نهال القويسني تكتب: حول "صدي الأيام الغامض" للكاتب خليل الزيني

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 05 أكتوبر 2020, 3:50 مساءً
  • 627


هي ليست المرة الأولي التي أقرأ فيها عملا للاستاذ خليل الزيني، فقد سبق أن قرأت له رواية "وشم الأيام" وقدمت رؤية نقدية لها. والعجيب انني حين شرعت في مطالعة روايته الجديدة "صدي الأيام الغامض" شعرت انني أقرأ لشخص آخر، سواء من ناحية اسلوب السرد او استخدام اللغة أو من حيث زاوية الطرح والرؤية، وإن ظل أساس الفكر واحدا. وربما كان مرجع ذلك حداثة سنه وقت كتابة عمله الأول.

فمما لا شك فيه أن الرواية الجديدة تعكس نضجا وجدانيا وعقليا واضحا، تنطق به صياغة الجمل واختيار المفردات، كما ينطق به البناء الدرامي وتصاعد الأحداث ورسم الشخصيات.

الرواية تطرح مجموعة من القيم والأفكار والتساؤلات التي طالما شغلت مجتمعاتنا الشرقية ومثقفينا، وتقدم إجابات محددة، نابعة من التكوين الفكري والقيمي للكاتب، وتمثل منتجا ثقافيا فيه قناعات عقلية وموروثات اجتماعية، مع تأثير واضح لمفهوم العقيدة في نفس الكاتب ووجدانه.


وتدور الأحداث في أوروبا حول مجموعة من المبعوثين المصريين الذين سافروا ابتغاء تحصيل العلم والمعرفة وتحقيق التميز. فيهم من اصطحب أسرته، ومنهم من سافر فردا. كما تبرز علاقاتهم بنماذج إنسانية من المجتمع الأوروبي يتضح من خلالها الاختلافات الفكرية والاجتماعية بين المجموعتين. 


ومن خلال أحداث الرواية يتعرض بطلها "عمر" لمجموعة من الأحداث والمفارقات التي قد تمثل تحديا مباشرا وقويا لقناعاته وتكوينه الثقافي والوجداني، وتضع عمق تمسكه بها علي المحك.


والرواية تعكس المقابلة الأزلية بين ثقافتي الشرق والغرب، بكل ما يندرج تحت هذا البند من تفاصيل وسلوكيات وقناعات وعلاقات وممارسات. وهي ولا شك اختبار صعب لا يستهان به لمن كان متمسكا بقيمه واخلاقه عن قناعة، خاصة وأن كان أساسها عقائدي.


وقد انعكس ذلك بوضوح علي صياغة الشخصيات والعلاقات والمواقف التي اختارها الكاتب ليبرز من خلالها أفكاره، فوضع بطله الهمام بصورة أساسية في تحد واضح بين مشاعره وقناعاته، وجعله في النهاية يغلب اقتناعه واخلاقه وعقيدته وينتصر لها علي كل علي كل ما عاداها.


والخقيقة ان الكاتب قد برع في صياغة الحوار بصورة ملحوظة حملها كل رسائله وأفكاره، خاصة أن الحوار يشغل حيزا كبيرا من متن الرواية. واستطاع أن يعرض من خلاله أفكاره وقناعاته علي لسان الأبطال بصورة سلسة بعيدة عن الإفتعال، كما تمكن من صياغة الأحداث ورسم تصاعدها وتطورها بين الشخصيات بصورة تخدم رؤيته الفكرية ونظرته المتعمقة لمفهوم الإيمان والعقيدة، والتي من الواضح انها تتخطي الممارسات السطحية أو التمسك بسلوكيات معينة، والإعراض عن كل ما يخالفها مهما كانت المغريات. فالبطل في الرواية يتحري الصواب قدر فهمه واستطاعته. والرسالة واضحة، لو كنت مؤمنا بقيمك وعقيدتك عن اقتناع وفهم للحكمة من وراء التحريم و المنع أو الإتاخة في الأوامر والنواهي المرتبطة بالعقيدة، فلن يكون من الصعب عليك التمسك بقناعاتك اذا ما تعرضت للاختبار ووضعت علي المحك. واصبح عليك الإختيار.

ومن ناحية اخري، تخلل السياق الدرامي بعض الأحداث العامة التي أتاحت للكاتب فرصة التعبير عن رؤيته ومشاعره تجاه بعض الأوضاع والأحداث السياسية في منطقتنا. وقد نجح كاتب الرواية في تضفيرها مع المواقف الشخصية للابطال، بل وجعل منها باعثا ومحركا للأحداث بصورة طبيعية.


ولا بد أن نذكر في هذا السياق أن مفردات اللغة وصياغات الجمل التي استخدمها الكاتب في هذه الرواية كانت ذات طابع مبتكر ومتميز خرج به عن نطاق ما هو تقليدي. وقد اضفي ذلك علي العمل الأدبي متعة مؤكدة في القراءة وأكد لنا ميلاد أديب حكاء صاحب أسلوب أدبي متميز، ولديه حساسية خاصة تجاه اللغة ومفرداتها وتراكيبها واستخداماتها يؤهله لمزيد من الابداع.

كما لا يمكننا هنا ان نتجاهل أن الرواية تحمل بين طياتها وجهة نظر الكاتب الشخصية، وإن تمكن من صياغتها  في صورة عمل روائي شيق وجذاب. فقد صاغ الجمل الحوارية علي لسان الابطال والشخصيات بصورة تتيح له فرصة التعبير عن أفكاره، وإبراز الفارق بالتضاد والمقابلة. 


ونأتي إلي النهاية التي اختارها لروايته،  والتي أراد من خلالها تأكيد الرسالة التي كانت في ذهنه منذ البداية، ومفادها ان " الشرق شرق والغرب غرب..ولن يلتقيا إلي قيام الساعة" كما جاء علي لسان الشاعر الانجليزي روديارد كيبلنج. ولا شك أن المؤلف قد تمكن بهذه المعادلة من إضافة عمل روائي متميز من حيث الطرح والتناول، والصياغة اللغوية والأدبية. وقد أثبت انه حكاء وسارد موهوب، يحمل فكرا ورؤية واضحة تنعكس بصورة كبيرة علي موضوعات أعماله الأدبية. فدائما ما يحمل عمله فكرا ورسالة تغريم بإعادة التفكير وتجبرك علي احترامه حتي لو خالفته الرأي. فمهمة الأدب والفكر والثقافة والإبداع ان يبرز الافكر ويثير النقاش بطرح مختلف يثري الساحة الأدبية بالحوار الفكري الجاد.

تعليقات