عمرو الجندي يكتب : إضاءة نقدية حول رواية "خطايا منسية" لـ أمنية الموجي

  • جداريات Ahmed
  • الأحد 25 أكتوبر 2020, 2:04 مساءً
  • 3637
الروائية أمنية الموجي وغلاف روايتها الجديدة

الروائية أمنية الموجي وغلاف روايتها الجديدة

مما لا شك فيه أن الكتابة الإبداعية تعتمد في الأساس على مكونات مختلفة وإلمام بكل أدوات الفن التي تؤهل المبدع إلى الخروج لنا بعمل يرتقي لأن يقرأ, ومن هذا المُنطلق فكرتُ كثيرًا مترددًا وأنا بصدد قراءة العمل الأول للكاتبة أمنية الموجي, عوضًا عن أنه عمل يُصنف بشكل كبير إلى الدراما الرومانسية الاجتماعية وهو تصنيف في الأساس لا يستهوين إن لم يكن يملك القضية والسرد المُتمكن والشُّخوص الثرية كي أتمكن من قرائته, خصوصا بعد أن امتلأت جعبة الأدب العربي والمصري خاصة بأعمال  - تدرج تحت نفس التصنيف - غير متوازنة من حيث البناء والتكوين والشخوص, وضجت المكتبات بأعمال لا تستحق أن يُطلق عليها أدبا مصنفًا كرواية من الأساس ولكن يمكن تصنيفها على أنها خاطرة أو سيرة ذاتية مهما تعددت واختلفت الأسماء.

المفارقة الغريبة في اسم العمل التي خصت به الكاتبة اسمها وهو "خطايا منسية", فكما هو معروف لدينا أن الخطايا ومهما بلغت هشاشتها لا تُنسى لأنها ببساطة المكون الأساسي لشخصياتنا وسِماتها والبرهان القائم على تغيراتنا وتطورنا الروحي, فأن يُخطيء الإنسان, فهذا شيء بديهي لكن أن يتلوث قلبه وتنأى نفسه بحمل الخطيئة فهو أمر لا مفر من العيش به دون المساس بحقيقته في الذاكرة, والأدهى استقراره بها, فكيف يرتكب الإنسان الخطيئة وأنى له أن ينسى؟!, لذلك توقفت كثيرا أمام الإسم, مفكرا قليلا قبل أن أدخل عوالم تلك المفارقة التي ضجت بها أحداث الرواية.

لن تتردد عزيزي القاريء في اقتناء رواية "خطايا منسية" الصادرة عن منشوارات إيبيدي وتصنيفها ضمن الروايات الاجتماعية التي تتناول مآسي العلاقات ومدى تداخلها وتعقيداتها وتراكيبها المدهشة, من قصة حب إلى خطيئة ومنها إلى جريمة لتكمل الرواية مسيرتها صوب وجهة أنت بنفسك ستقف أمامها عاجزا عن وضع تصور حقيقي أو حل مرض يربت على آلام الحياة وعثراتها المتكررة, لقد أعادني العمل إلى ذكريات العمل العالمي "ذهب مع الريح" للكاتبة "مارجريت ميتشل", تلك التداخلات والعلاقات المعقدة, النفس الإنسانية وما تصبو إليه من آلام رغم معرفتها مذ البداية وفطنتها به, لن أكون مبالغا إن قلت أن بطلة الرواية "حياة" في خطايا منسية تشبه بشكل كبير, "سكارليت" في ذهب مع الريح التي تهوى الحب نفسه, الأنانية المفرطة والإحساس الأنثوي الغامر بالزهو, تهوى العلاقات وتتلاعب بالقلوب, لتسقط في النهاية لأن مثل هذا النموذج من البشر غالبا ما يقع في حب الشخص الخطأ, لتنتهي رحلته بكارثة أو بضياع لا عودة منه وهكذا كانت –حياة-

رمزية الفتاة اللعوب التي تمارس العادة الأنثوية الفطرية, الحب على طريقتها الخاصة, الحب على طريقة حواء البدائية, بالإغواء والتدلل والتملك ومن ثم الهدم, أكثر ما أعجبني في هذه الشخصية القدرة الممتازة للكاتبة على رسمها بشكل واقعي تماما, بأحداث قد تمر بنا في الحياة وتستقر في الذاكرة, أو حكايات الأصدقاء, في جلسات السمر حينما ننزوي ونسرق شيئا لأنفسنا من هذا العالم ولكن حتما لا تنتهي المتعة واللهو إلا بالمعاناة.

وهكذا تروي الكاتبة الأحداث مستخدمة تقنية – الراوي المتكلم – على لسان أبطالها, مروان وحياة وداليا, لتفجر لنا مدى تداخل العلاقات وتركيباتها المعقدة ومدى هشاشة وغباء الإنسان حينما يهوى في بئر الغواية, ليتمخض في النهاية عن خطيئة لا يمكن محوها مهما طال الزمن, التنقل الخفيف والواعي والمنمق بين الفصول كان له أثرا إيجابيا, الأحداث التي تجبرك لاستكمال الحدث بعد فقدان القدرة على التصور أو الافتراض هو مربط الفرس, السر الأصلي للرواية, الانقلاب الخبيث الذي احتفظت به الكاتبة حتى صفحات النهاية كان له كبير الأثر على بنائها الروائي وانعكاسا لموهبتها لتضعك في النهاية أمام نفسك, أمام الضمير والواجب, لتترك في نفسك سؤالا, عما يجب فعله؟!, ومن يكون الجاني فعلا في دائرة لا نهائية من التحديات الأخلاقية والنفسية؟, وأنى للحياة أن تكون سخيفة إلى هذه الدرجة؟!.

الشخصية الأخرى وهو مروان, الشخصية المركبة والمعقدة التي رسمت تفاصيلها بشكل معتنى به تماما وأعتقد أن الكاتبة درست تكوينه النفسي جيدا ليخرج لنا على هذا النحو, حيا ومؤلما ومتألما أيضا, كان وجوده انعكاسا وامتدادا لحال الكثير منا, للهوس بالحب دون المقدرة على الغفران مهما مرت السنون, الغفران لنفسه أو لغيره, لتأخذنا الرواية في عقدة, من جاء أولا؟, ومن في الحقيقة يحرك الأحداث؟!, نحن أم القدر؟!, وهل نحن مجرد أدوات في يد القدر أم أننا نسلك الطريقة التي تبرهن على ما عكس ذلك؟

التورط داخل المتن السردي هو أجمل ما عاينته في الرواية وسلب انتباهي مقارنة بأنه العمل الأول لكاتبة واعدة, فالرواية في النهاية تمنحنا شيء من الطمأنينة وكثير من التساؤل ودوافع كثيرة للحزن, ويبقى في الباطن السؤال الأزلي, إن كان الحب جريمة, فمن مرتكبها الحقيقي؟!, العقل أم القلب؟! أم أن هناك خيطا رفيعا لا نراه يسحبنا إلى أسفل لنسقط دون أن ندري.

في الأخير إن جلال الحب كفظاعته, والذكر والأنثى في حرب شنها الحب ضدهما ليبقى المصير معلقا بالنزعة الأخلاقية والضمير, وكما أقول دوما, الضمير هو الواجب, فما يمنع الحب عن الواجب ؟!

تعليقات