حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
نجيب
في كتابه الماتع "تجليات مصرية: جولات في القاهرة القديمة" والذي حمل عنوانا أشمل "قصائد الحجر" يعود بنا الكاتب الراحل جمال الغيطاني لعلاقة نجيب محفوظ بحي الحسين، والذي يعني: المكان والزمان والعمر الجميل، الكلمة الوحيدة التي رددها بوضوح حتى دخوله الأبدية، وتساءل: هل يرى مشروع المزارات المحفوظية النور.. والمتحف أيضا؟
قال الغيطاني: اليوم تمر ثلاثة أعوام كاملة على رحيل نجيب محفوظ، ما أسرع مرور الزمن، وما أقدرنا على النسيان، فلا المتحف الخاص به افتتح، إنما الموجود في "بين القصرين" متحف للنسيج لا أعرف سر إقامته في هذا المكان الذي ارتبط بمحفوظ، ولا مشروع المزارات المحفوظية الذي قدمته كاملا بكافة تفاصيله إلى محافظة القاهرة خرج إلى النور، بل جرى افتتاح حديقة في مدينة نصر تحمل اسم محفوظ، وهو لم يذهب إليها إلا مرة واحدة لتناول الإفطار في منزل الحرفوش عماد العبودي.
نجيب محفوظ اكتشف القاهرة القديمة أدبيا وإنسانيا، كما اكتشف كولومبس أمريكا، في القاهرة أماكن أجمل من زقاق المدق لكن لا يعرفها احد لأن محفوظ لم يكتب عنها، إنها الركن الركين الذي كان ينطلق منه محفوظ إلى الدنيا وإلى الكون، كان يطلق على المنطقة "الحسين"،ـ كانت تربطه بمولانا وسيدنا صلة حميمة، عميقة، مثله مثل كل المصريبن الذين يتعلقون بآل البيت انطلاقا من محبة عميقة ليست ناتجة من منطلق مذهبي،
يطل على محفوظ من أفق الأبدية، لكل صحبته في الحواري التي أحبها، والأقبية التي أججت خياله، وفي روايته تحول قبو قرمز إلى رمز للصلة بين العالم المنظور والعالم الخفي. كانت القاهرة القديمة كلها ملخصة في شخص، في اسم "إنه الحسين"
لن يعرف معنى وصية محفوظ في أيامه الأخيرة أن يُصلى عليه في المشهد الحسيني إلا من عرفه عن قرب، ليس لحبه وتعلقه بسيدنا الحسين فقط ولكن باعتباره مكان فريد يقصده الناس كافة ويلوذون به من الآلام ومرارات الفقر والوحدة
بل إنه في الأيام السابقة على رحيل محفوظ بالمستشفى، كان الحضور يتداخل بالغياب، ومع ذلك كان اسمه يتكرر بوضوح ونصوع "الحسين"
ترى ماذا كان يراه عندما ينطق به؟ هل كانت تفد عليه النواحي التي أحبها وواجهات المباني والأسبلة التي تعلم فيها والأقبية التي أثارت خياله؟ ، حتى عام أربعة وتسعين كان يتردد على المكان ،يجوس به، بعد الحادثة توقف، دخل الحسين إلى منطقة الذكريات، كان ذلك بعد أن استهدف أحد الفتية عنق أديب نوبل بغرس سكين، وقد مد محفوظ قبلها يده ليصافحه!،
أمضى محفوظ ثلاثة عشر عاما في الجمالية، وهو ما يعني أنه منذ انتقلت الأسرة لمنزل آخر بالعباسية كان يشعر بما يشبه الاغتراب، فقد ظل مطل على العالم من نافذة البيت في ميدان بيت القاضي، متابعا ما يجري في الميدان، في قسم البوليس المواجه، في درب قرمز الذي لعب فيه مع أصحاب الطفولة، في حارة الكبابجي التي يقع بها الكتاب الذي تعلم فيه تمييز الحرف من الحرف .
عرف في هذا الحي خفقات القلب الأولى، وأحاسيس الانتقال من طور الطفولة إلى المراهقة ، هنا تكون، تأسست حواسه وذاكرته، لذلك لم يكن غريبا أن يردد في لحظة غيابه الاسم الحبيب إلى القلب.