د. محمد جاد الزغبي يكتب: كيف ردّ "أبو بصير" على إسرائيل؟

  • أحمد عبد الله
  • الثلاثاء 01 ديسمبر 2020, 07:02 صباحا
  • 910


لمن لا يعرف من الصحابي الجليل عتبة بن أسيد المعروف باسم أبى بصير وصاحبه أبو جندل , فهما من خيار الصحابة , وكانا زعيمين للضعفاء والمضطهدين من قريش رغم أن أبا جندل هو الإبن الأصغر لسهيل بن عمرو رضي الله عنهم جميعا.

وكان سهيل في الجاهلية قد قيـّد ولديه عبد الله وأبو جندل حتى فر عبد الله بخدعة قام بها عند موقعة بدر وبقي أبو جندل فى الحبس , وكان أبو بصير من المستضعفين أيضا ..

وعندما جاءت صلح الحديبية كان شرط قريش أنه إن جاءهم أحد من مسلمى قريش بغير إذنهم أن يردوه , وبالفعل قام رسول الله عليه الصلاة والسلام برد أبي بصير ودعاه للصبر ..

هنا تفتق ذهن أبي بصير العبقري عن طريقة تجعل قريشا تتوسل إلى النبي عيه السلام كى يقبل أبا بصير وسائر المحبوسين ..

حيث قام بتكوين أول ( فرقة مقاومة ) فى الإسلام , وكونها مع أبو جندل والوليد بن الوليد شقيق خالد وقاموا بمهاجمة قوافل تجارة قريش بنظام حرب العصابات وكبدوهم خسائر فادحة , ولم تستطع قريش أن تشكوهم للنبي عليه السلام لأن المستضعفين لم يدخلوا فى معاهدة الهدنة بالحديبية والحكومة المسلمة فى المدينة ليست مسئولة عن أفعالهم , لأنهم من عوام الشعب وليسوا تحت سلطانها !

وبالفعل إن هى إلا شهور حتى توسلت قريش إلى النبي عليه السلام كى يكف أبا بصير وأصحابه عنهم ويدخلهم معه , واستشهد أبو بصير قبل التنفيذ والتحق الباقون بالمدينة المنورة ..



وقد سارت قصة أبو بصير أطول قصة ملهمة للمسلمين فى التاريخ , ولم يسبقها فى تاريخ العرب قبل الإسلام إلا قصة المثنى بن حارثة الشيبانى مع جنود الفرس حيث ترك قومه يعقدون معاهدة الصلح وكون مع أصحابه فرقة مقاومة ملثمة أرهقت الفرس كثيرا

وعلى نهج المثنى وأبي بصير تكونت فرق مقاومة شعبية مسلحة يقوم عليها أبطال من الشعوب المقهورة يخرجون عن إطار معاهدات الحكومات الملزمة ويحرصون على عدم كشف أنفسهم كى لا يحرجوا حكومات أوطانهم وفى نفس الوقت يأخذون حقهم من العدو

وفى صراعنا الأبدى مع إسرائيل ..

لم تتكون فقط فرق مقاومة أذاقت إسرائيل الويلات منذ عام 1935 حتى قبل تكوين الدولة , بل تكونت حركات شعبية مناهضة غير منظمة , تبدأ بفكرة بسيطة ثم تنتشر ولعل آخرها فكرة مهاجمة جنود الإحتلال بالسكاكين وقبلها فكرة انتفاضة الحجارة فى التسعينات والتى تفاعل معها العالم أجمع ولم يستطع الإعلام الغربي غسل عار حكومة رابين منها

وفى مصر لا زلنا نذكر بالخير الضابط المصري محمود نور الدين الذى استقال من جهة عمله في الثمانينات حتى لا يحرج النظام , وكوّن فرقة من جنوده الذين حاربوا معه فى أكتوبر , ثم قام بالتربص لضباط الموساد العاملين بالسفارة الإسرائيلية لقتلهم واختطافهم مستغلا بخبراته الهائلة فى مجال الرصد والتتبع , ورغم انكشاف الأمر بعد ذلك إلا أن ما فعله محمود نور الدين ورفاقه كان له أثرا رهيبا على إسرائيل والولايات المتحدة جعلهم ييئسون طويلا من محاولة تطبيع العلاقات مع مصر رغم وجود إتفاقية السلام , خاصة وأن المثير في الأمر أن عمليات محمود نور الدين كانت تتم نهارا وسط الناس وكان يلقي منهم التحية والتقدير

وفى المحاكمة تضامن معه الشارع العربي بأكمله على غرار قضية سليمان خاطر وأحمد حسن


هذه التجارب , وهذه المشاعر , وهذا التاريخ الممتد حتى اليوم لا يمكن أن تمحوه إسرائيل لمجرد أنها نجحت فى تركيع حكام التطبيع

فالأطفال فى الشوارع عندنا تدرك أن حكام العرب في واد ومواطنيهم فى واد آخر

والإسرائيليون أنفسهم يعلمون هذا جيدا , ورغم التطبيع الإماراتى المزعوم أنه تطبيع شعبي إلا أن السياح اليهود لا ينزلون دبي إلا تحت الحراسة اللصيقة فى الشوارع والفنادق

فلو كان تطبيعا شعبيا بالفعل لما أصبح تحت الحراسة المشددة , وفى يوم قريب ستدفع إسرائيل ثمن تطبيعها الإجباري ولو بالرفض والتقزز من الشعوب تجاههم ..

رضي الله عن أبي بصير وأبي جندل , ورضي الله عن كل مواطن عربي حارب التطبيع ولو بكراهية القلب ومداد القلم وكلمات اللسان

 

تعليقات