د. زينب أبو سِنَّة تكتب: إضاءة نقدية لرواية «رحيمة» للكاتب «حسني خضر »

  • جداريات 2
  • الأحد 18 أكتوبر 2020, 1:58 مساءً
  • 1064
د. زينب أبو سنة

د. زينب أبو سنة

في بداية الحديث يجب أن أشير إلى أن النقد الأيديولوجي بشكل عام ليس إسقاطا دائما، وإنما يعود إلى النص الأدبي نفسه، بالعمل الأدبي لابد أن يقول شيئا، سواء أكان سياسيا أو اجتماعيا أو دينيا أو نفسيا. أما العمل الذي يعيش بين فراغه فقط، فهو عمل يخلو من قيمته الأدبية، وهنا يبدو النقد الذي ينطلق من النص الأدبي نفسه، طالما أنه ناتج من قوانينه الداخلية.

    فالعنصران النفسي والديني في رواية رحيمة سائدان، وعلى ضوء المنهج النفسي يمكن أن نفهم جوانب كثيرة أخرى وهامة فيها، لا يمكن عزلها عن بُعدها أو إطارها السياسي والاجتماعي، ولا يمكن طمس هذه الجوانب الأخرى فيها.

    نجد في الرواية أن حادثة سرقة البرتقال من الحديقة التي أغضبت الشيخ جاد الحق من تلميذه «همَّام»، كما أغضبت أمه وأباه أيضًا، الذي ظل متمسكا بتجاهل وإهمال ابنه.

    كان «همَّام» يرى في عين أبيه حزنا عميقا مؤلما وخيبة أمل لا تحتمل، كان صمت أبيه أشد وطأة عليه من سياط جلادٍ قاسٍ، لا يتطرق إلى قلبه مثقال ذرة من رحمةٍ أو شفقة، تمنى همام لو لطمه، تمنى لو طرحه أرضا، وهوى على رأسه بقدميه، لكنه لم يفعل، وهنا بيت القصيد الذي شكَّل بداية السرد لدى «همَّام»، والأزمة الحقيقية التي بُني عليها مجمل السرد في طياته.

    حرص الكاتب على البناء الفكري والنفسي للشخصية وترك لها حرية الحركة، والرواية من أولها إلى آخرها مسبوكة ومصبوغة بصبغة سياسية واجتماعية تبيِّن سطوة الحكام وضعف المحكومين البؤساء.

     تميَّز الروائي في كتابته بالإسقاط الذي جعل الرواية تحمل معنيين مختلفين، فتظهر الشخصيات والأحداث والحبكة والمعنى بمظهر سطحي، في حين أنها تحمل معاني ورموزا أكثر عمقا.

   أما لغة الرواية فهي ثرية، راقية، بليغة، والوصف عند الكاتب مُدهش، وعلى سبيل المثال: يصف فيه العلاقة بين صُفرة الصحراء وخضرة الواحة، فيقول: بين سطوة الأصفر المجدب وتمرد الأخضر النبيل، الأصفر يحتضن الأخضر، يطبق عليه، وكأنه يعتصره، والأخضر يستنفر بهاءه، يثبت ويتمرد.

    جعل الكاتب من «رحيمة» مركزًا لدائرة الأحداث، دون أن يشخصن الرواية فيها، بينما جعل من جَدِّها (الوسيط) وجبروته، قوةً مُهيمنةً على كل أحداث الرواية، وجعل من «همَّام» (الوافد) الضمير الحي الذي يعيش مأساة أزمته، والذي غاص في الأزمة التي تعيشها الواحة.

    عرض الكاتب معاني الأمانة والانتماء والولاء مقابل الخيانة التي تطل بوجهها على حاضر الواحة، كما أطلت على همام من قبل في الماضي في موطنه الأصلي الذي فرَّ منه بحثًا عن الاستقرار وإيجاد الذات.

   الجانب السياسي الوطني ظاهر بوضوح، فالمحكومون دائما هم من يدفعون ثمن خطايا من يحكمهم، بينما  يحصد القادة المنتصرون أكاليل النصر ولا ينال الجنود إلا النجاة من الموت المؤجل.

   أما من حيث استناد الكاتب إلى عنصر الاسترجاع «فلاش باك»، فلم أجد المبرر المنطقي لعنونته في فصول متعددة مستقلة قصيرة، مما أحدث نوعًا من الربكة والاتباس لدى المتلقي بفصله عن التسلسل المنطقي للأحداث، وكان يمكن للكاتب أن يتجاوز هذه الإشكالية بأن يستدعي الذكريات داخل السياق السردي المُتصل.

    رواية «رحيمة» لـ«حسني خضر» عمل إبداعي مائز بثرائها الفكري والإبداعي، ما يؤكد شخصية الكاتب وأسلوبه المتفرد.

تعليقات