم الإنسانية في مواجهة الآلة والتكنولوجيا. والله وحده أعلم كيف سينتهي بنا الأمر في عصر "الأتمتة" الكاملة، إذا جاز لنا استخدام هذا التعبير. وهل ترانا سنتحول إلي عبيد الآلات والروبوتات كما تنبأت افلام هوليود خلال العقود الماضية؟ 

نهاية كل عام فيها دائما فرصة لتقييم ما مضي واستشراف ما هو آت، وربما إدراك ما فاتنا وتحديد موقع أقدامنا في المستقبل..فهل ترانا فاعلون؟ وفي كل الأحوال، الأمر لا يخلو من المنفعة..تمنياتي بعام جديد مثمر وبناء.

تعليقات