"ربما في المستقبل نعرف كيف ظهر الكون".. هيثم طلعت يكشف عن أكبر مغالطة يقع فيها الملحد
- الإثنين 25 نوفمبر 2024
الجماعات المتطرفة
«إن التجديد مقولةٌ تراثية، وليست حداثية»، كلمات قالها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال المؤتمر الدوليّ للتجديد في الفكر الإسلاميّ، والذي عقده الأزهر الشريف في يناير مطلع العام الجارى، لافتًا إلى أن التراث ليس فيه تقديس، وأن هذا ما تعلمناه من التراث وليس من الحداثة.
وغيرُ خافٍ أن فضيلة الإمام الأكبر يعني من خلال ما قرَّره في كلامه السابق أن التراث يحمل في طيَّاته العديد من العوامل التي تقودنا إلى التجديد، وبناءً عليه يمكن القول: إن التجديد يشير إلى التراث، والتراث يرشدنا إلى التجديد، فهما صنوان لا خلاف بينهما ولا تناقض، بل بينهما اتساق وتكامل.
وبنظرة فاحصة
إلى منهج الجماعات المتطرّفة في تقرير مذاهبهم الباطلة، وأفكارهم المنحرفة، نجد أن
جماعات العنف والإرهاب لم تقصِّر في اللعب بورقة التراث، كأحد أبرز الروافد لإضفاء
الشرعيّة الدينيّة والأيدولوجيّة المتطرّفة، فخرجت علينا المصطلحات المسافرة من
أعماق كتب التراث مثل: "دار السِّلم، ودار الحرب، والوالي، والخليفة،
والبيعة، والحسبة...إلخ"، ولم يقف الأمر عند ذلك؛ بل امتد الأمر إلى الحالة
الاقتصاديّة لنجد عند تنظيم "داعش" الإرهابيّ عملة جديدة قديمة هي
(الدينار والدرهم)، في محاولة لاستجلاب الماضي، بكافة صوره وأشكاله حتى في أنماط
الحياة الطبيعيّة وإجراءتها البدائيّة.
وقد ظٌلِمَ التراث الإسلاميّ في الوقت الرَّاهن ظلمًا كبيرًا من كثيرٍ من الاتجاهات ما بين مهاجم له، غضَّ الطَّرْف عن كل ما قدَّمه التراث الإسلاميّ للإنسانيّة وحضارتها، وما بين بُغاة متطرفين جنوا عليه أبشع جناية، وصوَّروا التراث كوحشٍ له أنيابٌ، تقطّر منه دماء الأبرياء، وهما اتجاهان بينهما من التناقض كما بين المشرق والمغرب، ومن ثمَّ يصلح أن يكون كل واحدٍ منهما ردَّة فعل للآخر.
في هذا المعترك، قام الأزهر الشريف بدوره المنوط به، سالكًا منهج الوسطيّة والاعتدال فلا يميل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وقد عزم المرصد أن يخوض غمار هذه الساحة العلميّة، فيكشف جناية هؤلاء المتطرفين على التراث واستغلالهم له، ما أدّى إلى تصوير الإسلام في غير صورته الحقيقيّة، كما يود المرصد الإشارة إلى أن بعض كتب التراث التي اعتمد عليها المتطرفون في التنظير لفكرهم المنحرف، هي ذات الكتب التي سنعتمد عليها في تبرئة ساحة الفكر والتراث الإسلاميّ من ناحية، والتدليل على أن التراث يقودنا إلى التجديد من ناحية أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن التراث كلمة عامة تحوي الغثَّ والثمين، فداخل كلمة التراث ستجد كتبًا ونظرياتٍ لبعض الكتبة تخالف السواد الأعظم لعلماء أهل السّنة، والذي يعنينا من كل ما سبق هو تراث أهل السّنة والجماعة، إذ هو الذي يحقّق مصلحة الشرع، ولا يهمل العقل، بل يجمع بين المنقول والمعقول في صورة منضبطة، تقدم الإسلام في شكله اللّائق، بعيدًا عن تعصب المتطرفين، وتهاون المفرطين.
كما أن التنظيمات المتطرّفة تتوسع بشكل عامٍ في استخدام كلمة التراث، فتراهم يجعلون من كلام الإرهابيّين كأبي بكر البغدادي (قائد التنظيم السابق) وأبي الحسن المهاجر(المتحدث السَّابق باسم التنظيم) تراثًا علميًّا لهم، وهذا لا يتوافق مع العمق التاريخي لكلمة تُراث.
