"ربما في المستقبل نعرف كيف ظهر الكون".. هيثم طلعت يكشف عن أكبر مغالطة يقع فيها الملحد
- الإثنين 25 نوفمبر 2024
الشاعر السعيد عبد الكريم
عرفت جمال العربية من شيخ الكتاب.. ومدرس الفصل نصحني بدخول دار العلوم
لا يعادي القضية الفلسطينية إلا فاسد الفطرة.. والشعر العربي يعود للعالمية عندما تتحرر المفردة من الخوف
أساتذة دار العلوم أفاضوا عليَّ بفضلهم.. وهذه حكايتي مع الشاعر الكبير عبد الله البردوني
الشاعر الكبير السعيد عبد الكريم شاعر مُلهَم
مفطور مطبوع على الشعر، ينتمي إلى المدرسة التي تتعامل مع النتاج الأدبي بالكيف لا الكم، لذلك يكون
شعره محبوكا مسبوكا رقراقا عذبا، استطاع أن يصل من خلاله إلى تصفيات واحدة من أكبر
الجوائز العربية وهي "كتارا" عن قصيدة مدح النبي، وهذا ليس بغريب على شاعر شهد
له الشاعر الكبير عبدالله البردوني وقال عنه "هذا الصوت لن أنساه" كما
شهد له الكثير من المبدعين والنقاد.
صدر
للشاعر السعيد عبد الكريم 5 دواوين حتى الآن هي: (تجليات اختلاط الماء، بوح المريد، ركعتان مما على، لا
تَمْرَ للعاصفة، اللامنازل) وله تحت الطبع ديوان "سبخ الأضرحة"، حول هذا النتاج
الشعري المميز منذ البدايات حتى الآن وما بينهما من محطات كان لنا هذا الحوار مع
شاعرنا.
النشأة نشأت في (ريف المنصورة في مركز دكرنس بقرية ديرب الخضر) وهي قرية هادئة تنام بحضن أحد فروع النيل وهي قرية مليئة بالحكايا وحواديت الجدات مما ينمي الخيال ويخصبه وعرفت جمال العربية الأول من نطق شيخي في الكتاب لها الشيخ (منصور عبد اللطيف) رحمه الله الذي كان لا يتحدث إلا العربية، وكان يبسطها حسب نوع المتحدث معه، وتركت الكُتَّاب في الصف الثالث الإبتدائي، وكنت أشرفت على الانتهاء من حفظ القرآن وفي المرحلة الثانوية بمدرسة (على مبارك بدكرنس) أقيمت مسابقة للشعر وكان مدرس الفصل يقرأ بعض ما أكتب، وحقيقة الأمر أنه نصحني بأمرين التقدم للمسابقة رغم عدم معرفتي بعروض الشعر وتأبيه عليّ في هذه السن الصغيرة، ودخول كلية دار العلوم. ومن العجيب أني فزت بالمسابقة وكانت الجائزة مجموعة من الكتب ومن الأعجب أنها كانت أول مجموعة كتب تدخل إلى بيتنا الذي لم يكن فيه ككل بيوت القرية غير كتاب الله العزيز وكتب الدراسة، وتأجلت نصيحته الثانية لعامين حتى انتهت المرحلة الثانوية ودخلت كلية دار العلوم.
من الذي احتضن
موهبة الشاعر السعيد عبد الكريم فعليا ونماها ؟
كل كاتب قرأت له
حرفا وأساتذة دار العلوم الذين أفاضوا علي فضلهم وأنا هنا أشكرهم جميعا، لكم كانوا
آباءً بررة ومن أصحاب الفضل منهم الشاعر أبو همام رحمه الله والشاعر د. شعبان صلاح
ومن المواقف المشجعة أيضا موقف الدكتور أبو الأنوار رحمه الله وكنت في الصف الثاني
بالكلية وقد صفا الشعر وراقت أوزانه وكان المهرجان السنوي للشعر في مدرج 3 وكان كبيرا
يتسع لحوالى ألفي مستمع أو يزيد من الزملاء وكان من قامات الشعر فاروق شوشة، وكنت سجلت
معه قبل ذلك، والشاعر اليمني العلم عبد الله البردوني والشاعر الكبير طاهر أبو فاشا
والشاعر السكندري بدر توفيق رحمهم الله، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة بارك الله في
عمره، وهمس الدكتور أبو الأنوار في أذني: "ما نزلت من مكتبي لأحد من أبنائنا منذ
عامين إلا لك"، وأشعرتني هذه الكلمات باكتمال ذاتي وزال عني الخوف من أولئك الكبار من سادتنا من الشعراء وبعدها قال لي المبدع
الكبير شاعر اليمن العلم البردوني عبارة أذكرها وصديقي الدكتور عايدي علي جمعة (هذا الصوت لن أنساه ما حييت) واحتضنني الكبير
(بدر توفيق) قائلا أبكيتني أيها النحيل.. كنت حينها شديد النحول، فكل هؤلاء سادتنا
وشيوخي وكل كتاب أضاف لي وصاحبه.. ألا ترى أنهم كثير جدا من أضاءوا عتمة روحي؟!
