"ربما في المستقبل نعرف كيف ظهر الكون".. هيثم طلعت يكشف عن أكبر مغالطة يقع فيها الملحد
- الإثنين 25 نوفمبر 2024
صورة متخيلة للخليفة الواثق
سأل الخليفة العباسي الواثق أحمد بن نصر الخذاعي: ما تقول في القرآن ؟ قال: كلام الله. قال: أفمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله، قال: أفترى ربك في القيامة؟ قال: كذا جاءت الرواية، فقال: ويحك يرى كما يرى المحدود المتجسم؟ يحويه مكان، ويحصره الناظر، أنا أكفر برب هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فقال عبد الرحمن بن إسحاق ـ وكان قاضياً على الجانب الغربي ببغداد فعزل ـ هو حلال الدم، وقال جماعة من الفقهاء كما قال. فأظهر ابن أبي داود الإيادي أنه كاره لقتله، فقال للواثق: يا أمير المؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة أو تغير عقل، يؤخر أمره. فقال الواثق: ما أراه إلا مؤدياً لكفره، قائماً بما يعتقده منه. ودعا الواثق بالصمصامة وقال: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها. ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد، وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه ومشى إليه حتى ضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد، فنصب بالجانب الشرقي أيامأً، وفي الجانب الغربي أياماً، وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا في الحبوس".
ولكي نوضح المشهد السابق نقول إنه مواجهة بين فكرين متضادين الفكر المعتزلي الذي له الواثق وقرب أهله وجعلهم في المناصب العليا في دولته وكان الواثق مطموسا على بصره وبصيرته آنذاك. وهو فكر مغموس بالفكر الإلحادي لأنه يعطل صفات الله تعالى الثابتة له في الكتاب والسنة، ويقول بخلق القرآن وهو ما يعني بالتبعية أن القرآن كسائر الخلق، خلقه الله تعالى، وأوجده من العدم، وليس قديما قدم الله تعالى، ومن ثم نفي إعجاز القرآن وفتح الباب لللتشكيك فيه، كما أن هذا المذهب يعطل صات الله تعالى وينفي عن ذاته ما نسبه لنفسه في القرآن والسنة حيث ينفون استواءه على عرشه، وينفون حقيقة اليدين و غيرها من الصفات.
فيما يمثل أحمد بن نصر الخزاعي مذهب أهل السنة والجماعة ويثبت لله الصفات التي أثبتها لنفسه في القرآن الكريم والسنة النبوية، كما أنه عارض مسألة القول بخلق القرآن بمفاسدها الكثيرة مثبتا أن القرآن كلام الله الذي لا يمكن التشكيك فيه وضحى بحياته في سبيل كلمة الحق، وبذل نفسه لله دون تردد راضيا مرضيا.
أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي المروزي ثم البغدادي جاء ذكره في كتاب سير أعلم النبلاء للذهبي أن كان جده أحد نقباء الدولة العباسية، وكان أحمد أمارا بالمعروف، قوالا بالحق. سمع من: مالك ، وحماد بن زيد ، وهشيم ، وابن عيينة . وروى قليلا، وقال عنه ابن الجنيد : سمعت يحيى بن معين يترحم عليه ، وقال : ختم الله له بالشهادة ، قد كتبت عنه ، وكان عنده مصنفات هشيم كلها ، وعن مالك أحاديث . وكان يقول عن الخليفة : ما دخل عليه من يصدقه . ثم قال يحيى : ما كان يحدث ، ويقول : لست هناك.
وفي قتله روي أنه عُلِّق في أذن أحمد بن نصر ورقة فيها: هذا رأس أحمد بن نصر ، دعاه الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن ، ونفي التشبيه ، فأبى إلا المعاندة ، فعجله الله إلى ناره . وكتب محمد بن عبد الملك . وقيل : حنق عليه الواثق لأنه ذكر للواثق حديثا ، فقال : تكذب . فقال : بل أنت تكذب . وقيل : إنه قال له : يا صبي ، ويقول في خلوته عن الواثق : فعل هذا الخنزير . ثم إن الواثق خاف من خروجه ، فقتله في شعبان سنة إحدى وثلاثين ، وكان أبيض الرأس واللحية . ونقل عن الموكل بالرأس أنه سمعه في الليل يقرأ : يس وصح أنهم أقعدوا رجلا بقصبة فكانت الريح تدير الرأس إلى القبلة ، فيديره الرجل.
والحق أن مسألة خلق القرآن وتعطيل الصفات مسألة قديمة سبق إليها الجعد بن درهم والجهم بن صفوان، الذين اتبعهم المعتزلة بعد ذلك وتصدى لأراجيفهم الخليفة هارون الرشيد لكن المأمون من بعده سحره كلامهم وأعجب بالفكر المعتزلي، واشتدت فتنة خلق القرأن في عهد المأمون حيث عزل كل قاض لا يقول بخلق القرآن ونكل بالمعارضين لهذا الرأي، وأوصى أخاه الواثق بالفرك المعتزلي من بعده وتقريب أهله، وبلغت المحنة ذروتها في عهد الواثق الذي قتل أحمد بن نصر الخزاعي السابق ذكره، وقد تصدى لهذه الأفكار الهدامة أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل الذي لاقي في سبيل ذلك رهقا شديدا وتم سجنه وجلده في وتعذيبه في عهد المعتصم، لكنه أبدا لم يتراجع عن الحق حتى أطلق المعتصم سراحه.