"ربما في المستقبل نعرف كيف ظهر الكون".. هيثم طلعت يكشف عن أكبر مغالطة يقع فيها الملحد
- الإثنين 25 نوفمبر 2024
اسطورة النحت الحاج عبد البديع عبد الحي
باختصار أنه الحاج عبد البديع عبد الحي
أسطورة النحت في مصر والعالم العربي بلا منازع ، فهو لم يكن فنانا عاديا، بل كان
فنانا معجونا من الطين الإبداع ، لم تسمح ظروف أسرته فقيرة الحال أن يكمل تعليمه،
فقد تعلم القراءة والكتابة عبر كتاب القرية، ولكن موهبته في فن النحت أعلنت عن
نفسها بقوة، منذ أن كان عمره سبع سنوات فقط ، عندما كان يرسم أقرانه بالطين، ثم
تطور الأمر وراح يصنع تماثيل صغيرة من
الطين للجنود، حيث كان يرغب في الالتحاق بالتجنيد، ولكن ظروفًا منعته، وحين سمع بمسابقة
“محمود مختار للنحت” قرر المشاركة عام 1944، وكانت المسابقة برعاية رائدة الحركة النسائية،
هدي شعراوي، وصنع عبد البديع، الذي يحمل من سمات اسمه الكثير،
تمثالًا لفتاة تمشط شعرها باستخدام عتبة باب رخامية ومبرد قديم وشاكوش، وأسماه “ست
الحسن”، وكان ينافس، وقتها، أهم النحاتين الوطنيين، فحصل تمثاله على الجائزة الأولى
في المسابقة، وهو الذي لم ينل التعليم الأكاديمي، مما لفت انتباه هدى شعراوي إليه،
التي ألحقته على الفور بدائرتها في ملّوي كطباخ، حتى ترعى موهبته.وكان اشتراكه بمسابقة
النحت يعني فوزه بالمركز الأول، ففي العام التالي حصل على الجائزة الأولى، وفي عام
1948 بنفس المسابقة نال، أيضًا، الجائزة الأولى، فقد كانت تماثيله تعبر عن واقع وأشخاص
لهم ملامح واضحة ومحددة، وتنطق بسر إبداع صانعها، فكانت لديه القدرة على تطويع الأحجار
الصلبة، وكأنها قطع عجين بين يديه، وعلى الرغم من هذه القدرة الفنية إلا أنه رفض الحصول
على منحة قدمته له “شعراوي” ليدرس النحت في إيطاليا، كما فعل مع “طه حسين” حين عرض
عليه أن يرسله ببعثة دراسية إلى فرنسا.
واشتهر الحاج عبد
البديع (و. 30 يونيو 1916 - ت. 5 يوليو 2004)، بلقب "شيخ النحاتين" و"قاهر الجرانيت"
والبازلت لتميزه وقدرته على تجسيد الجرانيت، الذي يعد أقسى أنواع الأحجار. يقول عبد
البديع عبد الحي عن نفسه: "أخذت الحجر الصلب لأنه يعيش، وصعوبة الحجر علمتني الكثير،
علمتني الاحتراس والحذر والصبر وقوة التحمل وعدم التسرع في الحياة ".
كان الحاج عبد البديع الذي إذا ما دخل مكان أو اتيليه القاهرة كان ينحي له أساتذة النحت تقديرا لموهبته وتواضعه الفذ ، لاسيما انه يأبى الشهرة والأضواء حتى أنه رفض عروض عديدة من المنح والبعثات مفضلا عنهم مرسمه الصغير في الأقصر، الذي طلب أن يلتحق به، وفي عام 1944 سمع الحاج عبد البديع عن مسابقة “محمود مختار للنحت” فقرر المشاركة، وكانت المسابقة برعاية رائدة الحركة النسائية، هدي شعراوي وصنع عبد البديع، الذي يحمل من سمات اسمه الكثير، تمثالًا لفتاة تمشط شعرها باستخدام عتبة باب رخامية ومبرد قديم وشاكوش، وأسماه “ست الحسن”، وكان ينافس، وقتها، أهم النحاتين الوطنيين، فحصل تمثاله على الجائزة الأولى في المسابقة، وهو الذي لم ينل التعليم الأكاديمي، مما لفت انتباه هدى شعراوي إليه، التي ألحقته على الفور بدائرتها في ملّوي كطباخ، حتى ترعى موهبته.