في البدايات.. ألم يتعرض الشاعر السعيد لنقد عنيف
كاد يجعله يتوقف عن الشعر؟
حدث ذلك وأنا في
الصف الأول بدار العلوم وكانت لم تزل العلائق وشيجة ببراءة القرى التي تركنا وكنا نصدق
كل قائل وكان أحد طلاب الفرقة الرابعة من شعراء دار العلوم الذي لم يكتب كلمة واحدة
بعد تخرجه ولذلك دلالته، كان يكره الشعر العمودي ومن يكتبه، وكنت أكتب الشعر العمودي
آنذاك وعرضت عليه قصيدة طويلة أذكر منها:
لأنك في دمي نبضٌ
.... تبادلنا ارتعاشاتي
وأسلو أيما أسلو
.... ولا أسلوك مولاتي
فأنت طفولة سكرى
.... وحلم جسد الآتي
أنا مجنون عينيك
.... لأن العين مرآتي
أراني والصبا فيها
.... وأبصر صوبها ذاتي
فصبي العمر في
كأس .... وهاتي مابه هاتي
وكوني حينما أرسو
.... ربيعي قبل مرساتي
فقال لي بالنص الواحد (حرام عليك الورق إللى شخبطه بكلام فارغ كان حد استفاد بيه) وكانت كلماته هذه طريق باذخ لاكتئاب أكثر بذخا، وانتهت الأزمة على يد زميلة طلبت مني أن أذهب لندوة بدار الأدباء وفي هذه الندوة عادت لى ثقتي بنفسى على يد الدكتور يسري العزب رحمه الله، والشاعر محمد فريد أبو سعدة، وبعد التخرج أصدرت دديواني الأول (تجليات اختلاط الماء) ثم انقطعت عن الساحة الأدبية لبناء أسرة وعدت مع ثورة يناير بعد انقطاع لأكثر من عشرين عاما.
حدثنا عن القضايا
والمضامين التي يحوم حولها شعر السعيد عبد الكريم.
دائما حول الوطن
وقضايانا العربية والعشق والحب بمعناهما العام وقليلا جدا من التجارب الذاتية وقد تتحول
فتخرج إلى إطار العام ففي قصيدة (عيناك) لم أستطع أن أصفها بأنها خضراء جميلة، كما
كنت أتمنى أو كما هي في حقيقتها ولكن جاء الوصف على هذا النحو:
عيناك (طيبة)
تاريخ (بابلْ)
هي ضفتان من الحضارةِ
لم يطئها الخائنونَ
ولم تعش همج القبائلْ
وتحتل القضية الفلسطينية
كثيرا من قصائد ديوان اللامنازل وهو آخر إصدارٍ
لي وهو الإصدار الخامس وأنا ممن يؤمنون بجدوى الكتابة لابكثرتها
دائما استشعر
أن السعيد عبد الكريم لديه عدم رضا أو لنقل ملاحظات كبيرة على الوسط الثقافي إلى درجة
أنك أحيانا تقرر أنه وسط لا يفيد المجتمع في شيء.. لماذا؟
ليس بهذا المعني يا صديقي، لكنه لا جدوى للكلام في ظل هذه الأنظمة التي لا تعطيك حرية الكلام إلا بثمن، فالكتابة لابد من دفع ثمن باهظ لها، ولأن الثمن باهظ قل الشعر الحقيقي ويعرف الشيء بقدر ما دفع ثمنا له، وكثر المتهافتون الكتبة على الظهورمن باب أنه واجهة اجتماعية مما يدل على أنهم لم يعرفوا الشعر الكفاح والوعي في كل أغراضه، ومهدت لهم بعض وسائل الإعلام مضمحلة الثقافة بكلام يشابه الشعر، وبه يكبر الغربال الذي سوف يلقي بالكثير في ظلمة النسيان ولن يبقى إلا الشعر الحقيقي وكما قلت لهذا الشعر ثمن باهظ قد يصل إلى حد الموت كما دفع ثمنه أحمد النعيمي، وكما دفع مظفر النواب وأشرف فياض الذي يعيش الآن في السجون السعودية والذي خفف عنه حكم الإعدام إلى ثماني سنوات والجواهري والحصني ولوركا وماشادوا وعدي بن زيد أول من دفع ثمن الكلمة في سجون النعمان وغيرهم ممن دفعوا ثمن الكلمة، فجعلوها ذات أجنحة لتحلق وتعيش أما من يرى الشعر نوعا من الرفاهية، فهذا هو الذي أساء للشعر، وزيف المشهد وَلَاكَ القديم وتشدق به ولم يشعر أنه (أنها) ظلال باهتة رغم أننا نعيش في أوطان مملوءة بالأمراض والعلل وتأكل ألسنتنا آفة الصمت حول هذه القضايا في حين تطول الألسنة في أمور الدروشة والخلاعة والمجون، كما أريد لنا لذلك أحزن كثيرا لهذا الوضع فالشعر ليس شيئا ترفيهيا بل هو وجدان كل أمة والمهذب لسلوكها.
