حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
أبو الذهب يدمر يافا ويقتل معارضي السلطان
على مشارف جامع الأزهر الشريف نجد ذلك المبنى العتيد الذي استعصى على عوامل الفناء وصمد في وجه الزمن بأحجاره الصلدة وهيئته المهيبة، هذا المبنى هو تكية أبي الذهب أحد أمراء المماليك في القرن الثامن عشر الميلادي.
وقتها كانت مصر تحت مظلة الحكم العثماني، وقد عمل الأتراك على إطلاق يد المماليك في حكم البلاد شريطة أن يؤدوا خراجها، ويبدو أن أتراك الأناضول لم ينسوا أن المماليك من بني جلدتهم، ومن بين هؤلاء المجاليب الذين سيطروا على زمام الأمور في المحروسة نرى محمد بك الشهير لدى العامة بلقلب "أبو الدهب" وكان الساعد الأيمن لعلي بك الكبير المملوك ذو الأصول اليونانية الذي أراد أن يستقل بمصر عن بني عثمان وكاد أن يصل إلى ذلك، غير أن أبا الذهب خان أستاذه وصهره والرجل الذي ولاه المناصب حتى أصبح خازنداراً "وزير مالية"، وحكى عنه المؤرخون أنه من شدة فرحه بالمنصب كان ينثر الذهب على الفقراء وهو في طريق العودة إلى منزله بعد أن ارتدى خلعة المنصب في القلعة؛ فسماه الناس "أبو الدهب".
وبعد أن نجح أبو الذهب في الانقلاب على سيده قام بأسره ونصب نفسه سنجقاً على الديار المصرية "شيخ بلد" وهرب علي بك الكبير والتجأ إلى حليفه الشامي الشيخ "ضاهر العُمَر" ، وعرض أبو الذهب على الباب العالي أن يعيد مصر إلى الحظيرة العثمانية فأجابته الأستانة إلى طلبه وثبتته في منصب شيخ البلد وأنعمت عليه بلقلب باشا"، وبأذن من الخليفة حارب أبو الذهب ضاهر العمر بحجة أنه خرج على الدولة العَلِّية وحالف أعداءها الروس؛ فقاد الباشا الجديد سنجق مصر جيشاً كبيرا إلى فلسطين وكان ذلك عام 1775 وافتتح يافا عنوةً وأعمل السيف بمعارضيه حتى قيل أنه بنى من رؤوسهم صوامع كما فعل من قبل "تيمور لانك"، وفزع الشام كله فتخلى الأمراء عن ضاهر العمر الذي لم يجد سبيلاً إلا ترك عكا والفرار إلى المناطق الجبلية المجاورة، ودانت فلسطين لأبي الذهب بعد أن خضع له الأمراء ودمر ما بناه ضاهر العمر وعلى رأسه قلعتي دير مار حنا ودير مار إلياس.
على أن أبي الذهب لم يهنأ بانتصاراته فقد مات في الشام بذات السنة أعني سنة 1775م وحمله أتباعه إلى القاهرة ودفنوه فيها، ويقال أن ضاهر العُمَر قدم رشوةً إلى طباخه فدس له السم في الطعام ومات من توِّه، وصدق من قال أن عاقبة الخيانة خيانة مثلها والجزاء من جنس العمل.
والعجيب أن أبا الذهب وحاله كما نرى هو الذي بنى التكية لتكون مسكناً يأوي طلاب الأزهر الوافدين إليه من شتى البلدان، فكان منهم الشوام والأتراك والقادمين من بلاد آسيا ولا ندري هل تفيد التكية من بناها فتشفع له عند خالقه أم لا؟ وهل تشفع للمماليك مساجدهم وأسبلتهم وما قدموه من طعام للفقراء وصدقات؟ علم ذلك عند الله.