وفي عامه السابع
والعشرين، استطاعت “شعراوي” أن تلحقه بالقسم الحر بمدرسة الفنون الجميلة، حيث كان يعمل
على صنع النماذج والتحف وصب القوالب النحتية، إلى جانب قدرته على التجسيد ونحت الوجوه
والحيوانات، وإتقان التجسيد الحركي، فله تماثيل لوجوه بملامح مصرية خالصة، ومنحوتات
لسيدات عاريات، وآخريات تخبزن، وطيور، وقطط.وطوال خمسين عامًا، اشترك عبد البديع في
كثير من المعارض الفنية داخل وخارج مصر، كما حصل على منحة التفرغ منذ عام 1960 حتى
1970، وإلى جانب حصوله على جائزة مختار للنحت 3 مرات أعوام (1944- 1945- 1948)، فقد
حصل على الجائزة الأولى بمرسم الأقصر للدراسة لمدة سنتين عام 1949، والمركز الثالث
في مسابقة “الثورة في عشر سنوات” عام 1962، التي أقامتها جمعية محبي الفنون الجميلة،
ونال جائزة الدولة التشجيعية للفنون عام 1972، ووسام العلوم والفنون، كما منحته أكاديمية
الفنون “شهادة الجدارة” عام 1982، وتم تكريمه عام 2002 في الدورة السابعة لسمبوزيوم
النحت الدولي بأسوان.
في حوار صحفي أجرته
معه "فاطمة علي" في مجلة "آخر ساعة" قبل نحو عشرين عاماً، يحكي
عبد البديع عبد الحي بداياته مع الفن والنحت فيقول: "سنة 1937 طلبوني للجهادية
(الخدمة العسكرية) وكنت أحلم بأن أكون عسكري في الحربية، ولكنني لسوء حظي رسبت في الكشوف
الطبية بسبب ضعف نظري، رغم خلوي من أي عيوب خلقية، دفعني هذا الموقف لأن أتخيل كيف
تكون صورتي لو أنني أصبحت جندياً، هل كنت سأصبح طوبجي أو بيادة أو سواري (يقصد جندياً
في سلاح المدفعية أو المشاة أو الفرسان) أو الحدود، وبدأت أعمل تماثيل صغيرة لا يزيد
طولها عن عشرة سنتيمترات وكأنني أحقق
كان عمر عبد البديع وقتذاك 27 عاماً عندما ألحقته هدى شعراوي بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة عام 1943، وعن فترة دراسته يقول الفنان "ناجى كامل" إن بعض الأساتذة حاولوا تحويل عبد البديع عن نوعية الاهتمامات النحتية التي برع فيها، بتوجيهها نحو عمل تماثيل أوروبية مثل "مارى أنطوانيت" أو غيرها، غير أنه كان يفرغ طاقته المكبوتة في عمل تماثيل للموديلات أو لشخصيات مصرية، ويحكي "ناجى كامل" أن تمثال الطفل أو الصبي النوبي أنجزه عبد البديع عبد الحي في حجر بازلت انتزعه من رصيف كلية الفنون الجميلة وحوله إلى تمثال، وكذلك كان الأمر مع كثير من الأحجار المحظوظة التي انتشلها عبد البديع من الشوارع والأرصفة ليحولها إلى تماثيل أصبحت الآن من مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة.
وعن الحاج عبد البديع يقول الناقد الفني "مكرم حنين" في كتاب له بعنوان حكاية عبد البديع عبد الحي مع النحت "في عام 1945 كانت أخبار الحرب العالمية الثانية على أشدها، وقد عانت القاهرة من غارات الطائرات الألمانية والإيطالية، وانتشرت الكشافات المضيئة في سمائها تبحث عن الطائرات والمدافع المضادة تطلق داناتها، بينما يسمع في كل مكان صفارات الإنذار والشوارع تمتلئ بالجنود الذاهبين أو العائدين قبل أن يحسم "مونتجمري" موقعة العلمين في الصحراء المصرية، وكانت القاهرة تعيش في ظلام دامس بينما تدهن الشبابيك باللون الأزرق الداكن منعاً لتسرب الضوء، وكان عبد البديع يتابع في الصحف ما يحدث على الجبهات ويحس بالخطر وقد فقد أمنيته في أن يصبح جندياً، هذه الحرب أصلت الخطر والشر في بعض أعماله النحتية فيما بعد، حيث اكتشف الفنان الشاب أن العالم أكبر بكثير من أن يحتويه، وعليه أن يجسد بالرموز فكرة الشر والخطر" وهذا ما حدث فيما بعد في تمثالين له الأول هو تمثال "الثعبان والصبي" والثاني تمثال "القط والثعبان".
