د. خالد فوزي حمزة يكتب: الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان

  • أحمد عبد الله
  • الجمعة 25 ديسمبر 2020, 01:52 صباحا
  • 971

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم...

أما بعد... فقد كثر الكلام بين الناس الآن حول قضية كون الشرع صالحاً لكل زمان ومكان، وهذه القضية من القضايا المعلومة من الدين بالضرورة، لكن نبتت نابتة السوء التي تزعم عدم صلاحية الشرع لكل زمان ومكان، وتزعم أن الإسلام جاء لمعالجة مشكلات العرب وقت نزوله، وقالوا: لنا أن نخالف شريعة القرآن، حيث تمسكنا بالكليات منه فحسب.

ونظراً لأنهم يلبسون على الناس بالمتشابه من القول، رأيت أنه لابد بيان الحق في هذا الأمر، فإنه في الواقع لا يتم الإيمان إلا بذلك الذي أنكروه.

-. وإلا فكيف يتم الإيمان بالله من لم يجعل الحكم له تعالى، قال تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57]، وقال: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]، وقال: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]،

-. وكيف يؤمن بالملائكة من يرى أن إرسال جبرائيل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو لحل مشكلات وقتية في المجتمع العربي الجاهلي، ولم يعلم قائل هذا أن الملائكة تدبر أمر الله تعالى في الكون، {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5].

-. وكيف يصح الإيمان بالكتب لمن يرى أن القرآن عالج مشكلات المجتمع العربي فحسب، ولم يكن الكتاب الذي فيه حل مشكلات الإنسانية جمعاء، ولم يترك شيئاً، قال تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38].

-. وكيف يصح الإيمان بالرسل؛ لمن يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد عن كونه مصلحاً فحسب، قد رأى مشكلات عصره فقط فوضع الحلول لها؟ ولم يؤمن أنه الرسول الخاتم، لهداية كل الناس إلى يوم القيامة، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40].

-. بل كيف يؤمن باليوم الآخر من يرى أن مقياس الحق والظلم والخير والشر إنما هو لعقلاء البشر، ولو كانوا من المشركين، فلم يجعل ميزان ذلك للشرع، وقد قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].

إن مقاييس الخير والشر الكلية هي فطرة، والفطرة هي عبودية الله؛ التي فطر الله الناس عليها، قال تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، ولذا استثيرت الفطرة لدعوة المشركين، {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [إبراهيم: 10].

وإنما جاءت الشريعة محفزة للفطرة قبل اجتيال الشياطين، روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا). فالفطرة تدل الناس على الخير، لولا تسويلات الشياطين.

والقرآن قد دل على أن رسالة الإسلام للعالمين أي لجميع الناس، وعموم الناس وهذا معناه أن رسالة الإسلام باقية إلى يوم القيامة، حيث بقي الناس.

قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90]، وقال: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [يوسف: 104]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]، {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (*) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [ص: 86، 87]، وقال: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (*) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 51، 52]، وقال: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (*) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (*) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير: 25 - 27]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].

والسنة قررت ذلك أيضاً: ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة).

ومن النصوص المبينة لذلك أيضاً، حديث عدي بن حاتم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتلوها فقال: يا رسول الله لسنا نعبدهم، قال: «أليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه؟ ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟» قال: بلى، قال: «فتلك عبادتهم» [رواه الترمذي وحسنه الألباني]، فأبان الحديث أن الذي يحل ويحرم بغير الشريعة، هو معبود من دون الله، وهذا في كل زمان ومكان.

كما فرض الله علينا اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعته وتحكيمه، وهذا عام في كل زمان ومكان، قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]، وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].

