نهال قويسني تكتب: قراءة في رواية عتبات الجنة للأديب فتحي إمبابي

  • أحمد عبد الله
  • الثلاثاء 27 أكتوبر 2020, 00:14 صباحا
  • 1208

ملحمة مصرية


قراءة في رواية عتبات الجنة للأديب الكبير الأستاذ/ فتحي أمبابي


رواية عتبات الجنة للأستاذ فتحي امبابي ليست رواية تاريخية بالمعني التقليدي للكلمة..وهي ليست أيضا رواية من نسج خيال الكاتب حرفيا، من حيث الشخوص والابطال والأماكن والأحداث. 


الرواية عمل أدبي مزج بكل حرفية وصدق، الوجدان الوطني للكاتب بقراءته للتاريخ وتحقيقه لأحداث حقيقية وقعت بالفعل في تاريخ مصر الحديث، بشخوصها الحقيقيين وأحداثها المحققة والموثقة، ليجعل منها إطارا لطرح أفكاره ومشاعره الوطنية. 


الرواية تناولت الثورة العرابية بأحداثها وشخصياتها الحقيقية، كإطار لإلقاء الضوء من خلاله علي بزوغ نجم الوطنية المصرية، وارهاصاتها الأولي في عقول ووجدان المصريين.

واتخذت من نهايات الثورة والعقاب المقنع(بتشديد النون) لمن شاركوا فيها، بداية لرحلة إلي منابع النيل في الكونجو واثيوبيا وصولا الي إقليم الهضبة الاستوائية. حملة مصرية تم إرسالها الي هذه المناطق تحت شعار توصيل  المؤن إلي المديريات التي عمرها المصريون بالزراعة والخدمات الصحية والتعليمية لأهالي تلك المناطق. بالإضافة إلي دراسة طوبوغرافية وطبيعة وأعماق منابع النهر العظيم في هذه المنطقة عن طريق فنيين متخصصين في المساحة.

شكل من أشكال النفي والتخلص من هؤلاء الأفراد  الذين يحملون في عقولهم وبين جنبات أنفسهم بذور ثورية وإرهاصات الوطنية المصرية، في ظل ظروف تاريخية لم تكن تسمح لهم بغرس هذه الأفكار في تراب الوطن.

سمح للمنفيين بإصطحاب عائلاتهم لمن أراد. ومن هنا جاءت مساحة الخيال وفرصة الإبداع للمؤلف، فقد شرع في رسم شخصيات خيالية نسجها بصورة متداخلة وحرفية عالية مع الشخصيات الأساسية ببراعة لا تخطئها عين القارئ. غزل هذا النسيج بحنكة، ثم ضفره بوقائع تاريخية محققة تجعل من يطالع العمل يتساءل أين الواقع واين الخيال. وإن إستمتع بتلك الرحلة العقلية والفكرية والعاطفية، التي سبحت به في أجواء من عوالم سحرية، إختلطت فيها الأحداث بالأشخاص في وصف بديع ودقيق لجغرافية مسار الرحلة والإبحار في النهر العظيم. 


النيل، ذلك النهر الخالد الذي لا يعلم كثير من المصريين شيئا عن منابعه، ولا يعرفون رحلته التي يقطعها طويلا في ظروف ليست دائما سلسة ومواتية، ليصب في أراضيهم وشرايبنهم، ويشكل حياتهم ويربطهم به ارتباطهم بالحياة ذاتها. 

أخذنا الكاتب في رحلة جغرافية حقيقية، وجدانية خرافية في مجري النيل. ولا يمكنك أن تغفل إحساسك بجريان هذا النهر مجري الدم في العروق. وقد نجح الكاتب في نقل هذا الإحساس ببراعة سحرية، رغم الأحداث والمصاعب والتحديات اللامتناهية، وتفاعل الشخصيات بأفكارها ومفاهيمها والنوازع التي تنتابها.

 

ومن الناحية الأدبية، تجلي إبداع الكاتب في وصف بالغ الدقة  لكل تفاصيل الحياة والكائنات والأماكن التي شهدت أحداث الرواية. وصف يجعلك تتماهي مع الأحداث والمشاعر، ويحملك إلي عوالم خيالية تستشعر فيها نبض الأماكن، وكأنك موجود بها. 


ثم تتجلي امامك  تلك الموهبة الحقيقية في وصف المشاعر الإنسانية لمختلف الشخصيات، رجالا ونساءا، لتبلغ قمة الإبداع الأدبي في الوصف ورسم الشخصيات، ومشاعرها وسماتها العاطفية والعقلية. فلا يمكنك ان تمر مر الكرام في قراءتك لشخصية مثل حواش منتصر، فتتساءل ان كان هذا الرجل قد عاش فعلا وتصرف وتعامل بهذه الطريقة الفذة الاستثنائية فتجاوز كل الحدود، وتخطي كل العقبات. 

وحدث ولا حرج عن القدرة الفائقة علي رسم شخصيات مثل امين بك أو الصيدلاني اليهودي والشيخ الازهري، وكثير غيرهم من شخصيات الرواية، التي قد يضيق المقام هنا بالحديث عنها جميعا. 