من أعمال الحاج عبد البديع
في العام 1950
أعاد عبد البديع عبد الحي نحت تمثال "لعبة السيجة"، فصور صبيان يجلسان القرفصاء
ويلعبان متقابلين، وبلغ عرض التمثال مترين ويعتبر هذا العمل تحفة فنية في حد ذاته،
وكان موجوداً بحديقة قصر هدى شعراوى بوسط القاهرة، وفى سنة 1951 قدم عبد البديع عبد
الحي تمثالاً آخر عجيباً لصبي يصعد سلماً ويتأبط ثعباناً ويمسك برقبته بقبضة قوية،
وحصل هذا التمثال على الميدالية الذهبية في المعرض الذي أقيم في مناسبة انعقاد أول
مؤتمر إفريقي آسيوي، ويقول عبد البديع إن هذا التمثال يرمز إلى الروتين، فالثعبان يريد
أن يقتل الصبي ولكن الصبي يحاول السيطرة عليه بقبضته القوية ويرتسم على وجهه المعاناة
في تناول يمزج بين الفطرية والأكاديمية في صورة مدهشة، ويبدو أن الثعبان تحول إلى تيمة
رئيسية لدى أعمال الفنان الراحل، حيث برز مرة أخرى في تمثال "الثعبان والقط"
عام 1970 والذي عرض في سوريا مشاركاً في مهرجان الفن التشكيلي العربي الأولى في مارس
1973، وأعجب اللواء مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري بالتمثال فسارع عبد البديع بإهدائه
إلى وزارة الدفاع السورية، فأمر اللواء طلاس بإهداء عبد البديع مسدساً أسبانياً وخمسين
طلقة وعباءة تاريخية، وهي الهدية التي تسلمها عبد البديع في مصر في أبريل 1973 عن طريق
المخابرات المصرية، عن هذا المسدس الأسباني كان الراحل يحكي لنا في جلساتنا حوله كل
مساء، وكيف كان تجديد رخصته مشكلة سنوية تواجهه، رغم عدم استعماله له، بل إنه نزع منه
إبرة التفجير، وكأنه لا يدري أنه سيأتي يوم سيندم فيه على إهماله هذا المسدس، وأنه
سيموت بطعنات لصين فاجرين لم يرحما شيخوخته وكهولته!
في المرسم
تزوج الفنان الراحل من السيدة ملك عام 1950 وأنجب ثلاثة أبناء، ولدين وبنت، أحد الولدين أصبح فناناً معروفاً وهو أصغرهم ويدعى شريف، الذي أصبح معيداً بقسم النحت بالفنون الجميلة، والأوسط يعمل بوزارة الخارجية وهو "منتصر" والابنة المحامية أكبرهم "هدى" (سمَّاها الراحل على اسم راعيته الأولى ومكتشفة موهبته الفنية "هدى شعراوي")، واتخذ الفنان من زوجته موديلاً له في أغلب أعماله النحتية عن الموديل العاري، وأنجز مجموعة كبيرة من التماثيل النادرة بأحجام مختلفة صغيرة أحياناً، وأحياناً عن الحجم الطبيعي، وأكبر من الطبيعي أحياناً أخرى،
قول الناقد
"صبحي الشاروني" في رسالته للماجستير عام 1979 جامعاً بين الفنانين
"محمود موسى" و"عبد البديع عبد الحي" برؤية مقارنة: "إن أعظم
ما يميز هذين الفنانين هو احترامهما للخامة وعمق إحساسهما بها، حتى ليشعر المشاهد بمدى
حبهما لهذه الخامات وتفاعلهما معها فيما يشبه العشق، وقد كان احترام الخامة والاستفادة
من إمكانياتها الذاتية من مميزات فن النحت في مصر على مدى العصور، ولكن عبد البديع
يختلف عن محمود موسى بميله إلى صناعة التماثيل الرشيقة المرتفعة، إنه ينظر إلى الحجر
باعتباره كتلة تعاند الفراغ الذي حولها وتجرى حواراً معه، أما محمود موسى فتماثيله
مكورة، إنه ينظر إلى الحجر باعتباره كتلة تحتمي من الفراغ، فلا يزيد ارتفاع تماثيله
عن عرضها إلا قليلاً، وعبد البديع لا يحس أن تمثاله قد اكتمل إلا إذا صقله وجعله لامعاً،
فالخامة عنده لا يظهر جمالها ولا تفصح عن مفاتنها إلا إذا صقلت صقلاً جيداً، بينما
يميل محمود موسى إلى تكوين تمثاله بالتباين بين الأجزاء المصقولة وتلك التي يتركها
خشنة بتأثير ضربات الأزميل، فهو يعتبر الأجزاء المصقولة وتلك اللامعة هي إمكانية في
فنه تضيف نوعاً من التلوين الطبيعي الثابت إلى تماثيله".
عبد البديع عبد
الحي، من كان يتخيل أن تموت هذه الميتة، مقتولاً بطعنات لصين اقتحما منزلك الفقير في
الليل ليسرقا معدات نحت ويبيعاها بـ 63 جنيه، يرحمك الله، ويلعن قاتليك الذين لم يرأفا
بسنواتك الثمانية والثمانين.