كما أمر الله تعالى باتباع سبيل المؤمنين، ونهى عن اتباع غير سبيلهم، فقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، كما أمر باتباع من وصفهم بالإنابة إلى الله فقال: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15]، وجاء الأمر كذلك باتباع من لا يسأل أجراً {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (*) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: 20، 21]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، وقد ثبت عن ابن عباس أن أولي الأمر العلماء، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

وقد قام الإجماع على ذلك كله، وقد أثبت ابن حزم الكثير من الإجماعات في ذلك في كتابه مراتب الإجماع (1/174 - 179)، ومما قال فيه: [واتفقوا أنه مذ مات النبي صلى الله عليه وسلم فقد انقطع الوحي وكمل الدين واستقر وأنه لا يحل لأحد أن يزيد شيئا من رأيه بغير استدلال منه ولا أن ينقص منه شيئا ولا أن يبدل شيئا مكان شيء ولا أن يحدث شريعة وأن من فعل ذلك كافر]، وقال: [واتفقوا أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح أنه كلامه بيقين فواجب اتباعه]، وقال: [واتفقوا أن نقل الكافة حق فمن خالفه بعد علمه أنه نقل كافة كفر]، وقال: [واتفقوا أن طلب رخص كل تأويل بلا كتاب ولا سنة فسق لا يحل]، وقال: [واتفقوا أنه لا يحل ترك ما صح من الكتاب والسنة والاقتصار على ما اقتصر عليه فقط]، وقال: [واتفقوا أنه لا يحل لأحد أن يحلل ولا أن يحرم ولا أن يوجب حكما بغير دليل من قرآن أو سنة أو إجماع أو نظر]، وقال: [واتفقوا أن من آمن بكل ما ذكرنا وحرم كل ما قدمنا أنه حرام وأحل كل ما ذكرنا أنه حلال وأوجب كل ما قدمنا أنه واجب وتبرأ من ايجاب كل ما ذكرنا أنه غير واجب فقد استحق اسم الايمان والاسلام]، وقال: [واتفقوا ان من آمن بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبكل ما أتى به عليه السلام مما نقل عنه نقل الكافة أو شك في التوحيد أو في النبوة أو في محمد صلى الله عليه وسلم أو في حرف مما أتى به عليه السلام أو في شريعة أتى بها عليه السلام مما نقل عنه نقل كافة فان من جحد شيئا مما ذكرنا أو شك في شيء منه ومات على ذلك فانه كافر مشرك مخلد في النار أبدا]، ثم قال: [قال أبو محمد قد انتهينا حيث انتهى بنا عون الله عز وجل لنا وبلغنا حيث بلغنا ما وهبنا الله تعالى من العلم ولله الحمد والشكر.. ثم لجمهور علماء الحديث ائمتنا رضي الله عنهم اتفاقات أخر لم نذكرها ههنا لأنهم لم يجمعوا على تفسيق من خالفها فضلا عن تكفيره كما أنهم لم يختلفوا في تكفير من خالفهم فيما قدمنا في هذا الكتاب، وليعلم القارئ لكلامنا أن بين قولنا لم يجمعوا وبين قولنا لم يتفقوا فرقا عظيما].

والإجماعات هذه التي ذكرها لم ينقضها أحد، ولم ينتقد شيئاً منها عالم جاء بعده، والإجماع حجة على الجميع، وهو حجة قطعية لا يحل مخالفته.

فثبت هذا الأمر العظيم بالكتاب والسنة والإجماع.

ولذا جاء في مجموع الفتاوى (20/499، 500)، قول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولذلك قال العلماء: الكتاب والسنة والإجماع، وذلك أنه أوجب طاعتهم إذا لم يكن نزاع ولم يأمر بالرد إلى الله والرسول إلا إذا كان نزاع. فدل من وجهين من جهة وجوب طاعتهم ومن جهة أن الرد إلى الكتاب والسنة إنما وجب عند النزاع؛ فعلم أنه عند عدم النزاع لا يجب وإن جاز لأن اتفاقهم دليل على موافقة الكتاب والسنة. وأمر بموالاتهم والموالاة تقتضي الموافقة والمتابعة كما أن المعاداة تقتضي المخالفة والمجانبة فمن وافقته مطلقا فقد واليته مطلقا ومن وافقته في غالب الأمور فقد واليته في غالبها ومورد النزاع لم تواله فيه وإن لم تعاده.