ترى أن كاتب
التفعيلة ينبغي ألا يكتب شعرا موزونا والعكس.. إلى أي أساس تستند وجهة النظر تلك؟
تقصد يا صديقي
قصيدة النثر فالشعر العمودي وشعر التفعيلة كلاهما موزون وليس هذا رأيي، وإنما أقول
يبدأ الشاعر كما بدأ الشعر عموديا ثم يختار ما يريد وتختار القصيدة شكلها والهيئة التي
تكون عليها ونحن مع الجمال أينما كان وفي أي هيئة يحل.
فلسطين جرحنا
النازف.. هل ترى الأدب وخاصة الشعر استطاع أن يواكب القضية الفلسطينية في مراحلها خصوصا
الآن؟
القضية الفلسطينية
قياس للفطر السليمة ولا يعاديها ولا يتجنبها إلا فاسد الفطرة، وأنا أرى أنه لا يخلو
شعر شاعر حقيقي من جرح العروبة فلسطين، وإن كثرت جراحنا باليمن والعراق وسوريا وليبيا
وغيرها من الدول التي تنزف بشكل أو بآخر وعلى المستوى الشخصي لا يخلو ديوان لي من هذه
القضايا، وهذه الجراح وأذكر ذلك النص الذي
واكب ثورة أطفال الحجارة ونشر في (مجلة المجتمع العربي سنة 1994) تحت عنوان
(قياس) ومنها.
دماءٌ وأرض ٌ
وميزانُ عدلٍ
جميع الدماء تهونْ
دعيني أكونْ
وهاتي الحجارة
خلفي كتل القنابلْ
وهاتي التواريخَ
تبصرُ كيف تكون الحجارة قصفا
وتطرح إن خالطتها
دماء الشهيد سنابلْ
دعيني أقاتلْ
فزيتون حيفا عبى
الميسرةْ
وأطفال يافا علي
الميمنةْ
وقلب الدفاع براح
العيونْ
دماء وأرضٌ
وميزان عدل
جميع الدماء تهون
وهكذا يظل الهم العربي والكرامة العربية أهم ملامحنا وملامح المرحلة، وعلى رأس ذلك كله القضية الفلسطينية جرحنا الذي سيظل ينزف حتي ترد القدس وأقصانا إلى أحضان أمتها، وأسأل الله أن أرى هذا قبل أن ينتهي العمر. والشعر يواكب قضايانا ويسجل ذلك النزف العربي أولا بأول وترى في ديوان "اللامنازل" مرثية للشهيد الفلسطيني ياسر حمدون الذي قضى عمره في سجون العدو الإسرائيلي، وتم اغتياله يوم خرج من السجن وغيره من االرموز التي ستظل في الذاكرة العربية ما دمنا.
حدثنا عن تفاصيل
صعودك لجائزة كتارا؟
إذا لم تخُنِّي الذاكرة أرسل لي صديقي العالم العلم الدكتور إيهاب النجدي خبرا عن هذه الجائزة، وكنت كتبت نصا في محبة رسول الله، وكان نصا عموديا تتوافر فية شروط المسابقة، ولكني شكرت صديقي، وأفرغت رأسي من هذا الأمر فهناك الكثير من الشعراء الذين يكتبون هذا القالب، بل ووقفوا شعرهم عليه سوف يتقدمون لهذه المسابقة وفي اتصال تليفوني بيني وبين الصديق الشاعر الدكتور إيهاب عبد السلام تناولنا فيه أمر المسابقة وشجعني على التقديم وكان قد قرأ القصيدة وتطوع بتشكيلها وهو أمر شديد الإرهاق، وطلب مني أيضا أن أتقدم للمسابقة، وقلت لن أخسر شيئا، وتقدمت وكان المتنافسون أكثر من ثمانمائة وثمانين على مستوى مصر وحدها، ورشحتني لجنة الفحص للجائزة، هذا كل الأمر
على ذكر الجوائز
لكم مآخذ عليها وأنها يتم منحها بتربيطات حدثنا عن ذلك؟
يحزنني أن هناك
بعض الجوائز على النحو الذي ذكرت ويحزننى أيضا ارتباط الكثير من الجوائز بعمر معين
ولو كان الأمر كذلك ما كان النابغة شاعرا وارتباط
الجوائز بلون معين من ألوان الشعر وهذا لون من ألوان العمى والقصور في تذوق ألوان الجمال
وأنواعه فمن الذهور الكثير وكلها تبعث البهجة في النفس أيكون للانقسام العربي ظلاله
حتى على الجمال والإبداع؟!
