د. هيثم طلعت يكتب: لماذا الإيمان بالدين؟

  • أحمد عبد الله
  • الأربعاء 30 سبتمبر 2020, 00:23 صباحا
  • 1964

 


لماذا الإيمان بالدين؟

 

القاعدة التي أسس لها القرآن الكريم وشدَّد عليها في أكثر من موضع أن كل بعيد عن الإيمان هو أعمى {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب} ﴿١٩﴾ سورة الرعد.

فالأصل في الكافر العمى، ولا يتحقق له الإبصار إلا بالإيمان، ولن يستطيع أن يتجاوز مرحلة العمى مهما أوتى من علم أو فُتحت له من معارف أو اتسعت دائرة علومه وتعددت طرقها وتشعبت مصادرها فهو سيظل أعمى؛ نعم: مهما بلغ ومهما ارتقى فلن يتجاوز مرحلة العمى إلى مرحلة الإبصار.

 

فلن يستطيع الإنسان التأسيس للمعنى ولا التأسيس للقيمة إلا من خلال الإيمان، ولن يستطيع تحرير إجابة عن الأسئلة الوجودية الكلية –أسئلة النشأة – مثل: لماذا نحن هنا؟ ما الغاية من الوجود الإنساني؟ وكل أسئلة لماذا why لن يستطيع تحرير جواب لها؛ وستظل أجوبتها حِكرًا على الإيمان.

ولن يتجاوز الإنسان بكل علومه ومعارفه وفلسفاته الإجابة على أسئلة كيف how ، أما أسئلة لماذا فستظل أجوبتها حصرية داخل ميدان الإيمان.

 

والقاريء في الشأن الإلحادي يعلم أن غاية الإلحاد الآن هي إخراس هذه الأسئلة الوجودية الكبرى –كل أسئلة لماذا-، بل ووصمْها مرة بالتافهة كما فعل ريتشارد داوكينز Richard Dawkins  حين سُئل عن بعضها في إحدى الحوارات، ووصمها مرةً أخرى بغير ذات معنى، ولا ندري كيف لأهم الأسئلة في الوجود الإنساني أن توصف بالتافهة أو بلا معنى، وهل كون الإلحاد لا يملك إجابة تصبح الأسئلة تافهة؟

 

إن المحاولات المتتالية لإسكات الأسئلة الكبرى ليست إجابة ولا تُشبع إنسان يعلم أنه وُلد ليموت! ولا تُقدم حلاً، بل هي برهان آكد وحُجة سامقة على أن كل بعيد عن الإيمان هو أعمى غير مبصر لحقيقة وجوده ولا لمعنى وجوده ولا قيمة وجوده، ولا يعرف شيئًا عن وجوده.

 

من أجل ذلك: كانت العودة إلى الإيمان هي شرط استيعاب معنى الإنسان وتحليل ظاهرة وجوده، والتأسيس لقيمته وأخلاقياته ومبادئه وغاية كل عملٍ يعمله، فالعودة إلى الإيمان تملك الإجابة الحصرية لكل أسئلة لماذا، وكل أسئلة المعنى، وداخلها يجد الإنسان ذاته، أما خارجها فلا يجد إلا مجموعة من الذرات المتلاحمة بلا معنى، والتي تتحرك بلا غاية وترتطم بلا هدف.

إن العماء الكامل يصم حالة عدم الإيمان والذين لا يملكون نورًا لن يستطيعوا أن يوجدوه { ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} ﴿٤٠﴾ سورة النور.

 

فأصل النور هبة إلهية تقترن بالإيمان، ولن تستطيع كل فلسفات العالم أن تؤسس لومضةٍ من نور، فكوجيتو ديكارت Cogito Descartes " أنا أُفكر" انهار على يد ديفيد هيوم David Hume ، والحداثة التي أسس لها كانط Immanuel Kant ذابت على أعتاب ما بعد الحداثة، ولم يعد ثمة إمكان إبستمولوجي –معرفي- لتأسيس الوعي والقيمة والمعنى للوجود خارج الدين.-1-

 

إن الإحالة إلى الإيمان شرط أصيل لضمان المعنى، فالحقيقة التي يُسلِّم بها البشر الآن أنه: لا حقيقة غائية في الخارج المادي المستقل، ولا يمكن ضبط الحقيقة بدون إيمان، فالعودة إلى الإيمان هي شرط فكري وعقلي ومبررها هو المعطى المادي نفسه، ففي الوجود المادي الخارجي كل شيء يسير وفقًا لقوانين مادية عمياء صارمة لا معنى لها في ذاتها، مجرد قوانين عرضية حادثة غير مكتفيه بذاتها، لذا كانت الإحالة إلى الماوراء من مقتضيات تبصر وتفحص العالم المادي ذاته.

 

لكن لماذا جعل الله النور قرينًا بالإيمان، بينما جعل العمى قرينًا بترك الإيمان؟

لأن هذه غاية وجودنا كله، وحقيقة وجودنا، بل ولا معنى لوجودنا حين نتمرد على هذه الحقيقة.

 

تعليقات