أندلس رشدي تكتب: تطواف حول رواية "صدى الأيام الغامض" للكاتب خليل الزيني

  • أحمد عبد الله
  • الأربعاء 30 سبتمبر 2020, 3:17 مساءً
  • 1201
غلاف الرواية

غلاف الرواية


تطواف حول رواية صدى الأيام الغامض للكاتب الأستاذ خليل الزيني



بادئ ذي بدء ، فإننا عندما نحاول الاقتراب من جوهر ومضمون أي نص من النصوص، فإنه يجب علينا أولا   أن نلقي الضوء على عنوان النص ،الذي  يعد الظاهرة الأولى الحالة فيه ،وذلك لكي نستطيع أن نمضي بين دهاليز النص بأريحية شديدة ،ولعل كلمة صدى التي أتى بها الكاتب كمفردة أولى  للعنوان ،تجعلنا ننتبه انتباها لا غفلة فيه، إلى المعنى المتعارف عليه لتلك الكلمة ،بما تتضمنه من تأثير وانعكاس على المتلقي ،من حيث كونها كلمة تقرع الآذان لما لها من جرس موسيقي رنان.

وعندما يلصق الكاتب  صفة الغموض لذاك الصدى، فإن هذا مما  يجعل القارئ يخطو نحو عمق النص بخطوات  حثيثة، لكي يكتشف أسرار ذلك الغموض وملابساته، ومن ثم يستطيع أن يستشعر  مجريات الأحداث بشكل واضح لا لبس فيه ولا التباس.

تتكون الرواية من عدة فصول تتضافر فيما بينها لإنتاج الأحداث ،ولقد سيطر أسلوب السرد الذاتي على أحداث الفصل الأول ،إذ أخذ السارد دوره في السرد الحكائي بضمير الأنا، وليس غريبا  علينا إذن أن نجد ياء المتكلم تطغي على السرد بصورة ملحوظة ،وذلك لكون ذلك الضمير  يحيل إلى  الذات مباشرة ، فهو يقصر المسافة بين السارد والشخصية المحورية التي أطلق عليها السارد اسم عمر.

يتحدث الكاتب في مستهل الفصل الأول عن والد عمر،والذي كان مولعا بالقراءة ،ولديه مكتبة تضم شتى أنواع الكتب ،والذي وصل به الحال  إلى أن يكون خطيبا لأحد المساجد لتفقهه في أمور دينه ودنياه ، ولعل تلك السمات التي أوردها الكاتب عن ذلك الوالد هي التي ساهمت بشكل فعال في تكوين شخصية ابنه عمر، الذي تأثر تماما بوالده ،فأحب القراءة وتمسك بقيمه الدينية  تمسكا كبيرا ،ولذلك فقد كان لتلك النشأة  الدينية ، تأثير كبير في كونه إنسانا  باتت تحكمه الأعراف والتقاليد الأصيلة ،في جميع ما يصدر عنه من ردود أفعال تجاه الآخرين ، أو فيما يقوم به من تصرفات حيال ما يواجهه من أحداث تمر به .

تتابع الأحداث داخل الرواية، فيسافر عمر إلى ألمانيا في بعثة دراسية ،فما يلبث أن  يختلط مع أعضاء البعثة الذين ينتمون إلى جنسيات شتى وإلى أيديولوجيات مختلفة ، وكما هي العادة دائما فعندما يحدث الاختلاط بين مجموعة  كهذه من البشر ،فلابد أن يحدث بينهم نوع من التنافر، الذي يكشف  بدوره النقاب عن ذلك التعصب الذي واجهه عمر من قبل البعض خلال إقامته في ألمانيا ، والذي يعد آفة مدمرة تصيب أجساد المجتمعات فتفسدها ،ولقد عبر الفيلسوف جورج سانتيانا عن  التعصب  بقوله "أنه يضاعف مجهودك عندما تنسى هدفك".

ففي واقع الأمر، فإنَّ المتعصب لهو ذلك الشخص  الذي ينساق وراء أفكاره وهو مغمض العينين دون النظر بعين الاعتبار إلى أفكار الآخرين، ولعل من أبرز مظاهر ذلك التعصب التي تعرض له عمر ، هي تلك الفعلة الشنعاء التي تتسم بأبعاد مشينة، وبعيدة كل البعد عن السلوك الإنساني القويم ،فهاهو ذلك الشخص اليهودي اليساري باراتس يقوم بالبصق في وجهه، في مشهد يبعد تماما عن كل ملامح الإنسانية التي يجب أن يتحلى بها بنو  البشر في علاقاتهم ببعضهم البعض.

