عاطف محمد عبد المجيد يكتب: بيَّاعين الفرح..في صحة الخيال
عاطف عبد المجيد
في كتابه الممتع " بيّاعين الفرح..حكايات وتأملات " الصادر عن دار العين، يتأمل الكاتب والروائي المصري الراحل مكاوي سعيد، ويروي ويناقش دون مباشرة، عبر عدد من المقالات المنفصلة المتصلة، عددًا من السلوكيات والتصرفات الإنسانية سلبية وإيجابية على السواء. في مقاله ابني حرامي يا عالم، يقارن مكاوي سعيد، وبشكل غير مباشر، بين تربية الأبناء في وطننا العربي ومثليتها في الدول الأوروبية، إذ أقامت أم فرنسية الدنيا ولم تُقعدها لمجرد أن أخذ ابنها ذو السبع سنوات باكو شيكولاتة من أحد المحلات وأكله قبل أن يتم دفع ثمنه، وبعد توبيخها للابن ودفع الثمن، اتصلت بوالده العربي الذي يعيش في إحدى الدول العربية، حتى يفكر معها في حل لهذه المشكلة الكبيرة.الطفل نفسه الذي تربى وهو صغير في بيئة عربية، تختلف مفرداتها وطقوسها عن البيئة التي انتقل إليها، لا يجد نفسه متوائمًا مع هذه السلوكيات والقانون الصارم، ويريد أن يعود إلى بلد والده، فلربما كانت الحياة فيها أكثر سهولة من بلد أمه.من خلال هذه الحكاية يرى مكاوي سعيد أن الاختلافات بيننا كعرب وبينهم كأوروبيين جذرية وليست ثانوية، ونحن بالفعل في حاجة إلى أساتذة نابغين في علم النفس وعلم الاجتماع كي يضعوا أياديهم على هذه الفروق ويدلونا على كيفية التعامل الأمثل معها.في كتابه هذا لا يتأمل مكاوي سعيد الأشخاص وسلوكياتهم فقط، بل يتأمل كذلك الأماكن، أنشطتها ولافتاتها، متعجبًا من بعض اللافتات التي ربما تثير الضحك أو السخرية، كصاحب محل في بلد عربي يكتب لافتة يعلقها على محله تقول " نحن نبيع النبيذ خلسة "، مثلما يستنكر على أصحاب محلات الأكل والشراب اجتزاءهم لبعض آيات من القرآن الكريم ووضعها على لافتة على المحل كصاحب محل العصير الذي يكتب على واجهة محله الآية الكريمة " وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا ".
أما في مقاله " في صحة الخيال " فيتأمل مكاوي سعيد ما فعله ذلك الأسطى الذي فكر في أمر ما يفيده في حياته المستقبلية إن ضاقت به السُّبل، وينهي مقاله قائلا: " يعجبني خياله جدًّا، وتبنّيه لفكرته التي نتائجها لن تحدث في الواقع القريب، ويعجبني أكثر أنه زرع مكافأة خدمته في جدار فيما لو لطّشت الدنيا فيه، إنه شيّد صرحًا هائلاً من الخيال.سيناريو دقيق يعجز بعض المحترفين عن التفكير في عمل يماثله، والدافع إليه الرغبة في البقاء، فهي الحافز الأهم في حياة الإنسان، ومحبة في الخيال لا يسعني إلا أن أنهي مقالي هذا بقول العالم الكبير ألبرت أينشتاين " الخيال أكثر أهمية من المعرفة ". وفي مقال آخر يتأمل مكاوي سعيد، صاحب الكاميرا السردية التي لا تفوِّت أي شيء تراه أمامها مهما دقّت تفاصيله أو صغرت، يتأمل ما يحدث مع آخر الأبناء " آخر العنقود " سواء اكان ذكرًا أم أنثى.إذ تُلقى على الولد الذكر مهمات إضافية زيادة عن بقية الأبناء، فيما يتم تدليل الفتاة درجة الاحتفاظ بها في بيت أبيها طول العمر خوفًا من فراقها ومحبة زائدة لها. وهكذا نجد أن حكايات مكاوي سعيد وتأملاته التي تجاوزت الأربعين التي يضمها كتابه هذا هي ليست للتسلية العابرة وحسب، بل هي أيضًا إلى جانب هذا، تحمل بين ثناياها دروسًا حياتية مفيدة للكثير، يمكن لهم أن يُفيدوا منها على مستويات شتى، إذا ما طالعوها بتأمل وتأنٍّ. ولا يفوتني أن أقول هنا إن مكاوي سعيد بأسلوبه السردي الساحر قد طاف بنا في عالم حكاياته وتأملاته، واضعًا إيانا ونحن نقرأ هذه الحكايات في بوتقة من متعة لا حدود لها.