أحمد الفولي يكتب: وداعًا سعيد حماد.. داعية التوحيد في أدغال إفريقيا

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 02 نوفمبر 2020, 09:07 صباحا
  • 3843

كم كنت أحبّه.. وأحب مجالسته -رحمه الله وطيّب الله ثراه-.

وكنت كلما جالسته، ارتفعت همّتي، بل واحتقرتُ هذه الدنيا -والله-.


لم يكن المهندس سعيد حماد -رحمه الله-، ممن فتنتهم المناصب، فقد كان وكيل وزارة الاتصالات في مصر، وسافر في الكثير من بلاد العالم -بطبيعة عمله- إلا أنه فكّر في استخدام سفره هذا، في الدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالى.

كانت طريقة تفكيره بعيدة تمامًا عن طريقة تفكير أقرانه الشباب، الذين استفادوا من رحلاتهم بأعمال تجارية، أو سياحية، أو ارتباط بزوجة أجنبية، أو غير ذلك.


كنتٌ ألمح فيه، ذكاءً عجيبًا، وعبقرية قلّ أن تجد لها مثيلا..

ولك أن تتخيل، أن ضابطًا مهندسًا، في منصب مرموق، ويمثّل دولة كبرى بحجم مصر في العديد من الرحلات والمؤتمرات، يحفظ القرآن الكريم، بقراءاته العشر، ويحفظ كتب السنن، وفي نفس الوقت يجيد التحدث بـ7 لغات.

فهو حتى في مؤتمراته، وأعماله المهمة، رجل من أهل القرآن، يرتل القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار.


ذات يوم، زرته في مكتبه في الإسكندرية، فشرح لي بداية دعوته -وكانت البداية في أميركا وليست في إفريقيا-، ثم شرح له خطته المستقبلية، بعد أن وصل عدد من دخلوا في الإسلام بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بجهود فريق العمل عنده إلى 150 ألف تقريبًا.

كان يشرح خطة العمل للمستقبل بجرأة شديدة، وقوة لم أرها في الشباب، فقد كان -رحمه الله- ذو همة عالية.


استضفته عشرات المرات في حلقات تليفزيونية، يوثّق من خلالها رحلاته، ودخول الناس على يديه في الإسلام أفواجًا.


كم كنتُ أقول في نفسي دائمًا عندما أجالسه: فقدان هذا الرجل العبقري مصيبة، وموت العلماء مصيبة، قال الله سبحانه وتعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} (الرعد:41)، قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها، وكذا قال مجاهد: هو موت العلماء.


في السنوات الأخيرة، لم يكن الشيخ -رحمه الله- قادرًا على السفر للقاهرة، فكان يكتفي ببعض المداخلات التليفزيونية عبر الهاتف، وكنت في كل مرة يدخل فيها الشيخ معنا عبر الهاتف، أسمع كلامًا عظيمًا جديدًا.


لم يكن المهندس سعيد حماد، داعية تقليدي، يكرر كلامه ودروسه إلى أن يملّ الناس، رغم كبر سنّه، بل كان من المبدعين -حقيقة- رحمه الله.


وكان رحمه الله، لا يخاف في الله لومة لائم.. فيُحذّر من إيران وعملائها في عقر دارهم.


ويحّذر من أطماع الصهاينة في القارة السمراء ليل نهار.


وكان -رحمه الله- عفيًفًا أمينًا، لم تغيره الدنيا، ومناصبها، ولا شهواتها.


وكم كان يؤلمه تحوّل الدعاة، وتنازلهم عن عفّتهم وأمانتهم، لا سيما الدعاة الذين سافروا إلى إفريقيا، ثم تحولت دعوتهم إلى تجارة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


موت المهندس سعيد حمّاد فاجعة.. أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته.. وأن يجمعنا به بصحبة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

تعليقات