وفى بيان أورده مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، قال إنه من خلال تتبّع بعض المقالات لتنظيم "داعش" الإرهابيّ، لاحظ العديد من الأمور المتعلقة بتعامل التنظيم مع التراث، ومن ذلك: عدم المنهجية العلميّة في التعامل مع التراث، وحرص تنظيم داعش الإرهابي –كمثال- على تأويل نصوص التراث من بعض الكتب المعتبرة؛ لإضفاء الشّرعيّة الدينيّة على أفعالهم الإجراميّة، إضافة إلى الفهم الخاطئ لنصوص التراث، وتطويعها لخدمة أهدافهم الخبيثة، وكذلك اقتطاع النصوص من سياقها واستغلالها في رسم صورة ذهنية مجتزأة، وأيضًاا ستغلال الاختلاف الفقهيّ لصالح التنظيم، مع اختيار الترجيحات التي تتوافق مع أيدولوجيّته المتطرفة، وأخيرًا التناقض والانتقاء.
كل هذه
الأساليب ظهرت
في تعامل هذا التنظيم الإرهابي مع كتب التراث؛ نظرًا لعدم الدراسة الكافية والفهم
المتكامل للتراث وطرق الاستفادة منه، والجهل بما يتميز به التراث من خصائص،
بالإضافة إلى صنع تراث محدّد خاص بالتنظيم، يقدمون فيه ما يشاءون من كتب وعلماء،
ويؤخرون فيه ما يشاءون، كل هذه الأسباب وغيرها دفعت إلى تشويه التراث، وإخراجه
بهذه الصورة الوحشيّة التي ظهرت في الخطاب المتطرّف.
وبين مرصد الأزهر فى بيانه، طرق الإفساد والتضليل التي تنتهجها الجماعات المتطرفة، حيث يأتى فى مقدمتها عدم المنهجية العلميّة في التعامل مع التراث.
وأوضح المرصد أن عدم المنهجية، يتضح في عدّة نقاط، أولها: عدم معرفة حدود التراث:
فتراهم يجعلون من أي كلام لقاداتهم أحياء كانوا أو أمواتًا،
تراثًا يستخدمونه، وينشئون عليه أحكامًا، وهذا ينافي مفهوم كلمة تراث، والذي لا
ينطبق في الاستخدام العلميّ إلا على ما قبل 100 عام، هذا بالنسبة للحدود
الزمانيّة، أما الحدود الموضوعيّة فإن التراث العربيّ والإسلاميّ لا يقتصر على ما
هو دينيّ فقط، بل يمتد ليشمل جزءًا مهمًا مما تركه المسلمون الأوائل من مؤلفات
تتعلق بالفلسفة والطب، والكيمياء، والرياضة، والحضارة ..إلخ، كل هذه الجوانب لا
توجد عند التنظيمات المتطرّفة، ولا يعرفون عنها شيئـًا، أو لم يتطرقوا إلى شيء
منها.
كما نجدهم
يضربون خطوطًا حمراء على شخصيات ضاربة في عمق التراث، لهم ثقلهم العلميّ، واتزانهم
في الجمع بين المعقول والمنقول، مثل أبي حامد الغزالي (ت 505هـ)، وهؤلاء لا تكاد
تجد لهم كلمة في إصدرات تنظيم "داعش" الإرهابي سواء أكانت مرئيّة أم
مقروءة، مما يدل على جهلهم بالمنهجية العلميّة والدلالات المعرفيّة لكلمة تراث.
وتابع المرصد: إذن كلمة التراث عند الجماعات المتطرّفة كلمة لا حدود لها، لا زمانًا ولا مكانًا ولا أشخاصًا، بل يقصدون فقط ما يحقّق أغراضهم، ويضمن المكاسب لتنظيمهم، ومعلوم أن المنهج يُقصد به طريق واضح ومحدّد في التعامل من خلال طرق وآليات واضحة، وليس هذا التخبط والجهل الذي تمارسه جماعات العنف والتطرّف من المنهج العلميّ في شيء.
كما أن "غضّ النظر عن السياق التاريخيّ"، هو أيضًا أحد الدلالات التى تؤكد عدم المنهجية العلميّة في التعامل مع التراث، وهذه إحدى المشكلات الكبرى في التعامل مع التراث من قبل تيارين متناقضين، فبعضهم يجعل السياق التاريخيّ معولَ هدمٍ لكل الموروث، فيرده جملةً وتفصيلًا تحت دعوى أنه لا يتناسب مع العصر، بينما تجهل الجماعات المتطرّفة، أو تتجاهل تمامًا السياقَ التاريخيّ، وظروف العصر التي ولدت فيها بعض المقولات التراثيّة، أو المسائل الفقهيّة، فيجرونها إلى واقعنا المعاصر، ويحاولون تطبيقها بحذافيرها كما كان في الماضي.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك: "قضية الخلافة" والتي يريدون أن يجروها بكل تفاصيلها من عمق الماضي إلى الحاضر، دون النظر إلى السياق التاريخيّ والتغير الكبير في أشكال الدول، وهو الأمر الذي لا نرى فيه فيه أية غضاضةً، طالما أنها دولة مواطنة وتعايش سلميّ، ويتحقّق في ظلها مقاصد الشرع في حفظ أرواح الناس وأديانهم وأموالهم وأعراضهم، حسب المرصد.