"صندوق الدنيا".. تجربة فلسفية للواقع المصري

  • د. شيماء عمارة
  • الأحد 04 أكتوبر 2020, 5:22 مساءً
  • 1374
فيلم صندوق الدنيا هو عمل سينمائي يناقش العديد من القضايا المجتمعية

فيلم صندوق الدنيا هو عمل سينمائي يناقش العديد من القضايا المجتمعية

لم يكن فيلم صندوق الدنيا هو التجربة الأولى للمخرج "عماد البهات"، لكنه تجربة فريدة له، تلك التجربة التي أخذت منه سنوات يعمل عليها لتخرج في شكلها غير النمطي كفيلم سينمائي يناقش العديد من القضايا المجتمعية والتي طرحت تساؤلات فلسفية عدة.

الفيلم تأليف وإخراج "عماد البهات" وتم عرضه في دور العرض والسينيمات في فبراير الماضي.

وفي تصريح لجداريات قال البهات: "روحي قد انصهرت مع كل شخصية وموقف في هذا العمل، وكنت أبكي خلال تصوير بعض المشاهد خاصة مشاهد سلب المتعة من بطلات الفيلم".

بدأ الفيلم بذلك الحلم الغريب الذي راود عبدالدايم "باسم سمرة"، ذلك الحلم الذي عبر عن مخاوف ابن الريف البسيط الذي لا يملك في الدنيا إلا ولده؛ عند خروجه للمدينة الواسعة بما فيها من صراعات وأزمات قد تصل حد الدماء.

ثم نجد الأمر تحول إلى مشهد في منطقة "وسط البلد"، بكل جمالها وشوارعها الواسعة وميدانيها وبقبحها أيضا المتمثل في الشر الكامن وراء كل هذه الميادين والتقاطعات التي حتما ستؤدي إلى التوهة.

جاءت الأحداث متقاطعة ومتشابكة مثلها مثل شوارع وسط البلد، وبرغم أن لكل بطل قصة ولكلٍ منهم أزمته الخاصة إلا أن الظروف أدت بهم للتلاقي في أحد ميادين وسط البلد ليتفرقوا ثم يتلاقوا مرة أخرى في نهاية الفيلم.

لم يعمد البهات إلى حلول للمشاكل والأزمات التي صدرها لجمهوره من خلال الفيلم، لم يعمد إلى النهايات السعيدة، بل إنه أمسك بالمبضع ليفتح جراحا في قلب المجتمع المصري وليكشف عن قضايا مجتمعية شديدة الحساسية بطريقة فلسفية مميزة.

قدم البهات من خلال النجوم أبطال الفيلم مثل باسم سمرة، خالد الصاوي، صلاح عبدالله، أحمد كمال، رانيا يوسف، علاء مرسي وغيرهم؛ أبعادا ثلاثية لكل شخصية وأبرز العمق النفسي وراء كل بطل حكاية، فلم تتشابه الحكايات برغم تقاطع الظروف التي أدت بهم جميعا لوسط البلد، فنجد شخصية الزوج المغبون الذي خانته زوجته‘ ذلك المثقف الواعي الذي يقع فريسة صراعه بين ثقافته وبين شرقيتهالتي تدفعه للثأر لكرامته، وشخصية العجوز المتصابي الذي يحيك الخطط والخدع كي ينال المتعة من جسد فتاة جميلة وقعت في براثنه، وشخصية زير النساء الذي تعلق قلبه بفتاةٍ نقية بريئة رفضته ولفظته من حياتها فاتخذ من أجساد النساء ملاذا له من حرمانه.


كما قدم الفيلم مشكلة العنوسة وقبول الفتاة بحلول متدنية من أجل الحصول على زوج ولتحقيق رغبتها في الأمومة من خلال الشخصية التي قدمتها الفنانة رانيا يوسف، والكثير من المشكلات والشخصيات برزت بكل تفاصيلها في صندوق الدنيا الذي امتلأ بالمفاجآت.


طريقة التصوير لم تكن حتى بالشكل النمطي المتسلسل للأحداث وإنما جاءت متسلسلة أحيانا وبطريقة "الفلاش باك" أحيانا أخرى لتضفي جوا مختلفا على طريقة سير الأحداث ولتوضح التشابكات التي جمعت جميع الأبطال في شارع واحد، وليس غريبا على البهات هذا التميز فقد تربى في مدرسة العبقري "يوسف شاهين".

شارع وسط البلد الذي تجمع فيه أبطال كلٌ بأزمته وجرحه لم يكن إلا النموذج المصغر للحياة أو لـ "الدنيا" بما فيها من تقاطعات وتشابكات واختلافات وأزمات فأصبح ذلك الميدان بوسط البلد هو صندوق الدنيا؛ اللعبة القديمة المتعارف عليها حيث كان الأطفال والكبار يلتفون حولها ليشاهدوا بعض العرائس وهي تقوم بأدوار مختلفة وسيناريوهات متغيرة.

بالحديث عن الديكورات والملابس فجاءت جميعها مناسبة جدا للجو العام الذي أراده مخرج الفيلم لإبراز صورة الفروق الطبقية والاجتماعية وأيضا الفروق النفسية لكل شخصية.


حقق الفيلم نجاحا كبيرا فور نزوله بدور العرض ولكن سرعان ما تم رفعه نتيجة ظروف البلاد من حالة حظر وتباعد اجتماعي نتيجة ظهور مرض كورونا المستجد ولكن لم يمنع الحظر من حصول هذا الفيلم على إشادات رفيعة المستوى من النقاد والكتاب والصحفيين كما أن إدارة مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية ومنظميه قد اختاروا فيلم "صندوق الدنيا" ليمثل مصر في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في دورته التاسعة التي قامت في الفترة من 6 إلى 12 من مارس الماضي.


جدير بالذكر أن الفيلم سيشارك في الفترة القادمة في مهرجان "مالمو للسينما العربية" في دورته العاشرة بالسويد في الفترة من 8 إلى 13 أكتوبر، وأيضا في المسابقة الؤسمية لمهرجان "أونتاريو السينمائي الدولي" بكندا في دورته الأولى في الفترة من 16 إلى 25 أكتوبر الحالي.

 

تعليقات