رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

د. مصطفى نوار يكتب: آسف.. حزامي ليس بناسف!

  • أحمد عبد الله
  • الأربعاء 23 سبتمبر 2020, 01:06 صباحا
  • 1254

مطلع غنائي صاخب مصحوبٌ بالAuto tune المعتاد في المهرجانات!

ثم تجد تركيبة كلمات متتابعة لا اتساق بينها سوى في قافية عامية، تجاهد تلكم الكلمات لخلق أية معنى ممكن في أسلوب متناثر يتقاذف بعقلك إن حاولت أن تعيش فهما متسقا، فتستسلم مكتفيًا بقرقعات الصخب في أذنيك ورعشات الرقص بقدميك ويديك لتجاري – ظاهريًا – ثقافة الفئة الغالبة!

لكنك تستطيع تخيل كيفية نشأة هذا الهراء، إنه أشبه بتلك التمتمات المتناغمة التي نصدرها أثناء ولادة متعسرة لبقايا وجبة دسمة في دورات المياه – أكرم الله ذكركم -، نعم؛ أتخيلني قائلًا: آسف..عارف..كارف..ناسف..صارف..عازف..هادف.. يا له من رصيد لغوي! يمكنني الآن حشو هراءٍ رائع بين الكلمات ولي أعناق كل المعاني لعمل (مهرجانٍ) شهير!

وعندما تنتقد هذا الهراء، ستواجهك صيحات عارمة ربما، يا حاقد يا مغمور، هل تعرف كم شخص سمعها؟

وأتعجب! طبيعي يا جماعة أن أكون حاقدًا مغمورًا 😅
إن عشرين (مليون) مشاهدة عبر YouTube تحصد لك عشرين ألف دولار! يعني من عشر أغاني مسفة سيصبح صعلوكًا مثلك أثرى من أبي، فكيف لا أحقد يا صاحبي؟!

أما كوني مغمورًا، فأنت مثلي نسبيا يا رجل، من أنت وسط الفنانة الاستعراضية (رقاصة يعني) فلانة، وهل أنت شيء بجانب فلانة الممثلة الشهيرة التي تعطف على الشباب بجسدها 😁؟

الحقيقة، أفكر كثيرًا؛ ما جدوى دراستي كرجلٍ صيدلاني؟! خمس سنوات قضيتها درست فيها قرابة خمسين مادة علمية، وقاربت السنوات العشر ممارسًا للمهنة، وخطني الشيب ونالني المرض مقابل اثنتي عشرة ساعةً يوميًا أتصلب فيها لمواجهة ما يقارب ال ١٥٠ مريض! منهم ١٠٪؜ على الأقل يواجهني بإساءات مباشرة، ثم يخرج ليسمعك أنت بـ( خبطك ورزعك ) ثم ينهال على سيادتك بألفاظ الإطراء والمديح لتلك الأغنية (الجامدة فتق يا صاحبي) التي أخرجته من المزاج السيء الذي تسببت أنا فيه!

أتعجب لهذا الاتجاه الداعم بشراسة واندفاع أعمى لهذا الإسفاف! فالقانون لا يردع، والإعلام يستضيف ويصفق، وال Youtube يدعم ويغدق الأموال، والجمهور يصرخ من فرط الإعجاب!!

والجمهور هنا جرحٌ آخر يا صاحبي! فهذا الهراء لم يكن له أية جمهور منذ سنوات قليلة، فكان يقتات فقط على المشاهدات المستهترة والتعليقات الساخرة والمشاركات المشمئزة! وكان قصارى حزننا من أولئك السذج الذين يستنكرون هذا الهبوط فيشاهدونه ويشاركونه ويقعون في فخ الدعم السلبي!

اليوم صار لهؤلاء السفهاء جمهور حقيقي داعم، لا، ليسوا ثلة من المأجورين الوهميين، بل جمهور من شارعي وشارعك، يدعمهم ويحبهم ويتخذ أمثالهم قدوة!

ماسوشية عجيبة تلك تصيبني بتقلصات المعدة والقلب معًا، عندما أجد صبيًا فقيرًا يتفاخر بغرور ذلك المغني وتكبره!! يعيد مشاركة منشور مطربه المفضل وهو يمارس غروره الناقص على متابعيه، ويعلق ذلك الفتى الصغير: عليا ال…. مافيا ونمبر وان يا ملك!

وإن حصلت المعجزة واستطعت أن تتوصل معه لنقاش هاديء، اعتذر عن مطربه بألف اعتذار على طريقة: أصله اتبهدل واتهان كتير!، لا بأس! وهذا هو عين المرض يا صديقي!

هل هي حالة مطلوبة في عالمنا؟

المعلم يكاد يتسول عيش يومه، والطبيب يبدأ تكوين حياته بعد الخامسة والثلاثين، والصيدلاني يهان، والمهندس ينتحر!

بينما الجاهل البلطجي يخرج بمهرجان كله تحرش وكلام +٩٩ (ليس ١٨)! فيكون جزاءه المجد والشهرة والأموال!

طيب إلى أي طريق تأخذون أنفسكم؟ هل دار بظنكم أن هذا الإسفاف وتلك البلطجة حتمًا سيقتلان أبناءكم يومًا ما؟ أم تظنون أنفسكم بمعزل عن خطر الانفلات المجتمعي؟!

دعك من هذا يا صديقي، ودعنا نستمتع بأغنيتك الجديدة، تاخد كم وتسيطني؟

تعليقات