فأما الأمر باتباع الكتاب والسنة فكثير جدا كقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 3]، {فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا} [الأنعام: 155]، {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: 157]، و{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: 157]، {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] [النور: 54]، [محمد: 33]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64]، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] الآية، {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153]، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36]، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]. وهذا كثير. انتهى كلامه رحمه الله.

ثم ذكر أدلة وجوب اتباع السلف في ذلك كله، فقال كما في مجموع الفتاوى (20/501، 503): "وأما السلف فآيات أحدها: ما تقدم مثل قوله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} [النساء: 59]، وقوله: {والمؤمنين} وقوله {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، ولو خرج المؤمنون عن الحق والهدى لما كانت لهم العزة إذ ذاك من تلك الجهة؛ لأن الباطل والضلال ليس من الإيمان الذي يستحق به العزة والعزة مشروطة بالإيمان لقوله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

ومنها قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (*) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7]، أمر بسؤاله الهداية إلى صراطهم؛ وقال: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69] الآية وفيها الدلالة.

ومنها قوله: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15]، والسلف المؤمنون منيبون أي فيجب اتباع سبيلهم. ومنها قوله: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: 21]؛ والسلف كذلك. ومنها قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]، ومن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم. ومنها قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، وقوله: {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78]، وقال قوم عيسى: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53]، [المائدة: 83] في آل عمران والمائدة لأن لنا الشهادة ولهم العبادة بلا شهادة والأمة الوسط العدل الخيار والشهداء على الناس لا بد أن يكونوا عالمين عادلين كالرسول؛ ولهذا {قال في الجنازة وجبت وجبت وقال: أنتم شهداء الله في الأرض} [متفق عليه]، وقال: {توشكوا أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار بالثناء الحسن والثناء السيئ} [رواه ابن ماجة وصححه الألباني]، فعلم أن شهادتهم مقبولة فيما يشهدون عليه من الأشخاص والأفعال؛ ولو كانوا قد يشهدون بما ليس بحق لم يكونوا شهداء مطلقا.

ومنها قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، وفيها أدلة مثل قوله: {خَيْرَ أُمَّةٍ} ومثل قوله: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} فلا بد أن يأمروا بكل معروف وينهوا عن كل منكر والصواب في الأحكام معروف والخطأ منكر.

ومنها قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، ومنها قول الخليل {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 83]، وقول يوسف: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]، ومنها قوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، والرضوان لا يكون مع اتفاقهم وإصرارهم على ذنب أو خطأ فإن ذلك مقتضاه العفو. ومنها قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]، وقوله: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]، فإنه يدل من وجهين من جهة أن الاصطفاء يقتضي التصفية وذلك لا يكون مع الاتفاق والإصرار على الذنب والخطأ. والثاني التسليم عليهم وذلك يقتضي سلامتهم من العيوب كما سلم على المرسلين وعلى نوح وعلى المسيح. ومنها قوله {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، ومنها قوله: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِه} [البقرة: 213]، فإنه يدل على أنه هدى في كل شيء.

وقوله: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257]، فإنه يقتضي إخراجهم من كل ظلمة.

ومنها قوله: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43]، وقوله: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الحديد: 9]. ومنها قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وما كان نحوها من الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة". انتهى وكله كلام شيخ الإسلام فيما عدا تخريج الأحاديث. والنصوص أكثر من أن تصى، وأقوال العلماء لا تكاد تصى، وشبهات النابتة تطيش أمام بعض ما ذكر، فكيف باجتماع ذلك.

والله تعالى أسأل أن يبصرنا بالحق ويهدينا إلى سواء السبيل. وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


كتبه:

أ.د. خالد بن فوزي بن عبد الحميد حمزة

المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة

والمتعاون مع كلية الحرم بالحرم المكي، وجامعة أم القرى ـ سابقاً

تعليقات