د. محمد جاد الزغبي يكتب: ما هو السر الخفي وراء إصرار إسرائيل على التطبيع ؟!

  • أحمد عبد الله
  • السبت 05 ديسمبر 2020, 07:07 صباحا
  • 1147

 من المصائب الكبرى في بلادنا أن تكتشف مدى معرفة عدوك بك، وأنها معرفة تتجاوز حتى ما تعرفه أنت عن نفسك! 

نعم, فإسرائيل والغرب يعرفون عنا كل شئ , ونحن لم نكتف بأننا لم نعرف شيئا عنهم بالمقابل بل كانت الكارثة بأننا نجهل عن أنفسنا ما يعرفوه هم عنا ويثقون به.

ومدى معرفتهم بنا هى التى تجيب على السؤال الأزلى..

لماذا تصر إسرائيل على التطبيع مع الشعب العربي إصرارا عجيبا يتناقض تماما مع عداوتهم وحقدهم تجاه كل ما هو عربي أو إسلامى ؟!

وإذا كنا نحن العرب ــ فى أضعف أحوالنا ــ لم نستطع بل لم نحاول أن نتجاوز عداوتنا لهم وثأرنا لديهم عبر السنين , فكيف يتجاهلون ــ وهم فى مجد قوتهم ـــ هذه العداوة ويبذلون جهدا جهيدا فى التطبيع التام والسعي المحموم لكسب ود الشباب العربي تحديدا ؟!

ثم السؤال الأكثر إلغازا ..

ما سر هذا التناقض الضخم بين عداوتهم التى لا تنتهى لنا , وبين سعيهم للتطبيع بكل أنواع الفوائد والصفقات التى يقبلون ببذلها فى مقابل التطبيع ؟!

وجواب هذه الألغاز كلها فى نقطة واحدة

نقطة واحدة نستطيع جميعا أن نفهمها إن فعلنا مثلهم ودرسنا تاريخنا معهم بعمق , ودرسناهم من الداخل كما يفعلون هم معنا ..

ولا زلت أكرر ندائي الذى لا أمل منه وهو نداء كل مفكرينا الراحلين ( اعرف عدوك ) لأن معرفة العدو نصف النصر ..

السر فى هذا كله أن تكوين إسرائيل فى حد ذاتها ككيان يهودى يحمل ــ منذ نشأته ــ أسباب انهياره فى داخله ..

بمعنى أن الكيان اليهودى هو فى واقعه لا يحمل مفهوم الدولة أصلا بغض النظر عن اعترافنا بها من عدمه , وهم أنفسهم يعلمون هذا جيدا ..

فالذى فكر في إنشاء وطن قومى لليهود هو نابليون وبعد فشله تبنت بريطانيا الفكرة وكان هدفها منها كما قلنا إستغلال فقراء اليهود فى أوربا فى شئ مفيد لأن فقراء اليهود كانوا يمثلون صداعا كبيرا لأباطرة المال اليهودى الكبار ويرغبون فى الخلاص منهم بأى وسيلة ..

فجاءت فكرة بريطانيا لإستغلال فقراء اليهود فى شئ مفيد وضرب عصفورين بحجر واحد ..

يتخلصون منهم وفى نفس الوقت يستغلونهم فى زرع كيان غريب بين مصر والشام يعطل أى فكرة وحدوية بينهما تهدد مصالح الغرب

أى أنهم تعاملوا مع اليهود بنظرية إعادة تدوير القمامة والإستفادة منها بدلا من حرقها ..

واليهود قبلوا منهم ذلك وبذلوا جهدهم ليمنحوا دولتهم عمرا أطول مما هو مقدر لها عن طريق اتباع استراتيجية نافذة تعتمد على هزيمة العرب هزائم متلاحقة وبث الفرقة بينهم وبعد استقرار الهزيمة فى نفوسهم يدفعونهم لقبول سلام فعلى مبنى على تطبيع المصالح تحديدا

فالقصد من التطبيع أن يكون تطبيعا إقتصاديا وعسكريا كاملا بحيث يصبح وجود إسرائيل بين العرب وجود ضرورى لصالح الحكومات العربية وأنظمتها وبالتالى يأمن اليهود فى دولتهم أى محاولة مستقبلية لإفنائهم أو حربهم ..

ذلك أن المجتمع اليهودى نفسه كما قلنا يحمل أسباب انهياره فى داخله ولو توحد عليهم العرب ــ حتى لو توحد مصالح فقط ــ فسيجدون من داخل إسرائيل ما يعينهم على تقويضها ..

لأنها مجتمع غير متجانس حتى اليوم , تم جمعهم من أقطار شتى وضربت فيهم العنصرية الفجة والتفرقة العنيفة بين يهود الغرب ( الأشكيناز ) ويهود الشرق ( السفرديم ) ويهود الأفارقة ( الفلاشا )

هذا بخلاف أن مقومات العنصر البشري في الداخل الإسرائيلي تعانى خللا مزمنا بسبب قلة الكثافة السكانية فى مقابل تضخم الكثافة الفلسطينية وهم أصحاب الأرض

ناهيك عن شيوع الحركات الشبابية المناهضة لسياسة الحكومات الإسرائيلية التى تدعو لترك الخدمة فى الجيش الإسرائيلي وتعتبر أن فكرة الدولة اليهودية قائمة على استغلال اليهود كوقود فى حرب مصالح الدول العظمى

لذلك فإن بقاء الداخل الإسرائيلي مستقرا مرهون أصلا بعاملين لا ينفصمان ..

الأول : استمرار حالة الفوضي والضعف فى الدول العربية إقتصاديا وعسكريا وثقافيا

الثانى : إرغام الشعوب على حب الكيان الإسرائيلي وانعدام العداوة له عن طريق تكفير الشعوب بحكومات أوطانها بحيث يرون فى القدرات الإقتصادية الإسرائلية بديلا للعيش الكريم

وبالطبع لم تقصر حكوماتنا العربية المبجلة فى مسألة تكفير الشعوب بأوطانهم التى لا يجدون فيها رزقا أو بيتا أو حتى قبرا يدفنون فيه

لذلك ترقبوا فى الفترة القادمة بداية الإعلان عن مشروعات إسرائيلية صريحة تحوى فرص عمل مغرية جدا للشباب العربي


تعليقات