كما لا يمكنك أن تغفل البراعة والحنكة في رسم شخصية مثل الآنسة إنجي، تلك الشابة القبطية التي لم تكد تفارق أعتاب المراهقة بعد، وغرامها بالضابط المسلم الشاب الذي ألقت به الأحداث في طريقها، وتفاعل العواطف مع المشاعر الدينية داخل وجدانها، وتأثير كل ذلك علي سلوكها وتصرفاتها. 


وتبهرك تلك القدرة الفائقة، حتي تقطع انفاسك، علي وصف الاماكن بتفاصيلها وطبيعتها، وما يجري فيها من أحداث تتشابك وتتماهي وتتداخل، لتخلق عالما سرمديا سحريا، يحمل القارئ علي أجنحة متعة المطالعة ويسيح به في عالم الخيال، فيحرك عقله ومشاعره حتي يتساءل عن كنه هذا الذي بين يديه، اهو حلم أم حقيقة؟ 


ولن يخفي علي من يطالع هذا العمل أن مؤلفه يكتب بوجدانه..تكاد تسمع نبضات قلبه بين السطور، وتري دماءه وقد تحولت لمداد الصدق، تسطع في اختيار الكلمات،  وتبزغ قمة الإحساس الإنساني والوعي العقلي في الصياغة الأدبية والوصف السردي للأحداث والشخصيات والأماكن.


انت في النهاية أمام عمل استثنائي.. بكافة المقاييس..عمل ينبهك ان هناك الكثير الذي مازلت تجهله.. ينبهك انك لم تقرأ تاريخ هذه الأمة جيدا..عمل يوقظ روحك لتستفيق من غفلتها، وتدرك كينونتها وعظمة وجودها، وشموخ أبناءها الذين عشقوا ترابها وجادوا بأرواحهم ودمائهم عن طيب خاطر من أجل رفعتها وعزتها. 


انت في النهاية، عزيزي القارئ، امام متعة عقلية مؤكدة..عمل أدبي وطني تاريخي إنساني رفيع المستوي. يرقي في طرحه وصياغته إلي قمة الإبداع والحرفية والصدق. عمل يجبرك علي احترامه حتي لو اختلفت معه..عمل يقيلك من عثرتك ويستفز عقلك لتتفكر  وتفهم وتعي مدي عراقة وأصالة هذه الأمة..وما هو المعني الحقيقي للوطنية. 


عمل لا بد أن يقرأه كل مصري ليعي تاريخه ويفهم حاضره ويثبت به دعائم وجدانه الوطني.ملحمة مصرية


قراءة في رواية عتبات الجنة للأديب الكبير الأستاذ/ فتحي أمبابي


رواية عتبات الجنة للأستاذ فتحي امبابي ليست رواية تاريخية بالمعني التقليدي للكلمة..وهي ليست أيضا رواية من نسج خيال الكاتب حرفيا، من حيث الشخوص والابطال والأماكن والأحداث. 


الرواية عمل أدبي مزج بكل حرفية وصدق، الوجدان الوطني للكاتب بقراءته للتاريخ وتحقيقه لأحداث حقيقية وقعت بالفعل في تاريخ مصر الحديث، بشخوصها الحقيقيين وأحداثها المحققة والموثقة، ليجعل منها إطارا لطرح أفكاره ومشاعره الوطنية. 


الرواية تناولت الثورة العرابية بأحداثها وشخصياتها الحقيقية، كإطار لإلقاء الضوء من خلاله علي بزوغ نجم الوطنية المصرية، وارهاصاتها الأولي في عقول ووجدان المصريين.

واتخذت من نهايات الثورة والعقاب المقنع(بتشديد النون) لمن شاركوا فيها، بداية لرحلة إلي منابع النيل في الكونجو واثيوبيا وصولا الي إقليم الهضبة الاستوائية. حملة مصرية تم إرسالها الي هذه المناطق تحت شعار توصيل  المؤن إلي المديريات التي عمرها المصريون بالزراعة والخدمات الصحية والتعليمية لأهالي تلك المناطق. بالإضافة إلي دراسة طوبوغرافية وطبيعة وأعماق منابع النهر العظيم في هذه المنطقة عن طريق فنيين متخصصين في المساحة.

شكل من أشكال النفي والتخلص من هؤلاء الأفراد  الذين يحملون في عقولهم وبين جنبات أنفسهم بذور ثورية وإرهاصات الوطنية المصرية، في ظل ظروف تاريخية لم تكن تسمح لهم بغرس هذه الأفكار في تراب الوطن.

سمح للمنفيين بإصطحاب عائلاتهم لمن أراد. ومن هنا جاءت مساحة الخيال وفرصة الإبداع للمؤلف، فقد شرع في رسم شخصيات خيالية نسجها بصورة متداخلة وحرفية عالية مع الشخصيات الأساسية ببراعة لا تخطئها عين القارئ. غزل هذا النسيج بحنكة، ثم ضفره بوقائع تاريخية محققة تجعل من يطالع العمل يتساءل أين الواقع واين الخيال. وإن إستمتع بتلك الرحلة العقلية والفكرية والعاطفية، التي سبحت به في أجواء من عوالم سحرية، إختلطت فيها الأحداث بالأشخاص في وصف بديع ودقيق لجغرافية مسار الرحلة والإبحار في النهر العظيم. 