أيضا يحاول ذلك الشخص الذي يدعى خورداي أن يستقطب عمرنحوه لكي يدفعه لاعتناق توجهاته وآرائه ،وذلك  بأن يعرض عليه الزواج بمن تحمل الجنسية اليهودية، ولكن عمر يرفض ذلك رفضا قاطعا وباتا، وذلك لما يتحلى به من صفات نبيلة تجعله يقدر معنى الولاء لوطنه ويقدر قيمة الانتماء لهويته العربية ، فهو عندما يسأله أحدهم قائلا:هل هذا الشيخ والدك ؟ فإنه يتطرق إلى الحديث عن هويته العربية التي يعتز بها، ويخبرهم بأنه في منطقة محايدة لا يتعصب لهولاء ولا هؤلاء، وهاهو يكرر على مسامع الجميع نداءات أبيه (كن المقتول ولا تكن القاتل، كن المقتول ولا تعص الحاكم).
تتطور الأحداث وتظهر لنا من خلال السرد أبعاد العلاقة بين عمر وسوناتا المشرفة الاجتماعية التي تتولى أمور تلك البعثة الدراسية في ألمانيا ،فتجمعهما اللقاءات والزيارات،التي تحاول فيها سوناتا من جانبها أن تتعرف على ملامح الرجل الشرقي بكل تفاصيلها، وفي نفس الوقت فهي تحاول أن تتقرب إلى  عمر ، وأن تظهر له مودتها وميلها إليه،  ولكن هنا وفي ذلك الموضع على وجه التحديد ، تظهر بجلاء الأبعاد الإنسانية لشخصية عمر ،ذلك الرجل الشرقي الذي كان يتنازعه ميلان حال لقاءاته بسوناتا، أحدهما يرجح كفة الانقياد إليها  بالمفهوم الأوربي ،والآخر يرجح كفة التمسك بقيمه ومبادئه الشرقية ، وذلك في واقع الأمر مما دفعه إلى ضرورة إضفاء الصبغة الشرعية على علاقتهما، ولذلك فقد قرر الزواج من سوناتا.

تتابع الأحداث ويحدث الزواج بين عمر وسوناتا  بعد إزالة كل العقبات التي كانت تقف في طريقهما، فما تلبث سوناتا أن تحاول أن تغير من بعض عاداتها الأوربية التي لا تتفق بأي حال من الأحوال بارتباطها برجل شرقي متمسك بعاداته وتقاليده.

وفي سرد متتابع لأحداث الرواية ، يأتي عمر بزوجته وأولاده إلى مصر، للإقامة فيها بصفة دائمة  ولكن الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن ،فإن سوناتا لم تستسغ العيش في مصر، ولم تستطع التأقلم مع أسرة عمر، وهنا إشارة واضحة إلى عمق الصراع  القائم بين التقاليد الأوربية والتقاليد العربية، تلك التي مازالت تفصل بينها هوة سحيقة لا يمكن إزالتها أو طمس معالمها بأي شكل من الأشكال ،ولذلك يجب علينا أن نقتنع جميعا بأن التباين الحادث بين تلك التقاليد  لن يزول مهما طال بنا الأمد ، ومهما حاول البعض رأب الصدع أو إزالة الخلاف الحاصل بينها، وذلك  على اختلاف أنماطها وصورها .

وفي نهاية غير متوقعة، تترك سوناتا لعمر خطابا   توضح فيه أنها جهزت أوراق السفر ، وأنها قررت العودة إلى ألمانيا مصطحبة ابنتهما سلمى، ولقد كان موقف عمر واضحا تماما ،فقد أعلن على الملأ أنه لا يريد زوجته الهاربة ولا ابنته، وقام بعرض الأمر على القضاء الألماني والمصري في محاولة منه لتصعيد المشكلة.

ويالها من مسألة في غاية التعقيد، وذلك  عندما تطرقت الأحداث إلى الشرط الذي وضعته سوناتا أمام عمر لكي يستطيع السفر لألمانيا، وما كان ذلك الشرط سوى التخلي عن جنسيته المصرية لكي يدخل ألمانيا ، ولكن أنَّي لشخص مثل عمر أن يتخلى عن جنسيته، لكي يحقق رغبة تلك المرأة التي لم تستطع التخلي عن هويتها الأوربية، فحدثت الفرقة وكان الشتات بينهما على النحو المبين بأحداث الرواية.

وإنني لأستطيع القول بأن الرواية في مجملها تعتمد على السرد المباشر للأحداث فليس بها خيال مصنوع ، أو وقائع تدعو للتفكير والتأويل ،مما يجعل القارئ يتقبلها كما هي دون الدخول في منعطفات خفية لأي حدث من تلك الأحداث على حده.

ويلزم التنويه أيضا إلى وجود بعض العبارات التي تتميز بإظهار الانفعالات الداخلية،و التي كتبت بعناية شديدة ، لكونها  تتميز بإظهارقدرة الكاتب على رصد  النوايا والمشاعر الحقيقية في صورة منولوج داخلي مثل.....

 "كنت أشك في قدراتي جدا ، استشعر الخجل من نفسي، كأني سارق يتوارى بما سرق ويخاف افتضاح أمره "

ففي تلك العبارة تجسيد  واضح لحديث  قد يتم في الخفاء بين الشخص ونفسه ،دون أن يتحمل عناء المكاشفة أو الإعلان عنه للآخرين .

وفي النهاية يجب النظر بعين الاعتبار إلى أن الكاتب ربما يريد من خلال أحداث تلك الرواية ،أن يقدم للقارئ جرعة مكثفة عن معنى الانتماء والوطنية، وعن حب الوطن، فما ذلك الوطن سوى المأوى الذي يضمنا بين جنباته ويأوينا على أرضه ،ولذا يجب علينا أن نعتز بثراه ونعتز بترابه مهما كلفنا الأمر. 

تعليقات