رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

يرد على نفسه ويهدم المعبد.. قصة تراجع أشهر ملحدي الغرب بعد 66 سنة إلحـاد

  • حاتم السروي
  • السبت 27 يوليو 2019, 5:12 مساءً
  • 3034
أنتوني فلو أشهر الملاحدة يعود للإيمان في الثمانين من عمره

أنتوني فلو أشهر الملاحدة يعود للإيمان في الثمانين من عمره

عندما يتراجع ملحد مصري عن أفكاره اللادينية فهذا مما لا يثير الدهشة، تلك هي الحقيقة الساطعة رغم أننا في "جداريات" لسنا من هواة إطلاق الآراء القطعية الجازمة؛ غير أن المفهوم بالنسبة إلينا وبالنسبة إلى الكثيرين أن يكون تراجع الملحد العربي أمراً غير مستغرب، وذلك أن الجرعة الدينية في مصر والبلاد العربية مكثفة وعميقة بحيث يصبح رجوع الملحد عندنا عن إلحاده أمراً مفهوماً في هذا الإطار، أما الذي قد يثير التأمل هو أن يتراجع ملحد غربي عتيد في إلحاده ليس هذا فحسب بل إنه يعد أبرز منظري الإلحاد؛ ما يعني بوضوح أن الإلحاد "فشنك".


فهذا الملحد الغربي لم يكن يمتلك أية خلفية دينية ولا هو من المهتمين بالأديان عامةً وقد عاش الجزء الأكبر من حياته يتعامل مع الأمور بفكر مادي بحت ثم نراه فجأةً وعلى غير توقع يعلن أمام الكافة عن إيمانه بالخالق وأن الإلحاد فكرة خرافية لا تمتلك أية مقومات منطقية ولا تدعمها الحقائق العلمية، إننا نتحدث أيها السادة عن "أنتوني فلو".


أنتوني فلو المولود عام 1923 في إنجلترا لأبوين مسيحيين يتبعان الطائفة البروتستانتية وهي طائفة أصولية بمعنى أنها تتمسك بمنابع المسيحية الأولى دون أية إضافات لاحقة، وبشكلٍ أكثر تحديداً تؤمن هذه الطائفة بأن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد هو المصدر الوحيد والحصري لفهم المسيحية وإرشاد المؤمنين بها وأنه لا يصح ولا ينبغي اتباع "التقليد" وهو مصدر كنسي يأخذ به الأرثوذكس، لذلك يطلق على البروتستانت في مصر لقب "الإنجيليين" وهم يحترمون القديسين ولا يتعدون في احترامهم إلى فكرة لتقديس ولا يؤمنون بالطقوس وليست لديهم أيقونات ولا تصاوير في البيوت ودور العبادة.


ورغم هذه النشأة بين أبوين يؤمنان بالبروتستانتية التي تعتمد بشكل مطلق على التوراة والإنجيل اختار أنتوني فلو لنفسه طريق الإلحاد ومثل كل الغربيين لم يكن متوقعاً ولا منتظراً أن يعود من هذا الطريق خاصةً وأنه قد اختاره وهو مراهق يبلغ من العمر فقط 14 سنة، وفي ظل مجتمع غربي يشيع فيه الإلحاد كن رجوع أنتوني فلو بمثابة قنبلة.


بدأ فلو إلحاده بأفكار بسيطة لم يكن لها نصيب من الدرس الفلسفي؛ فلم يكن وقتها قد قرأ كثيراً عن الإلحاد والملاحدة، غير أن مشكلة "الشر" كانت هي المسيطرة على ذهنيته وهي مشكلة فلسفية قديمة أسهب رجال الدين في الرد عليها وعرفت عند الإنجليز والأمريكان بـ problem of evil وهو اصطلاح منتشر في الدراسات الفلسفية الغربية ويعرفه المتخصصون الذين يلزمهم الاضطلاع على المصادر الغربية لعمل دراساتهم أو أطروحات الماجستير والدكتوراه في الفلسفة.


ومشكلة الشر تبدو من بساطتها غاية في السذاجة ومفادها وهي غير ذات فائدة أنه "إذا كان هناك إله وكان هذا الإله رحيماً عادلاً يحب الخير فبماذا نفسر هذه الشرور التي نراها كل يوم مثل الزلازل والبراكين والأعاصير وحوادث القتل وموت الأطفال الذين لا ذنب لهم بالأمراض الفتاكة إضافة إلى نوزاع الشر في نفوس البشر وما فيهم من مكر وخديعة وحسد وتجبر الطالمين وانزواء الحقيقة، باختصار لماذا يخلق الله الرحمن الرحيم الشر في هذا العالم؟ وإجابة الملحدين على هذا السؤال هي أكثر سذاجة من السؤال نفسه ونعرفها بالطبع وهي أنه لا يوجد إله!.

ذا ببساطة قرر أنتوني فلو أن يعلن إلحاده لعجزه عن إجابة سؤال نجد له آلاف الأجوبة وأبسطها أن الله أوجد الشر ليميز به الخير وقديماً قال الشاعر:

فالوجه مثل الصبح مبيضُّ.. والشعر مثل الليل مسودُّ

ضدان لما استجمعا حسُنا.. والضد يظهر حسنه الضدُّ


وعندما كبر أنتوني وأصبح من طلاب جامعة أكسفورد قرر أن يدرس الفلسفة وأصبح يروج للإلحاد مستخدماً تقنيات المدرسة التحليلية التي كان ينتمي إليها وكان الذين يستمعون إليها ينبهرون بمنطقه وتستولي عباراته على أذهانهم ويصبح الدين بالنسبة إليهم محض خرافة، وفي ذلك السياق وضع "فلو" 30 كتاباً تدور كلها حول عدم وجود الإله وبهذا أصبح أنتوني فلو بلا منازع أشهر وأبرز ملحدي العالم في القرن العشرين.


وفي عام 2004 استيقظ الملحدون على أكبر صفعة في حياتهم الفكرية، "أنتوني فلو" الملحد الكبير البالغ من العمر 81 سنة يكتشف أنه كان طوال عمره على خطأ بيِّن ويعلن في مناظرة أمام الملأ أنه يعترف بوجود الخالق، ثم صنف كتاباً يرد به على نفسه وسماه "هناك إله..كيف غيَّر أشهر ملحد رأيه" وفيه يشرح رحلته مع الإلحاد وكيف استدل واهتدى إلى وجود الخالق.


والشر نفسه دليل على وجود الخالق فمن الصعب بل وبكل وضوح من المستحيل أن نعتقد بكون الشر جاء للدنيا عن طريق المصادفة، والقضية كلها لا تخرج عن كونها ترتيب قدري بحت وأن الشر موجود بفعل فاعل وهذا الفاعل حكيم اختار أن يخلق الشر حتى يبرز الخير ويتعزز ويصبح الباطل جندي من جنود الحق، فمع كل محنة منحة ورؤية الناس للظلم تبغضهم فيه وتجعلهم يحبون الخير وحتى على مستوى الطبيعة نرى أنه من البركان يتولد طين صخري تتشكل به الجزر ويتحسن به وجه الطبيعة ومن المرض تتحسن مناعة الإنسان ومن المصائب يقوى عوده وتزداد خبرته ومن ألم الولادة تأتي طفلة بديعة تأخذ عقل أبيها من فرط حبه لها وتنسى أمها آلام المخاض، ومن فوضوية الملاحدة نستطيع أن نميز وضاءة المؤمن وحسن أخلاقه وإيجابيته في الحياة.



تعليقات