سلسبيل بسيسو تكتب: الفلكلور الفلسطيني بين الماضي والحاضر

  • أحمد عبد الله
  • الأربعاء 30 سبتمبر 2020, 00:40 صباحا
  • 1849
سلسلبيل بسيسو - مدير المركز الإعلامي لسفارة دولة فلسطين

سلسلبيل بسيسو - مدير المركز الإعلامي لسفارة دولة فلسطين


السيدات والسادة تحية الوطن ..نشكركم بداية لحسن استقبالكم وأنقل لكم تحيات سعادة سفير دولة فلسطين بمصر ومندوبها لدى الجامعة العربية دياب اللوح والمستشار الثقافي لسفارة فلسطين بمصر ناجى الناجي لكافة المشاركين والحاضرين لهذه الأمسية الوطنية الطيبة التي تعكس نبض عروبة الشارع المصري واحتضانه للقضية الفلسطينية على مدى الزمن ...

 على مدى اثنان وسبعون عاما لم يكن رهان الغاصب الإسرائيلي على قوة الدبابـة وأزيـز الـصواريخ فحسب بـل كان رهانه الاستراتيجي علـى اقـتلاع الـذاكرة وتـذويب الهويـة وسـرقة المـوروث والقـصص الـشعبي الفلسطيني.. ناهيكم عن محاولاته المستمرة في اغتصاب الأرض فقد كرس جهده بالتوازى على محو التاريخ والرواية والكوفية والعباءة والثوب النسوي وأكلة الفلافل والحمص والأغنية وأسامى الشوارع والمباني الدينية....ليـــستكمل اغتـــصاب الـــوطن باغتصاب الأحلام والفلكلور الشعبي وينسبه إليه..

ويعد الفلكلور الشعبي الفلسطيني أحد دعائم الثقافة الوطنية وهو مرآة تعكس حياة الشعب الفلسطيني المادية والروحية، التي تداولتها الأجيال وتوارثتها جيلًا عن جيل برغم تقطيع اواصل الوطن والقرية الواحدة بفعل الاحتلال الجائر وبرغم الشتات والغربة ..

ويعج الفلكلور الشعبي الفلسطيني بكم هائل من الإبداعات الشعرية والحرفية وأساليب التعبير المختلفة، وأساليب العيش واللباس وألوان الدبكات والرقصات والعادات والتقاليد، ليعطي عبر هذا المخزون العريق الصورة الواضحة التي تقف سدًا منيعًا في وجه الغزو الإحلالي الذي يحاول طمس تاريخ الشعب الفلسطيني، وسرقة كل الأدلة التاريخية التي تدل على الحق الفلسطيني لينسبها إلى قلة منبوذة غازية ململمة من كافة أنحاء العالم، ليخلق لها تاريخًا مزيفًا يستطيع بموجبه زراعتها في أرض غريبة عنها، ليجعل لها ارتباطًا بيئيًا تستطيع الاعتماد عليه للانتشار .


وقد بدأ تأطير وتنظيم الحركة الفلكلورية الفلسطينية المنظمة بعد حرب 1967 ،مع ازدياد قوة منظمة التحرير ونفوذها وقيام المؤسسات الوطنية التي كرست بعض جهدها لحماية التراث الشعبي، فأقامت الفرق والمعارض والمتاحف والمهرجانات وألأرشيفات.. وكان من أوائل هذه المؤسسات ”جمعية إنعاش الأسرة“ في مدينة البيرة، وتبعتها مؤسسات أخرى. ..


المشهد الراهن :


إنَّ الكوارثَ السياسيةَ والاجتماعيةَ والاقتصاديةَ التي حلَّت بالفلسطينيين جعلت البعض يعتقدون أن تمزيق الأرض والشعب سيؤدي إلى انهيار القيم الروحية والاجتماعية، وبالتالي إلى اندماج الفلسطينيين في المنفى، لكنَّ الشعب الفلسطيني وتراثه قد نجا بأعجوبةٍ على الرغم من المحاربة والقيود وحتى خارج فلسطين، كان للفولكلور والثقافة الشعبية دورٌ أساسيٌّ في صياغة المجموعات السياسية والاجتماعية الفلسطينية وبرامجها. كما أصبح الحفاظ على الثقافة الشعبية نوعاً آخر من الصراع، سواء من أجل الحفاظ على عناصر البقاء أو تذكرها باعتبارها تعبيرًا عن الارتباط بالأرض التي حرَّم الاحتلالُ الاسرائيليُّ الناسَ من العودة إليها..


(التراث ذاكرة وطن وهوية)

*. سرقات اليهود :

1. الزي الشعبي :

أن العدو الإسرائيلي حاول سرقة أنواع من التراث الوطني الفلسطيني بشتى الطرق، فقد عمدت شركة "العال للطيران" مثلا إلى إلباس المضيفات العاملات على متنها الثوب الفلسطيني المطرز ولكن بالتنورة القصيرة.

وتسجيل نماذج من الزى الفلسطيني (الثوب) باسم إسرائيل في الموسوعات العالمية والمعارض الدولية ، كل هذا وغيره يندرج ضمن مسلسل التهويد والضم والتزييف الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية ، فهي سياسة مدروسة تهدف للسيطرة على الأماكن التاريخية والدينية ,والتراثية ، وهي أيضاً محاولات لطمس الهوية وسرقة التاريخ العريق لشعبنا العربي .