النيل، ذلك النهر الخالد الذي لا يعلم كثير من المصريين شيئا عن منابعه، ولا يعرفون رحلته التي يقطعها طويلا في ظروف ليست دائما سلسة ومواتية، ليصب في أراضيهم وشرايبنهم، ويشكل حياتهم ويربطهم به ارتباطهم بالحياة ذاتها. 

أخذنا الكاتب في رحلة جغرافية حقيقية، وجدانية خرافية في مجري النيل. ولا يمكنك أن تغفل إحساسك بجريان هذا النهر مجري الدم في العروق. وقد نجح الكاتب في نقل هذا الإحساس ببراعة سحرية، رغم الأحداث والمصاعب والتحديات اللامتناهية، وتفاعل الشخصيات بأفكارها ومفاهيمها والنوازع التي تنتابها.

 

ومن الناحية الأدبية، تجلي إبداع الكاتب في وصف بالغ الدقة  لكل تفاصيل الحياة والكائنات والأماكن التي شهدت أحداث الرواية. وصف يجعلك تتماهي مع الأحداث والمشاعر، ويحملك إلي عوالم خيالية تستشعر فيها نبض الأماكن، وكأنك موجود بها. 


ثم تتجلي امامك  تلك الموهبة الحقيقية في وصف المشاعر الإنسانية لمختلف الشخصيات، رجالا ونساءا، لتبلغ قمة الإبداع الأدبي في الوصف ورسم الشخصيات، ومشاعرها وسماتها العاطفية والعقلية. فلا يمكنك ان تمر مر الكرام في قراءتك لشخصية مثل حواش منتصر، فتتساءل ان كان هذا الرجل قد عاش فعلا وتصرف وتعامل بهذه الطريقة الفذة الاستثنائية فتجاوز كل الحدود، وتخطي كل العقبات. 

وحدث ولا حرج عن القدرة الفائقة علي رسم شخصيات مثل امين بك أو الصيدلاني اليهودي والشيخ الازهري، وكثير غيرهم من شخصيات الرواية، التي قد يضيق المقام هنا بالحديث عنها جميعا. 

كما لا يمكنك أن تغفل البراعة والحنكة في رسم شخصية مثل الآنسة إنجي، تلك الشابة القبطية التي لم تكد تفارق أعتاب المراهقة بعد، وغرامها بالضابط المسلم الشاب الذي ألقت به الأحداث في طريقها، وتفاعل العواطف مع المشاعر الدينية داخل وجدانها، وتأثير كل ذلك علي سلوكها وتصرفاتها. 


وتبهرك تلك القدرة الفائقة، حتي تقطع انفاسك، علي وصف الاماكن بتفاصيلها وطبيعتها، وما يجري فيها من أحداث تتشابك وتتماهي وتتداخل، لتخلق عالما سرمديا سحريا، يحمل القارئ علي أجنحة متعة المطالعة ويسيح به في عالم الخيال، فيحرك عقله ومشاعره حتي يتساءل عن كنه هذا الذي بين يديه، اهو حلم أم حقيقة؟ 


ولن يخفي علي من يطالع هذا العمل أن مؤلفه يكتب بوجدانه..تكاد تسمع نبضات قلبه بين السطور، وتري دماءه وقد تحولت لمداد الصدق، تسطع في اختيار الكلمات،  وتبزغ قمة الإحساس الإنساني والوعي العقلي في الصياغة الأدبية والوصف السردي للأحداث والشخصيات والأماكن.


انت في النهاية أمام عمل استثنائي.. بكافة المقاييس..عمل ينبهك ان هناك الكثير الذي مازلت تجهله.. ينبهك انك لم تقرأ تاريخ هذه الأمة جيدا..عمل يوقظ روحك لتستفيق من غفلتها، وتدرك كينونتها وعظمة وجودها، وشموخ أبناءها الذين عشقوا ترابها وجادوا بأرواحهم ودمائهم عن طيب خاطر من أجل رفعتها وعزتها. 


أنت في النهاية، عزيزي القارئ، أمام متعة عقلية مؤكدة..عمل أدبي وطني تاريخي إنساني رفيع المستوي. يرقي في طرحه وصياغته إلي قمة الإبداع والحرفية والصدق. عمل يجبرك علي احترامه حتي لو اختلفت معه..عمل يقيلك من عثرتك ويستفز عقلك لتتفكر  وتفهم وتعي مدي عراقة وأصالة هذه الأمة..وما هو المعني الحقيقي للوطنية. 


عمل لا بد أن يقرأه كل مصري ليعي تاريخه ويفهم حاضره ويثبت به دعائم وجدانه الوطني.

تعليقات