حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
الشاعر محمود طاهر أبو الحسين
لماذا أكتب قصيدة النثر؟!
عندما نتساءل سويًّا عن ماهية الشعر.. تتجه عقولنا -تلقائيًّا- إلى التراث العربي، الموسيقى اللغوية، والمجاز الذي أكل عليه النَّظم (العمودي، والتفعيلي) وشرب حتى الثُّمالة الأسلوبية، والذي وصل إلى مراحل بعيدةٍ من التكرار في نصوص الشاعر نفسه.. ولا سِيَّما المتأثرين به، ولكننا لا ننكر إبداع النادرين (تناولًا، بلاغةً، وفكرًا) من الجهتين العروضيتين المختلفتين
بعد ممارستي لكتابة الشعر بشكليه العروضيين، تأملت المساحة الفكرية الشاسعة التي تحلق فيها الكلمات دون الارتباط بقيود الأوزان والقوافي.. واكتشفت أنها لا تتيح هذه الرحابة التعبيرية فقط، ولكن تتيح مجالًا كبيرًا لتعدد الأساليب البنيوية للنص المقروء
معادلةٌ مستحيلةٌ أن تتخلص من الأدوات الموسيقية في التعبير؛ لتكتب شعرًا ترضى عنه (كشاعرٍ) وأنت غارقٌ في البحور الخليلية التي حاصرت الوجدان المجتمعي العربي بناءً على تأصيل الثقافة والفنون من منطلقٍ تاريخيٍّ بحت
ولكن.. هل يستطيع العالم بأسره أن يعيش في ظِل حقبةٍ أدبيةٍ ممتدة؟!
الإجابة: (لا) لأن التطور سِمةٌ صحيةٌ لا غِنى عنه.. إذا أغفلناه؛ اندثر الفن الذي ننتمي إليه (كاتبًا، ناقدًا، وقارئًا) ولأن الاختلاف يساعد على مزيدٍ من الوضوح، المنافسة، الإثراء، والتأمل.. هذه بضعٌ من النتائج الإيجابية من تجربة الأدب على مر عصوره ومجتمعاته
وهذا ما يحملنا إلى ساحة المنصات الأدبية التكنولوجية والتي رسَّخت -بشكلٍ أساسيٍّ- لمفهوم أدب المُدَوَّنات بناءً على تطور وسائل التواصل والتسويق الحديث، وأرى أن قصيدة النثر تستطيع المنافسة بضراوةٍ في هذا المجال الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولكن إذا تخلص بعض كُتَّاب هذا الفن من الإلغاز الشديد (غير المفهوم، غير المُبَرَر، وغير الهادف)، واستخدموا الرمزية التي تؤدي إلى تأويلاتٍ من الممكن أن تحملها القصيدة، ولم يغفلوا مغازلة ميراث الفكر العربي بشيءٍ من الإشارة التي تحمل قيمة الامتنان إلى المجتمع الذي نشأوا في رحاب ثقافته
لذلك قررت أن أمتلك أداةً جديدةً من أدوات كتابة الشعر.. وهي (التخلص من الأدوات) كنوعٍ من أنواع التحدي الذي يهدف إلى الوصول إلى عمق الإحساس الشعري (وجدانيًّا، وفكريًّا) دون اللجوء إلى المُحسِّنات الموسيقية التي تخدع القارئ أحيانًا دون الالتفات إلى بلاغيات النص الأدبي وفكره المطروح، وهذا لا يمنعني من استخدام أدوات الشعر العروضية في قصائد ودواوين أخرى، وقد حدث بالفعل
ولأنني لا أريد أن أكون تقليديًّا في تناول هذا الموضوع الجدلي الأدبي بضرب أمثلةٍ من أدب بودلير، إليوت، أدونيس، أُنسي الحاج، سركون بولص.. وغيرهم من رواد هذا الفن الأدبي، سأختتم مقالي بنصٍ من ديواني الأخير "الإصدار الأخير للبوح" بقصيدةٍ
حَصَادُ نَبْتَة
مُذْ كُنْتُ طِفْلًا..
لَمْ أُرِد أَنْ يُنْبِتَ الزَّهْرُ مُنْ طِينَتِه
لِأَنَّنِي.. لَا أَقْتَنِعُ أَنَّ لِلوَحلِ يَدًا
فِي تَكْوِينِ العُطُور
الآنَ.. يُدهِشُنِي التَّطَوُّرُ البَشَرِيّ
فِي نَقْلِ الفَردِ:
مِنْ إِنْسَانٍ طَبِيعِيّ
إِلَى نِسْيَانٍ.. آلِيّ!!
لَا سَعَادَةَ تَدُّومُ بِهَذَا العَالَمِ
إِنْ وُجِدَتْ
عَلَيْنَا أَنْ نُغِيِّرَ ذَائِقَةَ الصِّغَارِ
تِجَاهَ الحَلْوَى
وَنُخْفِضَ صَوْتَ العَصَافِيرِ
بَعدَ كُوبِ الصَّبَاحِ المُعَنَّى.. بِنَا
وَأَلَّا نَقِيسَ المَسَافَةَ
بَيْنَ الخَيَالِ وَوَاقِعِنَا المُسْتَبِد
سَأَدَّخِرُ.. آخِرَ خُطوَةٍ لِلبَصِيرَةِ
لِتَقْذِفَ الرُّوحَ -عِنْدَ الرَّحِيلِ-
لَحظَةً.. لِلوَرَاء
لِأَصفَعَ قَلْبَ الحَقِيقَةِ
بِاِبْتِسَامَةِ فَارٍّ.. مِنَ المُعتَقَل