الكاتب أحمد سويلم يتحدث لــ «جداريات» عن المجدد الشيخ محمد عبده في ذكري وفاته

  • حاتم السروي
  • الخميس 11 يوليو 2019, 5:24 مساءً
  • 1309
الأستاذ الإمام محمد عبده رحمه الله

الأستاذ الإمام محمد عبده رحمه الله

قال الكاتب والأديب "أحمد سويلم" السكرتير العام الأسبق لاتحاد الكتاب المصريين في تصريحات خاصة لـ "جداريات" بمناسبة ذكرى رحيل  الشيخ  محمد عبده مجدد القرن الهجري الرابع عشر وأول مفتي للديار المصرية: عملت على تأليف سلسلة من الكتب التي تتحدث عن أمجادنا التاريخية وملامح العظمة في تراثنا العربي والإسلامي، وذلك حتى يجد الشباب القدوة والمثل الأعلى وسميت هذه السلسلة "بطولات عربية"، ومفهوم البطولة يتنوع داخل هذا العمل الذي يضم عشرين كتاباً يتحدث بعضها عن "بطولة الحرب" وبعضها عن "بطولة الكلمة" وأيضاً "بطولة الموقف" ومن كتب السلسلة كتاب خاص عن الراحل محمد عبده المتوفى سنة 1905 وبطولته كما أراها بطولة موقف، وسوف تصدر السلسلة قريباً بعد الانتهاء من أعمال الطباعة عن المكتب المصري للمطبوعات.

وأكد سويلم أن الراحل الشيخ محمد عبده كان من المجددين الذين ينطبق عليهم الحديث الشريف: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها"، ومن المعروف أن في تاريخنا الإسلامي هناك عشرة مجددين معترف بهم وأولهم الخليفة عمر بن عبد العزيز في رأس المائة الأولى ويليه الإمام محمد بن إدريس الشافعي في رأس المائة الثانية، وتستمر سلسلة المجددين حتى نصل إلى القرن العاشر الهجري فنجد الإمام شمس الدين الرملي، ثم تهب علينا رياح الجمود والتراجع وندخل في عصور الظلام، حتى مجيء مدرسة التجديد الديني الحديثة ورائدها جمال الدين الأفغاني الذي كان محمد عبده تابعه وتلميذه المقرب.

وقال سويلم: إن نشاط الإمام محمد عبده كان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وكان هدفه الرئيسي تحرير العقل المسلم، وفي هذا الإطار يجب أن نفرق بين التجديد والتغيير؛ فالتجديد معناه أن تزيل ما طرأ على الأصول والكليات المتعلقة بالدين واستحداث آليات لخطاب ديني مستنير يتماشى مع الواقع المعاصر، ومحمد عبده رحمه الله انتهج طريق الوسطية وهي "الحق بين الباطلين" و"الاعتدال بين تطرفين"، والموائمة بين الثوابت والمتغيرات، وبين الأصالة والمعاصرة، كما أن جوهر حركة التجديد عند الإمام يتمثل في مواجهة التغريب، ذلك التغريب الذي أراد الاستعمار فرضه علينا، إن محمد عبده رحمه الله لم يكن منبهراً بالغرب وحضارته ورأى من ضمن ما رآه أن التغريب يجور على ملامح الأمة ومن ثم فهو يرفض أن نتخلى عن هويتنا وأن نلقي بأنفسنا في أحضان التغريب، وذلك مع رفضه لفكر العصور المظلمة ومواجهته له ليس بمجرد الرفض وإنما بالمنطق والبرهان وتفنيد الخرافات والشعوذة.

وأشار سويلم إلى موقف الإمام الراحل من الطرق الصوفية ورفضه للكثير من سلوكياتها وأن هناك فرقٌ واسع بين التصوف كفكر وفلسفة وبين الطرق الصوفية وما تمارسه من خرافات، كما أن الراحل ثار على مسلك التعليم الأزهري وما فيه من جمود.

