"الوفد الجديد".. قصة قصيرة بقلم: محمود حمدون

  • سلطان إبراهيم
  • الجمعة 04 ديسمبر 2020, 00:34 صباحا
  • 623
قصة قصيرة بقلم : محمود حمدون

قصة قصيرة بقلم : محمود حمدون

 خبر غريب تصدّر نشرات الأخبار الاليكترونية , غضّت الجرائد المطبوعة الطرف عنه فلم تشر إليه ,عن اختفاء القردة , التي كانت تتدلى من أفرع الأشجار العتيقة, تلك التي تمتد على مدد البصر على جانبي " بحر يوسف " , التي تثير فزع المارة وتقضّ مضجع السكون بلهوها السمج طوال اليوم, تلك التي تتلذذ بنزع أغطية رؤوس النساء أثناء ذهابهن وعودتهن من العمل ,اختطاف حقائب الفتيات والتلاميذ , تبول على بضاعة البائعة العجوز من الكتب والجرائد الصباحية القابعة من عقود على ناصية ميدان " بهجت ". يقول الخبر المقتضب أن " القردة " غادرت بليل مدينتنا الصغيرة إلى غير مكان محدد , اختفت كما جاءت من العدم ذات يوم , بمرور الأيام بعدما تأكدنا من غيابها .غمرتنا سعادة غامضة ممزوجة بقلق خفيّ وتلك عادة درجنا عليها منذ قرون بعيدة , ورثناها عن آبائنا وجدودنا الراحلين , أولئك الذين لم يعرفوا طعم المرح إلاّ صبيحة عيد الأضحى المبارك , فينطلقون أفوجًا لزيارة المقابر وقضاء وقت سعيد بين ذويهم الموتى. باختفاء القردة واجهنا أزمة كبيرة , إذ تساقطت أشجار الموز من ثقل ما تحمل من ثمار , سقطت على الأرض , ملأت الشوارع , مرّت أيام طالت لأسابيع , والموز يتراكم فوق بعضه حتى تجاوز في ارتفاعه أعمدة الإنارة , مبنى البريد العتيق بشارع " البوسطة ", و بدأ العطن يزحف ويتسلل ببطء حتى عمّ المدينة بكاملها , رائحة نتنة تمنع النوم , تثير الغثيان , تبعث في الأنفس كآبة فوق ما تحتمل . بدا أن الوضع صار عبثيًا , فنحيّنا المنطق خلف عقولنا وأخذنا برأي طُرح على استحياء , أن نسعى لمصالحة تاريخية مع القردة , أن نرسل وفدًا رفيع المستوى من نُخبة المدينة ومثقفيها للتفاوض حول العودة ,أن يحمل كبير الوفد هدية قيّمة في صورة شاحنة كبيرة ممتلئة عن آخرها بثمار الموز الأصفر اللون الشهي المنظر والمذاق , ذهبوا بفجر يوم بعيد . أنطلقوا يحدوهم أمل الفوز بنتيجة طيبة , لكنهم غابوا طويلًا , فاجتمعنا مرّة أخرى على قمة جبل من الموز بوسط المدينة وتشاورنا ثانية في الأمر وقررنا أن نُرسل وفدًا جديدًا , تلك المرّة بصحبة باخرة كبيرة جمعنا ثمنها من جيوب وخزائن كبار التجّار وأصحاب المناصب النافذة , ملأناها بالموز من مختلف الألوان والأحجام, تلك المرة ذهبوا ظهرًا والشمس في كبد السماء , ودّعناهم وأمل الفوز بنتيجة طيبة يملأ قلوبنا.

تعليقات