حدثنا عن التعاطي
النقدي مع أعمال الشاعر السعيد عبد الكريم.
رغم قلة عدد دواويني
ـ فديواني السادس ـ تحت الطبع ـ وبعد الفترات الزمنية بينها فقد طبع الأول (تجليات
اختلاط الماء) فى سن صغيرة والثاني (بوح المريد) بعده بقرابة عشرين عاما، ثم
(ركعتان مما على) بعده بعامين وطبع بالمغرب ثم عامين وكان (لا تَمْرَ للعاصفة) ثم ثلاثة
أعوام وكان (اللامنازل) وتحت الطبع (سبخ الأضرحة) إلا أنها قد حظيت ببعض حظها من النقد
على الرغم من تقصيري الشديد نحوها، فلم أصنع حفل توقيع لديوان واحد من هذه الدواوين
ولم أتزلف ناقدا قط. تناولت الناقدة الدكتورة رجاء علي ديواني الأول في بحث قدم لنيل
الأستاذية وطبع في كتاب تحت مسمى (المفارقة اللفظية في شعر شعراء الثمانينيات) في مكتبة
المتنبي بالمملكة العربية السعودية وهناك دراسة قام بها دكتور عايدي علي جمعة حول إحدى
قصائدي وتناولني بالدراسة والتحليل الدكتور إيهاب عبد السلام في مقال معنون بـ(الشاعر
الذي كسبناه) ونشر في أخبار الأدب وكتاب الدكتور الناقد أحمد فرحات في كتابه (شعراء
مصر المعاصرون) وكذلك في كتاب حدائق التفاح للشاعر بكري جابر، وكنت أحد الشعراء الذين
تم اختيارهم بموسوعة الشعراء العرب للمبدعة فاطمة بوهراكة بالمغرب العربي، ونلت درع
الثقافة الجماهيرية عام 2016 ونشرت سيرته في كتاب البيئات الثقافية والتنوع الأدبي،
وكذلك في كتاب (قصيدة الفصحى في مصر.. آفاق الواقع والمستقبل) الذي أعد عن مؤتمر شعر
الفصحى تم اختيار قصيدة السلام.
تفضل سعادة
الدكتور: إيهاب النجدي بالدراسة التطبيقية قصيدتي ( السلام ، حصة إملاء) لطلبة
جامعة الكويت بدولة الكويت الشقيقة.
تفضل سعادة الأستاذ
الدكتور: عبد القادر فيدوح أستاذ الأدب العربي بجامعة وهران والمنتدب لجامعة الدوحة
بتناول إحدى القصائد بالدراسة والتحليل للطلاب بالدوحة.
في ديوان مجمع
لشعراء الحرية حول العالم (عيون يارا) تم اختيار قصيدته (حقائب الملابس الملونة).
تدرس له قصيدة
(أحببتها وكفى) بجامعة أكتوبر وكلية الآداب اسيوط، ويقوم بتدريسها شيخ النحو والعروض
دكتور حسن المغازي.
ودراسة الأستاذ
الدكتور الناقد العلم أبو اليزيد الشرقاوي المعنونة (السهل الممتنع مدخل في شعر السعيد
عبد الكريم) وكذلك دراسة الدكتور إيهاب النجدي الناقد العلم المعنونة (العنوان وخطاب
النص الشعري نماذج من شعر السعيد عبد الكريم) هذا ما يحضرني الآن.
هل هناك شيء
لم نسأل فيه الشاعر السعيد عبد الكريم ويود الإجابة عنه؟
متي يصل الشعر العربي إلى العالمية ويعود إلى مكانته؟! وذلك لن يحدث إلا عندما تطلق أجنحة المفردة وتحرر العبارة من خوفها سنصل إلى العالم بأدبنا شعرا ونثرا.