وقال سويلم: وضعت في الكتاب نصاً كتبه الإمام عن نفسه وفيه: "في الخامسة عشر من عمري وقع لي سنة ونصف لا أفهم شيئاً لرداءة تعليم اللغة في الأزهر؛ فقد كان المعلمون يبادرونا بمصطلحات لغوية أو فقهية لا نفهمها ولا هم يهتمون بتفهيم معانيها لنا؛ فقررت أن أهجر الدراسة وأعود إلى الزراعة مع أبي وأخوَيَّا، لكنَّ صديقاً أزهرياً لأبي هو الذي أخرجني من تمردي وعزلتي وشرح لي منهج اللغة العربية شرحاً ممتعاً أعادني للدراسة مرة أخرى"، تصور كنا سنفقد عالم بقامة وقيمة محمد عبده لأن معلمي الأزهر لم يكون يدرسون اللغة بشكلٍ جيد، وهذه الحادثة أثرت فيه كثيراً لدرجة أنه في عام 1900 أسس جمعية إحياء اللغة العربية.

وبسؤاله عن أهداف مدرسة التجديد الديني، أجاب: تهدف تلك المدرسة إلى التحرر من قيود التقليد والتعصب المذهبي، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة، والرجوع إلى الينابيع الأولى للإسلام التي تعترف بالعقل البشري، والمنادة بإصلاح تعليم اللغة العربية، وأن تكون اللغة العربية سائدة في كل حياتنا وتنعقد لها الغلبة على العامية بحيث تصبح هي لغة المكاتبات الرسمية والمؤلفات والتعليم بل ولغة المراسلات الشخصية، فالعربية هي ركيزة مهمة لهويتنا وهي عمود الخيمة بالنسبة إلينا، وفي عام 1888م صدر أول قانون للغة العربية وينص على عدم منح الشهادة الابتدائية والثانوية لأي طالب لم ينجح في اللغة العربية التي هي مادة أساسية ولو لاحظت سوف تجد أن هذا القانون صدر في عهد الاستعمار الذي لم يمنع أمتنا من التأكيد على هويتها.

وأضاف سويلم: كما نعرف فإن العمل السياسي فيه الكثير من المصالح والتوازنات والشك والنفاق، ومحمد عبد رحمه الله توجهت إرادته لأن يكون مصلحاً بعيداً عن شبهات السياسة؛ وبالتالي لم يجرؤ أحدٌ على اتهامه بممالئة السلطة، وكان خطه خط الإصلاح الديني واللغوي بعيداً عن لعبة السياسة، وبالطبع كانت للراحل مواقفه السياسية أثناء شبابه مع أستاذه جمال الدين الأفغاني وقد انضم إلى الثورة العرابية، لكنه أراد أن يتفرغ للإصلاح الديني لأنه كما قيل من انقطع لشيءٍ أحسنه، وبعده عن السياسة أمده بالشجاعة وجعله يطرح أفكاره في جرأة دون خوف من أية سلطة ومن ذلك أنه هاجم طريقة الأزهر في التعليم.

سألناه عن سر ذلك الهجوم وخاصة أن الراحل كان من أبناء الأزهر الكبار؛ فأجاب: لقد وصل التعليم في الأزهر على زمن الإمام إلى درجة لا تُحتَمل من الجمود، وهو جمود أصاب المحبين له والغيورين عليه بالإحباط؛ حيث كان التعليم فيه يعتمد على الكتب القديمة الصفراء والمتون والحواشي والمختصرات والشروح مع رفض إدخال علوم العصر في المقررات التعليمية؛ فعمل الراحل على إصلاح الأزهر كما ساهم بالمثل في إنشاء مدرسة "دار العلوم" التي تجمع بين علوم الدين واللغة والعلوم العصرية.

وأشار سويلم إلى أن سلسلة "بطولات عربية" تحدثت عن أهم شخصياتنا التاريخية ومنهم الإمام الشافعي وتلميذه الإمام أحمد بن حنبل وسلطان العلماء العز بن عبد السلام الذي لقب بـ "بائع الملوك" وإن شئت فقل بائع الممالييك.

جديرٌ بالذكر أن الكاتب أحمد سويلم هو مدير النشر الأسبق في دار المعارف التي عمل فيها منذ عام 1977 وحتى 2002، كما تم انتخابه سكرتيراً عاماً لاتحاد الكتاب لدورات متتالية آخرها كان عام 2010، وهو حالياً متفرغ لكتاباته ونشاطه الإبداعي وقد صدرت له أعماله الشعرية الكاملة منذ فترة.


تعليقات