حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
زكريا صبح
فى روايته الأخيرة الصادرة عن دار غراب
للنشروالتوزيع عام 2019 يلعب معنا محمد صفوت لعبة فنية رائعة، حيث يصر فى لمحة تجريبية
جريئة وشجاعة أن يجعل من القارئ كاتبًا للنص ومشاركًا معه فى تحديد مصائر الشخصيات.
فى ثلاثة أقسام موزعة على اثنين وسبعين
مشهدا روائيا تسبقها توطئة للنص تحت عنوان (مفتتح ) يراوغنا صفوت بأداء سردى سهل لكنه
يمتنع أداؤه على كثيرين، يراوغنا براويه العليم المشارك الذى يختبئ بين الأبطال بل
ويختبئ بين طيات ملابسهم وفى أماكنهم ولحظاتهم الحميمة، وخلال هذه المراوغة وبينما
ننشغل نحن لنكتشف هذا الراوى ومن عساه يكون تتسلل إلينا الحكاية البديعة.
"سلمى" تتعرف إلى شادى فى غربة
عن وطنهم الأم الأولى لفظها الوطن لثوريتها، والثانى لفظه الوطن لثوريته العلمية وتفوقه
الذى لا تحتمل بيروقراطية هذا البلد وجوده على أرضها وتحت سمائه، يتعرفان فى لحظة تنحى
مبارك بنظامه الذى فسد وتقررسلمى أن تعود أدراجها، حيث حلمها بالحرية قاب قوسين أو
أدنى ثم يلحق بها شادى الذى أحب فيها ثوريتها وإيمانها بقضيتها، وعندما عادا تربص بهما
الوطن متمثلا فى حازم الشناوى ضابط أمن الدولة الذى أذاق سلمى فيما سبق مرارة التعذيب،
وها هو الآن يغتصبها من جديد أمام حبيبها شادى الذى لم يجد مفرا إلا أن ينتحر فى ميدان
الثورة، ونحن لسنا بحاجة إلى تفكيك كل رموز العمل لأن القارئ سيفقد لذة تأويل الرمز
الطاغى والواضح الذى كتبت به هذه الرواية، فأبطال العمل فى ورطة دائما لأن راويهم تركهم لتحديد مصائرهم بأنفسهم،
فما بالك إذا تدخل القارئ ليشارك الأبطال تحديد النهاية.
فى لغة عذبة سهلة سلسة لا تحتاح إلى قاموس
ولم تلجأ إلى غريب القول أو اللفظ سيمضى القارئ إلى شاطئ النهاية بسلام بعد أن يكون
محمد صفوت قد مرر فكرته البانورامية الناظرة من على ما يحدث فى الوطن العربى الذى اختار
سوريا لتكون نموذجا من بلدانه واختار نزار ليكون ممثلا لبلد ثائر.
تمضى الرواية بأبطالها لا يعرفون كيف ستكون النهاية لأنهم تمردوا على الراوى العليم الذى كشف خبييئتهم، فقرروا أن يتمردوا عليه تماما كما تمردت الشعوب على حكامهم فتاهوا فى طرق شتى وضروب كثيرة، لتكون الرمزية بطل رئيس فى الرواية والقارى سيلاحظ كل لحظة كم هى رمزية فى مجملها.
تأتي أسماء الشخصيات أيضا محملة بالرمزية، فشادى ذلك الشاب العالم الذى يريد أن يشدو لوطنه، كما تعلم يريد له التقدم والنهوض والرقى، وسلمى رمز الوطن المسالم الحالم بالحرية، وحازم رمز الشدة والحزم الذى يليق برجل كان يعمل ضابطا بمبنى المخابرات العامة فكان من الضرورى أن يتسم بالحزم والقوة، ولن ننسى سلطان الذى اتسم بالعنف المفرط تجاه مجتمعه، كان عنيفا عنفا ظاهريا لا يرتكن على قوة داخلية فى إشارة للإرهابى الذى يرهب مجتمعه رغم أنه ضعيف أمام امرأة فاتنة اسمها فاتن فى إشارة رمزية للفتنة.
لن ننسى أيضا رمزية الشخصيات ذوات الصفات،
ولم يذكر لها الراوى اسما، مثل عامل المصنع فى إشارة للعمال الكادحين ليل نهار، وسيدة الحمام التى لا تكتمل متعتها مع عامل المصنع المرهق والذى طحنته
الحياة فتلجأ إلى الحمام تداعب نفسها فى البانيو حتى تنتشى، وغير ذلك كثير تحتشد به
الرواية التى جنحت فى بعض فصولها إلى الواقعية السحرية االهادئة، عندما ابتدأنا بأن
هذه الأحداث كلها تحدث بعد أن تلاشى العالم الذى كان يعيش فيه الراوى، ووجد نفسه يصنع
عالما جديدا يخلق له هذه الشخصيات لأنه كان يملك الحكاية التى تبحث عمن يجسدها.
لم تسلم الرواية من بعض الهنات الفنية ولم
تخلُ من بعض الأخطاء اللغوية، كما أنها لم تنجُ من العيوب المطبعية، لكنها تبقى رواية جميلة تحفز قارئها على إعادة ترتيب أحداثها وتقرير مصائر
شخوصها.