ولم تتوقف محاولات السرقة عند ذلك فحسب، حيث "سرق" المصمّمان الإسرائيليان جابي بن حاييم، وموكي هرئيل تصميم "الكوفية الفلسطينية" المعروفة، وجعلاها بألوان "علم إسرائيل"، و"نجمة داوود" في محاولة لسرقتها.. وارتدت زوجة موشي ديان وزير الحرب الإسرائيلي في ستينات القرن المنصرم في إحدى المناسبات العالمية ثوباً فلسطينياً زاعمة أنه تراث "إسرائيلي".‏ وكذلك ارتداء (رؤوفيه روبين) أول سفير لإسرائيل في دولة رومانيا الزي الشعبي الفلسطيني باعتباره زياً توراتياً، وارتداء الإسرائيليات فستان العروس الفلسطينية ببيت لحم المعروف بـ"ثوب الملكة". 

2.ولم تسلم النباتات الفلسطينية والعربية من القرصنة "الإسرائيلية"، حيث اختارت زهوراً برية ونباتات فلسطينية لتمثيلها في حديقة الورود التي أقامتها الصين بمناسبة استضافتها للألعاب الأولمبية في العام 2008، خاصة زهرة قرن الغزال وزهرة شقائق النعمان وشجرة الزيتون، لتثبت باسم "إ"سرائيل في حديقة الصين.


3.أما عن سرقة المأكولات الفلسطينية فحدّث بلا حرج التي وصلت إلى حد المشاركة في المهرجان السنوي "للمفتول" المنعقد بمدينة "سان فيتو لوكار" الإيطالية عام 2000 لتفوز بالجائزة الأولى لأحسن طبق مفتول، وكذلك المشاركة في مسابقات عالمية أخرى للطهو بالأطباق الفلسطينية وتسويقها معلبة أو تقديم هذه الأطباق في المطاعم العالمية على أنها أكلات شعبية "إسرائيلية".


4. تظهر الفرق "الفولكلورية الإسرائيلية" في الحفلات العالمية بالزي الشعبي الفلسطيني وتؤدي رقصة الدبكة وتعزف "الشبابة والأرغول" وغيرها من الألحان الفلسطينية والعربية الأصيلة والشهيرة جداً ولكن بلكنة عبرية، مثل أغنية "الدلعونا".


5. أما في مجال التراث الشفوي فقد انتحل الإسرائيليون الحكايات الفلسطينية والعربية، ويذكر الدكتور منعم حداد أنه حتى صيف عام 1986 كان في أرشيف الحكايات الشعبية "الإسرائيلية" (18500) حكاية كان قد صُنّف منها (11944) حكاية على أنها حكايات "إسرائيلية"، ولكن منها ما نسبته 65 % حكايات من يهود الدول العربية والإسلامية، ومنها (215) حكاية فلسطينية.


وتشكل مقولة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن غوريون: "الكبار يموتون والصغار ينسون" أساس وجوهر الاستهداف المنظم للإنسان الفلسطيني بغرض تفريغ الذاكرة الجمعية الفلسطينية من مخزونها الثقافي والفكري والتراثي... ان هدف إسرائيل من سرقة التراث العربي لا يبتعد عن تحقيق مخططاتهم الاستيطانية القائمة على إلغاء كل شيء وإحلال تاريخ مزيف يؤكد وجودهم وينفي أي وجود قبلهم لتحقيق السيطرة الكاملة، ووضع السياسات الملائمة للتعامل معه.


إن معركة النضال والبقاء للشعب الفلسطيني كانت وما زالت وستبقى ملتزمة بالحفاظ على طابعها الثقافي وإمتدادها الحضاري كجزء لا يتجزأ من معركة التحرير، وإن النضال على هذا المستوى لا يقل أهمية عن أي شكل من أشكال النضال ، وعليه فانه ينبغي لنا كفلسطينيين وعرب ومسلمين ومسيحيين ودول صديقة أن تنصب جهودنا في كل الاتجاهات لمحاربة الانتهاكات الإسرائيلية ومواجهتها وفضحه...للسير بالتوازي مع الجهود الدبلوماسية والشعبية والأكاديمية والبحثية التي تعنى بحماية التراث وصيانته والاستناد الى القانون الدولي والحقوق التاريخية الثابتة من أجل تجنيد موقف دولي ضاغط يلزم إسرائيل بالتراجع عن سياستها ضد مقدساتنا وممتلكاتنا وتاريخنا وتراثنا..

 ويصادف الأربعاء بعد القادم الموافق 7 أكتوبر يوم التراث الوطني حيث يحتفل شعبنا بالمناسبة السنوية بتنظيم  فعاليات فلكلورية لإحياء التراث الفلسطيني بهدف الحفاظ عليه من النسيان والسرقة.


السيدات والسادة اختم بكلمات من خطاب سيادة الرئيس محمود عباس في اخر خطاب له بقوله

 :" شعبنا الفلسطيني، أيها السيدات والسادة، موجود على أرض وطنه فلسطين، أرض آبائه وأجداده، منذ أكثر من ستة آلاف سنة، وسوف يواصل البقاء والحياة على هذه الأرض، وسوف يواصل الصمود في وجه الاحتلال والعدوان والخذلان حتى ينال حقوقه. وبرغم كل ما تعرض ويتعرض له، وبرغم الحصار الظالم الذي يستهدف قرارنا الوطني، لن نركع ولن نستسلم، ولن نحيد عن ثوابتنا، وسوف ننتصر بإذن الله .واهم من يظن أنه يستطيع تجاوز هذا الشعب، الذي هو صاحب القضية وعنوانها الوحيد، وليعلم الجميع أنه لن يكون سلام ولا أمن ولا استقرار ولا تعايش في منطقتنا مع بقاء الاحتلال، ودون الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، التي هي أساس الصراع وعنوانه.

تعليقات